قبل أن تحتل أمريكا العراق كان هذا القطر العربى
العظيم أحد الأركان الراسخة فى بنيان هذه الأمة.
تزرع
الاحتلال الأمريكى لاحتلال العراق بغزوة الكويت . ولا أحد يمكن أن يدافع عن هذا
العمل الشائن مهما كانت الدوافع إليه ومهما كانت مبرراته لدى الذين قاموا به فى
فترة من فترات الدكتاتورية الغاشمة فى العراق رغم ما كان يبشر به النظام الذى
ارتكب جريمة الغزو عن بعض الخير قبل ذلك. لكن وكما قلت دائماً – فإن الدكتاتورية
لا تأتى بخير قط.
بعد هذه السنوات التى زادت على عقدين مازال الاضطراب
يسود العراق ومازالت الطائفية تهز أركانه هزاً عنيفاً. وهى طائفية لا أساس لها من
الإسلام فى شىء، كما قال كبار العلماء. وفى اليوم الأول من أيام الانتخابات حدثت
تفجيرات فى أماكن عديدة كان يظن أنها آمنة كل الأمان وليس أدل على ذلك مما حدث فى
أماكن اقتراع الشرطة نفسها التى يظن أنها ستكون أكثر الأماكن استقراراً وأمناً
فإذا بها أماكن للانفجارات والتفجيرات، وسفك دماء مئات الأبرياء .وما تناقلته
وكالات الأنباء العالمية – وليس العربية فقط – أن قوات الجيش والشرطة تحولت إلى
أهداف للهجمات الانتحارية . ومن الصور التى تلفت النظر أنه فى اليوم الأول
للانتخابات لم يستطع الإدلاء بصوته إلا نزلاء السجون ونزلاء المستشفيات. وأظن أنه
لم يكن متاحاً لهؤلاء أن يتخلفوا عن الانتخابات بحكم الضرورة وليس بحكم الاختيار.
من الذى يتصور أن شيعياً كبيراً هو بشير النجفى الذى
يعتبر أحد المراجع الشيعية الهامة يصدر فتوى يُحّرم فيها انتخاب المالكى لأنه –
فيما قال النجفى – لم يحكم العراق لصالح العراقيين ولا حتى أغلبيتهم، وإنما حكم
العراق لصالح حزبه، وأنه استخدم المال العام لمصالح شخصية وليس للصالح العام كما
كان ينبغى أن يكون . وقيل فى تفسير هذا الموقف لبشير النجفى إنه يعد أقرب إلى
«الفتوي» منه إلى مجرد الرأى .إلى هذا المدى وصل الحال فى العراق الذى كان فى وقت
من الأوقات أحد أركان هذه الأمة . العراق بلد ذو تاريخ عريق وعميق وما أظن أن بلدا
آخر فى الوطن العربى – غير مصر – له تاريخ يطاول العراق فى عراقة وتنوع حضاراته.
كنا نقول دائماً إن مصر هبة النيل, وأن العراق هبة الرافدين, أين العراق الآن من
هذا التاريخ المجيد.
لم يقتصر أمر الفتنة على الطائفية البغيضة، بل إن
معاقل المسلحين فى الأنبار تم قصفها وأمرت السيارات والدراجات النارية والهوائية
فى عموم مدن الأنبار بعدم التجول تحسباً لشن عمليات تستهدف الناخبين أيا كانوا
وأيا كان انتماؤهم. ليس هذا فحسب بل إن اقليم كردستان العراق البعيد عن الطائفية
البغيضة بين الشيعة والسنة يدعو المالكى إلى اعتزال الحياة السياسية. وأبرز هؤلاء
القادة الأكراد مسعود البرزانى الذى كان والده قريباً من جمال عبد الناصر فى يوم
من الأيام. ولم تبتعد قادة اقليم كردستان على دعوة المالكى إلى الانسحاب من الحياة
السياسية بل إن زعماءه اتجهوا إلى المناداة بحق تقرير المصير، وذلك بالمخالفة
لأحكام الدستور الذى تمت الموافقة عليه والذى أقام البنيان العراقى على الأساس
الفيدرالى.
لم يكف العراق أن ينقسم إلى شيعة وسنة وإلى شيعة
داخل الشيعة وسنة داخل السنة وإلى عرب وكرد. أظن أنه بعد ذلك كله أصبح من المقبول
أن نقول إن الوطن العربى خضع لمؤامرة بشعة لكى تبقى إسرائيل وحدها هى القوة
المؤثرة فى المنطقة. ولست فى حاجة إلى أن أذكّر هنا بالدراسات العديدة التى كتبها
الصديق العزيز العروبى الكبير محمد الخولى عما يخطط من مؤامرات للوطن العربى.
كلمة أخيرة أقولها لمصر والمصريين إنه لم يبق فى
الدول العربية جيش قوى إلا الجيش المصرى الذى استرد عافيته واسترد مصر للمصريين
بعد ثورة 30 يونيو. أقول للمصريين حافظوا على هذا الجيش العظيم فإنه هو الدرع
الوحيدة الباقية فى الوطن العربى كله.
وهل يجوز لى أن أختم ببعض أبيات من الشعر العربى
قيلت فى رثاء حال بغداد:- سلام على بغداد من كل غادر ومن كل خّوان ومن كل فاجر.
سلام على بغداد وعلى العراق كله. ولعلنا ندرك حجم المؤامرة التى تحاك لهذا الوطن
كله لكى تسوده اسرائيل. نقلا عن الأهرام