المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

اسحقاقات ما بعد الانتخابات: رباعية الشرعية والأمن والتنمية والديمقراطية

الثلاثاء 20/مايو/2014 - 11:13 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات
د‏.‏ محمد السعيد إدريس
أيام قليلة سوف تمر سريعة وسنجد أنفسنا وجهاً لوجه أمام الاستحقاقات شديدة الصعوبة لمرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية بغض النظر عن اسم الفائز في هذه الانتخابات.
 وسنجد أنفسنا مضطرين لأن نحصد ثمار ما زرعنا خلال الأيام القليلة التي تمثل العمر الزمني للحملة الانتخابية الرئاسية، ولحسن الحظ مازال أمام كل من المرشحين المشير عبد الفتاح السيسي والأستاذ حمدين صباحي أيام، حتى ولو كانت قليلة، لمراجعة أداء حملته من منظور ما ينتظره من استحقاقات لن يكون أمامه مناص من حتمية التعامل معها. وفى هذا الأطار هناك جملة من الاستحقاقات لابد أن يعمل على تحقيقيها الرئيس الجديد، وهى كما يلى:

يحرص الإخوان على تشويه الانتخابات الرئاسية قبل أن تبدأ من أجل نزع شرعيتها لاستمرار تثبيت شرعيتهم

أولا: تأكيد الشرعية

أول هذه الاستحقاقات وأخطرها ما يمكن أن نسميه استحقاق "تأكيد الشرعية" بناء على ما سوف تكون عليه نسبة المشاركة الشعبية في الانتخابات. فالنظام في مصر يواجه منذ يوم 3 يوليو 2013، يوم التحام الشعب بالجيش في ثورة إسقاط نظام الإخوان ما يمكن وصفه بـ "معركة إنكار الشرعية"، في ظل تعامل الإخوان وأعوانهم داخل مصر وخارجها مع ثورة 30 يونيو باعتبارها "انقلاباً على الشرعية"، لذلك كانت مبادرتهم في تأسيس ما أسموه بـ "التحالف الوطني لدعم الشرعية"، وإصرارهم على التعامل مع الرئيس المعزول محمد مرسي باعتباره "أول رئيس مدني مصري منتخب"، وتأكيدهم المستمر تبرير ما يقومون به من أعمال عنف وإرهاب بأنه دفاع عن الشرعية وإصرار على استردادها. وهم يعملون ويخططون الآن للحيلولة دون قيام شرعية جديدة بديلة من خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة، وسبيلهم إلى ذلك الحيلولة دون نجاح تنظيم الانتخابات، وإذا فشلوا فإنه سيقاتلون من أجل أن تجئ نسبة المشاركة الشعبية في هذه الانتخابات أدنى كثيراً من مثيلتها التي جرت عام 2012 وأسفرت عن فوز مرشحهم محمد مرسي برئاسة مصر.

ولهذا السبب فإنهم حريصون على تشويه الانتخابات الرئاسية قبل أن تبدأ من أجل نزع شرعيتها لاستمرار تثبيت شرعيتهم. فهم يصفون هذه الانتخابات بأنها "انتخابات الدم" تمهيداً لما سوف يراق بسببها من دماء أبرياء ضحايا للعنف الذي يخططون له يومي إجراء الانتخابات، وهم يطالبون الشعب بمقاطعتها ويهتفون في مظاهراتهم ويحرضون ضد الجيش والشرطة والمرشحين الرئاسيين: السيسي وصباحي. من بين هذه الهتافات شديدة الدلالة: "لا سيسي ولا حمدين.. يسقط الكرسي بالاثنين". ويرفعون أعلاماً مصرية يستبدلون فيها النسر بشعار "رابعة" في استماتة منهم للدفاع عن معركتهم الأهم، أي معركة الشرعية.

ولذلك فإن العقل يقول إن المرشحين وحملتيهما مطالبتان بالتركيز على إعطاء كل الأولوية لدفع الناس وإقناعهم بتكثيف التصويت والمشاركة في الانتخابات، وأن يشارك الإعلام ويشارك الثوار الذين يحرصون على إنجاح ثورتهم وحمايتها ويشارك كل الشعب في جعل معركة الانتخابات الرئاسية معركة التأسيس لشرعية الثورة ودولتها ووأد شرعية حكم الإخوان. فالمطلوب أن يعمل كل المصريين على جعل يومي الانتخابات الرئاسية يومين تكميليين من أيام صنع الثورة.

في مقدور كل من المرشحين الرئاسيين أن يتفوق على نفسه، وفي مقدور حملتيهما أن تتفوقا على نفسيهما بإعطاء كل الأولوية لخوض معركة الشرعية للنظام المصري الجديد من خلال هذه الانتخابات دون التقيد بشخص من سيفوز، فسواء فاز المشير السيسي أو فاز الأستاذ حمدين صباحي فإن فوز أي منهما لن يكتسب أهميته ومكانته إلا بتحقيق انتصار الشرعية من خلال نسبة تصويت غير مسبوقة تحاكي وتشابه روعة تصويت المصريين المغتربين في الخارج الذين أثبتوا جدارة في معنى الوفاء والحب للوطن، بمقدور صاحب الحظ في الفوز من المرشحين أن يكون صاحب السبق في أن يخوض هذا الاستحقاق الأهم الآن، لأنه بعد الفوز لن يستطيع أن يخوض هذه المعركة بل سيكون مضطراً لأن يدفع ثمن تقصيره في خوضها، وهذا ما لا نأمله ولا نريده.

الرئيس الجديد مطالب بأن يثبت جدارة في تحقيق الأمن، وأن يضع نهاية سريعة للإرهاب الأخواني، ولكل أشكال التآمر على مصر والتدخل في شئونها الداخلية،

ثانيا: الأمن المفقود

أما الاستحقاق الثاني فهو استحقاق الأمن الذي لا ينافسه في الأولوية والأهمية غير استحقاق الاقتصاد، نظراً لأن الأزمة الاقتصادية الراهنة بأشكالها المختلفة خاصة العجز التجاري والتضخم المتفاقم والبطالة العالية والعجز المفرط في السيولة النقدية والحاجة غير المسبوقة للاقتراض من الخارج، هي أحد أسباب استحكام الأزمة الأمنية وأحد أبرز مخرجاتها في آن واحد.

الرئيس الجديد مطالب بأن يثبت جدارة في تحقيق الأمن المهدد بكل أشكاله، وأن يضع نهاية سريعة للإرهاب الأخواني، ولكل أشكال التآمر على مصر والتدخل في شئونها الداخلية، وأن يواجه بحسم مؤامرة استنزاف الجيش وفرض معارك مستجدة عليه خاصة معركة الحرب ضد الإرهاب بدلاً من التركيز على معاركه الاستراتيجية وعدوه التاريخي.


ثالثا: التنمية وإدارة الملفات الاقتصادية

وسوف يتداخل حتماً الاستحقاق الاقتصادي كاستحقاق ثالث متلازم ومتزامن مع مواجهة الاستحقاق الأمني، إذ لن يمكن إكمال مهام تحقيق الأمن دون تقدم حقيقي في معالجة ملفات الأزمة الاقتصادية المستحكمة برؤى استراتيجية اقتصادية جديدة تبدأ بتحديد ماهية النظام الاقتصادي المطلوب على ضوء ما يحدث الآن من تطورات شديدة الأهمية في النظريات الاقتصادية العالمية وما يسمى الاقتصاد الجديد الذي له علاقة مباشرة بما يعرف بـ "اقتصاد المعرفة" و"إنتاج المعرفة" بعد أن أضحت "المعرفة" هي أهم السلع الاقتصادية الحديثة، بعيداً عن الأطر التقليدية للاقتصاد الرأسمالي التقليدي التي تم تجاوزها في الاقتصادات المتقدمة.

سيكون الرئيس مطالباً أيضاً بالبحث عن مخارج غير تقليدية لتوفير ما لا يقل عن أربعمائة مليار دولار باتت ضرورية لحل مشاكل مصر الاقتصادية والاجتماعية، ومواجهة أعباء الديون المتراكمة يأتي في مقدمة هذه المخارج السعي الجاد والدءوب لاسترداد ثروة مصرية هائلة جرى سرقتها وتهريبها من فاسدي نظام مبارك وتم إيداعها في بنوك ومصارف خارجية ليس فقط في دول أجنبية بل في دول عربية شقيقة، ومنها تفعيل أجهزة الرقابة على المال العام ومحاربة التهرب الضريبي لكبار رجال الأعمال وصياغة سياسة اقتصادية ـ اجتماعية تحقق العدالة وتؤمن إعادة تشغيل الاقتصاد الوطني والعودة به مجدداً ليصبح اقتصاداً للإنتاج بدلاً من اقتصاد التبعية والاعتماد على الخارج.

الرئيس مطالباً بالبحث عن مخارج غير تقليدية لتوفير ما لا يقل عن أربعمائة مليار دولار باتت ضرورية لحل مشاكل مصر الاقتصادية والاجتماعية

رابعا: بناء الدولة الديمقراطية

أما الاستحقاق الرابع الذي يرقى لأن يكون أول الاستحقاقات، لولا ظروف التحدي الأمني التي نعيشها، فهو استحقاق بناء الدولة المدنية الديمقراطية التي تؤمن كل أنواع الحريات لكل المواطنين: الحريات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية أيضاً، وأن تحقق العدل بكل أنواعه/ الاقتصادي والاجتماعي والقانوني والسياسى، فالدولة التي يريدها المصريون هي دولة الحرية العادلة ودولة المساواة العادلة، وإذا نجحنا في إقامة هذه الدولة فإننا سنكون قد انتصرنا فعلاً وانتصرت ثورتنا، وهذا بالتحديد معيار الحكم على نجاح أو فشل الرئيس الجديد الذي ينتظره، بلهفة، كل المصريين.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟