المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
حيدر إبراهيم على
حيدر إبراهيم على

جنــــوب الســــودان: المصــير الغامـض

الإثنين 19/مايو/2014 - 09:59 ص
دخلت الولايات المتحدة الامريكية فى الأزمة الجنوبية-الجنوبية بقوة، رغم الميل الواضح لها بعد الفشل الافغانى والعراقي، والتردد فى الأزمة السورية؛ نحو العزلة وعدم التدخل المباشر. فقد كانت الولايات المتحدة الامريكية من أكثر دول العالم اهتماما بالأزمة. وهذا أمر طبيعى ومتوقع باعتبار أنها عرّاب انفصال الجنوب، وقيام دولة مستقلة فى الجنوب.
وكانت تأمل فى قيام دولة فتية ناهضة راغبة فى تجاوز آلام أطول حرب أهلية فى القارة. كما اعتبرتها الدولة الواعدة بموارد طبيعية هائلة، وبكر لم تستثمر بعد. وكانت أمريكا تتوقع أن تتحول الدولة الجديدة الى بؤرة ارتكاز استراتيجية مهمة فى شرق واواسط افريقيا، والقرن الافريقي، ودول حوض النيل. خاصة أن القارة الافريقية دخلت فى حالة عدم استقرار ونزاعات ومخاطر تمتد من (مالي) و (نيجيريا) الى (افريقيا الوسطي) و (الصومال) . ولكن دولة جنوب السودان بدأت مبكرا كدولة فاشلة بامتياز تحيط بها مشكلات التخلف، والفساد، والاستبداد، والنزاعات القبلية. وكان من أخطر نتائج كل ذلك، الأزمة الحالية التى دشنها اندلاع القتال بين الرئيس (سلفا كير) ونائبه (رياك مشار) حسب السياسة الامريكية الجديدة، عملت امريكا على تحريك الأمم المتحدة . وكانت البداية من خلال التركيز على وصول المساعدات الإنسانية، وعدم تهديد دور قوات الامم المتحدة ومهاجمة مقارها ومعسكراتها. فقد تحدثت تقارير وكالات الأمم المتحدة فى وقت مبكر عن740 الف نازح و125 ألف لاجئ، ثم تزايدت الاعداد. كما لفتت الانظار لخطر المجاعة. 
لم تهتم الأطراف المتقاتلة بنداءات الأمم المتحدة بل تفاقمت الأزمة، وازدادت أعداد الضحايا. واضطرت الولايات المتحدة لتصعيد ضغوطها. فقام « جون كيري» وزير الخارجية الأمريكي، بزيارة للعاصمة»جوبا» فى مايو الحال، وكان صارما فى توضيح مطلب دولته بوقف الاقتتال والجلوس إلى مائدة التفاوض. كما أن دول «الايقاد» المجاورة بدأت تحس بخطورة الوضع وإمكانية امتداد التوتر الى خارج حدود الجنوب، فدعمت الموقف الامريكي. واخيرا، أثمرت الضغوط، ووقّع رئيس جنوب السودان «سلفاكير ميارديت» ونائب الرئيس المقال «رياك مشار» الذى قاد معارضة مسلحة، فى العاصة الاثيوبية (أديس ابابا) مساء يوم الجمعة التاسع من مايو اتفاق سلام شامل لإنهاء الحرب فى جنوب السودان. وكان هذا هو اللقاء الأول المباشر الذى جمع بين الزعيمين منذ اندلاع الأزمة فى جنوب السودان.
احتوى الاتفاق على ثمانية بنود، أهمها: وقف إطلاق النار، وتشكيل حكومة انتقالية، والتجهيز للانتخابات، إفساح المجال للمساعدات الإنسانية والتعاون بدون شروط مع الأمم المتحدة. ولكن القتال اندلع مجددا فى اليوم الثالث فقط عقب التوقيع مباشرة. وتبادل الطرفان الاتهامات حول من هو البادئ؟ والمهم فى الأمر أن خرقا للاتفاقية قد حدث. وسرعان ما تحدثت أنباء الأمم المتحدة عن إنشاء محمكة خاصة مجلس الأمن.. ولكن من الملاحظ أن الاتفاق لم يشر لأى ضمانة أو رعاية دولية أو إقليمية. وكانت الأنباء قد أفادت أثناء المفاوضات ، بأن الطرفين رفضا أى نوع من»الوصاية». وقد تُرك الأمر لالتزام الطرفين، مما يهدد باستمرار صمود الاتفاق. 
يبدأ المستقبل عادة هنا والآن، وما نشهده حاليا هو بدايات مستقبل الجنوب. إذ من غير المتوقع أن يعيش جنوب السودان سلاما مستداما طالما ظلت نخبه الحاكمة راهنا تقدم مصالحها الخاصة على مصالح الوطن والمواطنين. فالجنوبى العادى لا يعنيه هذا الصراع بشيء ولا يعرف أسبابه. فالرئيس (كير) الذى اتهم خصومه بمحاولة انقلابية تسببت فى الاقتتال. رفض بغضب اثناء اللقاء أن يتعرض (مشار) للموضوع، قائلا إننا أتينا لوقف الحرب وليس لمناقشة المحاولة الانقلابية. إذن، لماذا طارد(كير) وحاكم تلك المجموعة المناوئة؟ كما أن أخطر ما فعله الطرفان هو تحويل الصراع السياسى الى نزاع قبلى وإثنى بين قبيلتى الدينكا والنوير. وهذا ما يُخلّد القتال لأنه سيلجأ للثأرات المتبادلة ويستحيل وقفها. وتوقعت الأمم المتحدة أن يضطر نصف سكان الجنوب البالغ عددهم الـ12 مليون نسمة للنزوح. 
كان الجنوبيون الذين قاتلوا منذ العام1955 يتوقون الى حياة الكرامة والعدالة، ولكن خذلتهم النخب الفاسدة. فقد حكمت هذه النخب منذ توقيع اتفاقية السلام الشامل عام 2005م مشاركة مع حزب (المؤتمر الوطني) ثم منفردة منذ إعلان الانفصال عام 2011. وطوال هذه الفترة لم يشهد الجنوب أى تغيير تنموى أو تحسن فى مستوى المعيشة. وبقيت البنية التحتية مُخربة وكأن الحرب مازالت مستمرة، فلا توجد طرق ولا كبارى او جسور. وبقيت خدمات الصحة والتعليم ومياه الشرب، متدنية لم يطرأ عليها أى تقدم. علما بأن الجنوب بدأ كدولة نفطية محدودة السكان وجيدة الدخل. ولكن تم نهب ممنهج للمال العام، وتهريبه من قبل المسئولين الى الخارج لشراء المنازل، وتأسيس الشركات الخاصة وتعليم الأبناء. وتستمر معاناة الجنوبيين تحت حكم أبنائهم. 
أضاعت النخبة الجنوبية فرصة بناء وطن حديث ولن تعوض. ولكن لابد من عملية إصلاح، تبدأ بتحول ديمقراطى حقيقى فى الحكم يٌمكّن من المشاركة والمحاسبة. وهذا ما ينقص الحركة الشعبية التى لم تنجح فى التحول من حركة مسلحة ومقاتلين الى حركة مدنية وحزب حديث وديمقراطى داخليا. نقلا عن الأهرام

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟