خطأ وقعت فيه. والوقوع فى الخطأ طبيعي. والاعتراف بذلك يجب أيضاً أن يكون طبيعياً. فقد كتبت هذا المقال لينشر قبل إجراء الانتخابات بيوم واحد تحت عنوان لماذا سيفوز السيسي؟. لكن لأنه تزامن مع فترة الصمت الانتخابى فكان واجباً ألا ينشر. واليوم تتكرم الأهرام بنشره بعد تعديل العنوان من صيغة مستقبل كان متوقعاً إلى صيغة ماضى أصبح ماثلاً. فقد فاز السيسي. وليس فى ذلك مفاجأة. حتى بعض من تساءل حذراً ماذا لو فاز صباحى كان فى قرارة نفسه يعلم أنه لن تكون هناك مفاجآت.
أما الخطأ الذى وقعت فيه فهو أنى توقعت نسبة مشاركة أكبر ظاناً أن المصريين سيشاركون بكثرة ليس فقط ليختاروا رئيساً وإنما ليؤكدوا وجود تيار رئيسى يجمعهم بعد استقطاب وأنهم كما جاءوا بإرادتهم بالإخوان فى 2012 أزاحوهم أيضاً بإرادتهم فى 2013، ونزلوا فى 2014 ليشددوا على ذلك. لكن لولا اللجنة العليا للانتخابات التى غيرت قوعد اللعبة فجأة فمدت الانتخابات ليوم إضافى لكان معدل المشاركة قد بقى عند المتوسط التاريخى لمشاركات المصريين الانتخابية والذى يبلغ بحسب المؤسسة الدولية للنظم الانتخابية 34.4%. وهو تقريباً ما انتهت إليه النتيجة بنهاية اليوم الثانى عندما بلغت نسبة المشاركة 37%. وقعت فى الخطأ لما أهملت قيمة التاريخ. ولهذا فالدرس الأول عند تحليل أسباب فوز السيسى هو عدم إهمال التاريخ لا من قبل من فاز أو خسر أو من يحلل المشهد ويتابعه.
فاز السيسى بسبب الصورة الجماهيرية الطيبة التى تكونت عنه بسرعة مذهلة عند الكتلة الأكبر من المصريين. استقر اسمه فى الوعى العام على أنه من حمى ثورة يونيو التى تكلم عنها للمصريين باعتبارها امتداداً لثورة 25 يناير وليست انقلاباً عليها. هذه الصورة الجماهيرية الحاشدة ضمنت له 93% من أصوات الناخبين. وقد تأسست على ثلاث ركائز. أولاها أنه قضى على الفاشية الدينية التى كادت أن تطبق على مصر. وثانيتها أنه أحبط موقفاً غربياً غض الطرف بغرابة عن تلك الفاشية. وثالثتها أنه كان الأكثر إقناعاً للمصريين بقدرته على إعادة تشغيل الدولة.
فقد تصدى للفاشية الدينية استجابة لشعب كانت تنقصه الوسيلة فوجد السيسى يقدمها له. وزاد من شعبيته أنه لم يعبأ بالانتقادات الغربية التى رأت أنه أزاح رئيساً منتخبا ديمقراطياً ولم تر أن الرئيس السابق كان فاشياً فكرياً. مع أن الغرب نفسه عارض مثلاً بقوة عام 2000 انتخاب النمساوى المتشدد يورج هايدر بل وفرض عقوبات على النمسا إلى أن جرت انتخابات مبكرة أعادت تشكيل الحكومة ليخرج هايدر منها. وبسبب وقوف السيسى ضد الفاشية الدينية وعدم اكتراثه بازدواجية المعايير الغربية بدا فى عيون المصريين الرجل الأنسب للحفاظ على الوطن وإعادة تشغيله من جديد.
لكن هناك أسباب أخرى دعمت حظوظه. من بينها أن المعركة كانت من أساسها غير متكافئة. وبرغم صحة كثير مما يوجه من نقد إلى الإعلام وجهاز الدولة إلا أنهما لم يتسببا فى حالة عدم التكافؤ وإنما فقط أظهارها. جهاز الدولة المصرى مثلاً قديم، بل هو الأقدم فى العالم. يعرف كيف تكون له كلمة ولو بسيطة فى الانتخابات حتى إن لم يستدع. وكثيراً ما استدعى نفسه بنفسه. أحياناً بشكل سافر وأحياناً بشكل مستتر. ولأن هذا الجهاز كان على بينة من أن السيسى سيفوز فقد وفر له دعماً لم يكن يحتاجه ولا يستطيع فى الوقت نفسه أن يوقفه. دعما لم يحصل عليه المرشح المنافس ولم يحصل عليه السيسى إلا للشعبية الطاغية التى خدمته فيها طريقة سير الظروف.
والظروف التى سبقت وصاحبت الانتخابات كانت معقدة ولم تكن مختلقة حتى تأتى بالسيسى رئيساً كما يدعى المغرمون بالتفسير التآمري. فالإرهاب مفزع وليس فزاعة أحبكت لتدفع بالرأى العام إلى قبول رئيس من خلفية عسكرية بعد أن كان يطالب قبل أشهر قليلة بإبعاد الجيش تماماً عن السياسة. الكل كان يرى حالة الأمن ويشعر بمخاوف الشارع ويلحظ الانقسام العميق داخل صفوف النخب المدنية ويتخوف من الأوضاع الاقتصادية والتهديدات الأمنية والأوضاع الإقليمية. ولم يكن المصريون ليهملوا فى ظل هذه الظروف الاسم الاكثر شعبية، فاعتبروه مرشح الضرورة والخيار الذى أملته حاجة مصر وأحوالها.
بجانب ذلك كان أداء المرشح المنافس عاملاً إضافياً فى فوز السيسي. فالسيد حمدين صباحى شخصية محترمة وجادة وجديرة بالاحترام. وكان ذلك من حظ السيسى لأن الناس تابعته وهو ينافس مرشحاً حقيقاً وليس صورياً. فلو كان السيسى قد خاض الانتخابات أمام مرشح ضعيف كما سيخوضها الأسد فى سوريا لكان قد خسر احترام المصريين حتى لو فاز بأصواتهم. لكن السيسى خاض السباق أمام الحصان الأسود فى الانتخابات السابقة، وتنافس مع رجل له مؤيدون بالذات داخل التيار الناصري. لكن لأن الظروف جعلت من السيسى مرشح ضرورة فقد وجد نفسه مدعوماً حتى من ناصريين سبق أن دعموا حمدين بما فى ذلك رموز من أسرة الرئيس الراحل عبد الناصر. ومع هذا استمر أداء حمدين قوياً، وهو ما أكد أن السيسى نجح لجدارة رآها الشعب فيه وليس بالضرورة لضعف منافسه.
فاز السيسى بالرئاسة. ولن يكون لديه وقت لتلقى التهانى ولا يجب أن يضيع وقته فى تلقيها. كان الأقرب للفوز بثقة المصريين فأصبح الرئيس، والآن يتحمل المسئولية. وعليه بعد أن كان يعدهم كمرشح أن يرضيهم كحاكم. ولديه مهام عديدة وعاجلة عليه ألا يؤخرها ليُطمّئن الناس ويشركهم فى تحمل المسئولية. ربما يأتى على رأسها حتى يبعد سوء الظن عنه التبكير بإجراء الانتخابات البرلمانية. فلا يجب ألا يستمر رئيس الجمهورية قابضاً على السلطتين التنفيذية والتشريعية. فالقبض على سلطة واحدة يكفى للملامة فما بالنا بالإمساك بسلطتين!!. وهو درس آخر من تاريخنا القريب يجب ألا يغيب عن العيون. نقلا عن الأهرام