المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
محمد علي إبراهيم
محمد علي إبراهيم

لماذا يحتاج السيسي معارضه قوية

الخميس 29/مايو/2014 - 11:48 ص
يصعد المشير السيسي إلى سدة الحكم في مصر من دون خلفية سياسية، أو إنتماءات أيدولوجية واضحة أو على الأقل معروفة، وفي الوقت نفسه على أرضية تأييد ساحق يكاد يمثل نوعا من الإجماع الوطني. وهو الأمر الذي قد يغري الرجل بالتوجه مباشرة إلى الجماهير من دون وساطة النخبة السياسية، كخيار ممكن، خصوصا في المرحلة الأولى من حكمه استنادا إلى رصيده الشعبي.

ربما ظل الخيار ممكنا طالما استطاعت الدولة النهوض بمهامها السيادية على نحو أفضل، أو تمكنت من تقديم إنجازات إقتصادية ملموسة. ولكنه خيار غير مأمون العواقب على المدى الطويل. فهو الخيار نفسه الذي كان الرئيس عبدالناصر قد مارسه غداة 23 يوليو، تحت ضغط شكوكه العميقة في الأحزاب القائمة، والمبررة في نيات الجماعة الإخوانية. ففضل تقزيم الاولى وحظر الثانية، وتحقق له ما أراد مرحليا، قبل أن ينهار مشروعه مع رحيله بفعل غياب الحاضنة السياسية له. لذا استمر ناصر فكرة في ضمير البسطاء، ويافطة على واجهات أحزاب ناصرية صغيرة وممزقة وليس تجربة حية مؤطرة في أبنية سياسية حقيقية.

فضلا عن ذلك، سيترك هذا الخيار لجماعة الإخوان، الخارجة على الشرعية، مساحة أكبر للتحرك العنيف ضد الحكم. فطالما استمر احتياج الرجل للشارع إسنادا لتوجهاته، فسيتعرض لكل ما في الشارع من تيارات وضغوط.

خروجا من هذا المأزق يتوجب على الرجل أن يجيب عن سؤالين رئيسيين: بمن سيحكم؟ وباسم من سيحكم؟

ولأن حلقة ضيقة أخذت تتحلق حول الرجل من شخصيات عامة تشرف على حملته الإنتخابية، يصلح بعضهم لبناء فريق رئاسي (تنفيذي) على نحو يجيب ولو باقتضاب عن السؤال الأول، يبقى السؤال الثاني هو الأهم: باسم من سيحكم؟ وهو سؤال يفرض على الرجل الاختيار بين بديلين يتوقف على كل منهما مستقبل مختلف للنظام السياسي المصري.

المهمة الأولى هي التوجه نحو صياغة قاعدة لحكمه، تيار سياسي يتبني فكره، بنية حزبية تؤيده، وحضور برلماني يسند توجهاته الكبرى. بإختصار يحتاج إلى بناء جبهة وطنية لحكمه على النحو الذي كان قد أثاره الأستاذ محمد حسنين هيكل، وتحدث عنه كثيرون بعده.

وفي إعتقادي أنها مهمة سهلة بقدر ما هي ضارة بمستقبل مصر على المدى البعيد. إنها سهلة بفعل البنية السلطوية العميقة للمجتمع المصري، المتصحر سياسيا والمأزوم فكريا على وجه الدقة، حيث تبدو السلطة فيه دائما أقرب إلى لهب مضيء في مساحة مظلمة، يسير إليها الجميع ولو على غير هدي، أي على طريقة الفراشة التي تلتصق حتى تحترق، وليس على طريقة السياسة، التي تحاور وتفاوض وتساوم، وذلك بفعل ضعف تبلور التيارات الإيدولوجية والفكرية خارج فضاء الإسلام السياسي، وكذلك ضعف البناءات الحزبية غير القادرة على حشد الجماهير على نطاق واسع.

تبلورت الحركات الجماهيرية الكبرى تاريخيا حول الوطنية المصرية نفسها، سواء في تلك الهبات ضد الاحتلال وطلبا للإستقلال، أو في نظرتها الرافضة للهزيمة العسكرية وطلبا للقتال ضد العدو، أو حتى في سياق تحركات ثورية على نحو ما شهدته مصر أخيرا. ولكنها، أي الحركات الجماهيرية، لم تتبلور قط في قوالب أيديولوجية أو تتصارع سياسيا من داخل الفضاء المدني. ومن ثم فما أن يجلس الرجل على كرسيه إلا وستسارع جل التيارات المدنية إلى تقديم خدماتها إليه، وإبداء رغبتها في الانضواء تحت قيادته، ومن ثم يكون عليه فقط الإختيار من بينها لتشكيل قاعدة الحكم، وفق توجيهاته وميوله الشخصية، وقدرته على قراءة المواقف والناس.

والمشكلة على هذا الصعيد أنه سيفتقد إلى جبهة معارضة مسؤولة ترشد قراراته، تعادل التيار الذي يؤيده، وتفاوض القاعدة التي يحكم بها. فالذين يرفضون السيسي، من المبتعدين عن لهب السلطة، سيكونون غالبا هم المنتمون للإسلام السياسي، التيار الأقدر على الحشد بقوة الايدولوجيا، ولكن غير الراغب في الحوار مع الرجل حول سياساته العملية، أو توجهاته الفكرية، لأنه يرفضه هو نفسه وما يمثله، كما يرفض اللحظة التي دخل فيها على الخط السياسي، حيث لا يزال الجدل يدور حوله وليس معه، حول فكرة الثورة والإنقلاب، حول الماضي الذي كان لا المستقبل الذي يجب أن يكون.

وأما المهمة الثانية فهي الإشراف على عملية تاريخية بالغة الأهمية تهدف إعادة بناء نخبة سياسية (مدنية) طال افتقادها، وذلك بممارسة الحياد بين القوى القائمة كي تتمكن من إدارة صراعاتها بنفسها، وتنتظم تدريجيا في قوالب قادرة على الفعل عبر التنافس الشريف على برلمان يتبلور فيه وداخله التيار الأقدر على الحكم من خلال موقع رئاسة الوزراء الذي سيحوزه التيار الغالب في البرلمان، والتيار الأقرب إلى المعارضة داخل هذا البرلمان، فيما يكتفي هو بترشيد الصراع بين السلطة والمعارضة، باعتباره رمزا للوطنية المصرية وقائدا للتيار المدني يضطلع بمهمة حمايته من الخارج، ضد تغول طرفين أساسيين عليه: أولهما هو التيار الديني. وثانيهما هو أجهزة الدولة الامنية والسيادية.

هكذا يتحول الرئيس إلى موقع الحَكم ليس فقط بين السلطات، ولكن بين التيارات الفكرية والبينات الحزبية السائدة في المجتمع بغرض تكريسها ذاتيا وتبلورها موضوعيا وامتلاكها المتنامي للقدرة على التفاوض معا داخل البرلمان، وعلى تحريك الجماهير في الشارع، تحريكا مدنيا وسلميا، دفاعا عن مشروعاتها وتوجيهاتها حتى لا تبقى هذه القدرة رهينة للتيار الديني وحده.

ربما كانت هذه المهة، هي الاصعب. إذ يتعين على الرجل هنا أن يبني ليس فقط جبهة للحكم، ولكن أيضا جبهة للمعارضة.

ولكنها المهمة الابقى على المدى الطويل. فمن دون نخبة مدنية ناضجة قادرة على ممارسة الحكم الرشيد والمعارضة المسؤولة في ان، سيبقي العطب نفسه الذي ضرب تجربة يوليو قائما، وسيكون السيسي في أفضل الأحوال فترة هدنة تتجمد خلالها التناقضات والقصورات القائمة، قبل أن تنفجر برحيله، وربما في وجوده، ما يعني أن تظل مصر صحراء سياسية تتقلب على جنبيها بين هواجس العسكرة، ومخاوف الأسلمة، وكلتاهما جدران صد وعوائق حركة على طريق التقدم نحو الدولة المدنية جوهريا والديموقراطية فعليا

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟