المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
محمد المزيني
محمد المزيني

من الحجاب إلى الإرهاب

الأربعاء 30/أبريل/2014 - 10:32 ص
أراد الغرب الاستعماري أن يعبّر عن اتجاهاته التحررية ثقافوياً داخل البلاد الإسلامية المحافظة التي خضعت لسلطانهم من خلال العديد من الصور الرمزية، بما يقيس حساسية الجماعات للفكر الغربي ومناهجه ومدارسة، كان للمرأة نصيب من ذلك كونها ذات حساسية مفرطة داخل الوعي الجمعي الإسلامي والعربي على وجه الخصوص، هذه الحساسية لم تكن عند العربي تحديداً ثيمة موضوعية إسلامية يستقل بها، بل كانت المرأة في الجاهلية ذات قيمة اعتبارية بما تمثله من عرض لا يقابله إلا الأرض التي تراق لها ومن أجلها الدماء.
في الإسلام تبلورت هذه القيمة بما هو أوسع في المعنى وأدق في كينونتها، لتنتقل من كونها تابعة لا تنزع أو تبتعد عن ظل الرجل إلى كونها مستقلة في الواجبات والحقوق، وهذا أعطاها قيمة أشمل، فرفعها لتناصف الرجل في كل شيء، عدا ما يتعلق بمسألة المواريث لاعتبارات مفهومة، وأسقط عنها بعض الفروض والواجبات النابعة من ظرفية الكينونة النسائية، ما عدا ذلك فبمثل ما للرجل وعليه أكد الإسلام ما لها وعليها، رافعاً عنها ثقل وصاية الرجل وتربصاته بها جاعلاً من الشريعة ميزان عدل تضبط به الأمور، وقد عبر عن هذا جلياً حديث المغِيرَةِ بن شعبة: (قَالَ: قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ : لَوْ رَأَيْتُ رَجُلاً مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَِحٍ عَنْهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ ؟ فَوَاللهِ لأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللهُ أَغْيَرُ مِنِّي، مِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللهِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَلاَ شَخْصَ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ، وَلاَ شَخْصَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنَ اللهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بَعَثَ اللهُ الْمُرْسَلِينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ، وَلاَ شَخْصَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمِدْحَةُ مِنَ اللهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَعَدَ اللهُ الْجَنَّةَ).
ويفسر ذلك ما جاء عن معمر، عن الزهري، أنه ذكر قول سعد بن عبادة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (يأبى الله إلا البينة). هنا تجتمع الغيرتان، غيرة الدين الممثلة بغيرة الله ورسوله التي لا تقبل من دون البينة وغيرة البشر المتعجلة ذات المنزع الجاهلي.
بلغت بعض التأويلات حداً أعادها إلى المفاهيم الجاهلية الاستعبادية ذات الحساسية المفرطة تجاه المرأة، فهم المستعمر هذه الحساسيات الرمزية المشمولة بالغيرة وضغط عليها حتى باتت تجسِّد هوية إسلامية أكثر من كونها أمراً شرعياً إسلامياً مثله مثل بقية الأوامر الشرعية الداخلة في حيز الحلال والحرام، فبناء رمزية ما لها وإسقاطها بطرق تعسفية وخلق هوية جديدة للمجتمعات الإسلامية، استتبع ذلك غرس نبتة فتنة مقيتة داخل المجتمعات الإسلامية بالضغط على قوامة الرجل الذكورية، من خلال كل الحركات المفتعلة لنزع الحجاب قسراً، كما حدث في تركيا على يد مصطفى كمال أتاتورك في بدايات القرن الـ20، لتتلاحق هذه الاستجابات «الممسرحة» لرغبات المستعمر في الجزائر وتونس، ثم بقية أجزاء من العالم العربي والإسلامي، مبتغيةً من وراء ذلك تجريد المجتمعات الإسلامية من قوامتها الحقيقية المتمثلة في رسالة الإسلام الأسمى، وتأكيد انسلاخها منها بالانضمام إليها ثقافياً، ليصبح الحجاب بعدها عنواناً كبيراً يختزل قيم الإسلام ورسالته الشاملة، وهذا ما كان يشير بألوان فاقعة على الصيرورة الانتقالية المفاجئة للمجتمعات المحافظة لتقف بوقوف النساء أو انشقاقهن ما بين محجبات وأخريات حاسرات الرؤوس، والمعنى الإجمالي لما اتخذ من تدابير مطلع القرن العشرين ما هي إلا عمليات تشبه عمليات السحل والتجريف، وقد لا نحتاج إلى استعراض كل المبادرات المفتعلة لنزع الحجاب أو إحراقه، تلك التي قام بها نساء عربيات أمام العلن، ليتحول الصراع من صراع وجود إلى صراع هوية، شقت المجتمعات العربية إلى نصفين أقحمت في تجاذبات تتجه أحياناً إلى العنف، وترتفع فيها وتيرة الصوت المكتوب والمنطوق، بما يسمى الدفاع عن المرأة ضد قمع الرجل تبنتها اليوم دراسات وأبحاث غربية تنظر إلى واقع حال المرأة من خلال قضايا المرأة الأخرى العالقة في دهاليز القضاء والمحاكم، ومصادرة حقهن في الدفاع عن أنفسهن، والتعبير عن ذواتهن من دون وصاية الرجل.
إن توريط الحجاب في هذه المنازعات، وإرغام المجتمعات المحافظة على قبول اتخاذه كساحة وغى تستجلب لها كل أدوات وعدد الحروب لهو أمر ثقيل وهمجي للغاية، ومن السفاهة انجرارنا إلى هذا الافتعال الممنهج، ولاسيما المثقف المتماهي مع المطالبات بحقوق المرأة جاعلا من الحجاب الهدف الأول لمرماه، مما يستحث القوى المناهضة إلى كل ما يمت إلى التغريب بصلة، وتحدث القطيعة الفكرية والنفسية بين أبناء جيل بكاملة، تصل هذه القطيعة إلى الاحتراب، ويأخذ شكلاً إرهابياً ممانعاً لكل أدوات التحديث المشابهة في شكلها ومضمونها للحداثة الغربية، مستشعرين الخطر الذي يتهددهم جراء الانسياق خلف متطلبات الحياة وضغطها.
إن استمراء وضع الحجاب أمام فوهات البنادق ما بين مؤيد ومعارض لهو صنيعة استعمارية خارجية، هدفها - كما أسلفت - صرفنا عن حراكنا الطبيعي وإيقاعنا في حبائل الفتن. اليوم تنكشف الحقائق، وتنقلب المرأة على ذاتها المؤدلجة، وتعود إلى طبيعتها الاختيارية، خارج رهانات السياسي والديني المسيس، فتختار ما يصلح لها ويناسب طبيعتها بارتداء الحجاب أو النقاب أو بدونهما بوصفها حرة عاقلة مكلفة، وهي تتحمل تبعات ذلك من دون غيرها، وقد رأينا في وقت مضى ارتداء كثير من الفنانات الحجاب ثم خلعنه في وقت لاحق.
ثم لننظر كيف انقسم الحجاب تحت ضغط الهوية ما بين نصفي المرأة، فنصفها الأعلى محجب والأسفل منها عار، ثم رأينا كيف يمكن أن تمرر من داخل الحجاب كثير من الموبقات، كما رأينا نساء تمسكن بحجابهن عن إيمان وقناعة، مبتغيات مرضاة الله لا غير، يحملنه معهن في كل مكان، ليس لأنه معبر عن هويتها بقدر ما هو أمر شرعي عليها الالتزام به.
سيظل الحجاب - وليس الإسلام - محط خلاف بين الفقهاء تتداخل فيه مسائل الحلال والحرام كحلق ذقن الرجل تماماً. نقلا عن الحياة

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟