المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

أوجه الشبه والاختلاف: حفتر على خُطَى السيسي

الإثنين 09/يونيو/2014 - 10:50 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات
إبراهيم منشاوي*

   انطلاقًا من الانتشار الكثيف للجماعات المسلحة في ليبيا، وتهديدها لاستقرار الدولة هناك، قاد اللواء المتقاعد، خليفة حفتر، عملية لتطهير ليبيا أطلق عليها "عملية الكرامة". وقد انطلقت تلك العملية من مدينة بنغازي معقل الثورة الليبية، ولكنها سرعان ما امتدت إلى معظم ربوع الدولة. وقد أوضح حفتر أن الهدف من عمليته؛ هو تطهير ليبيا من المتطرفين وجماعة الإخوان المسلمين وتحقيق الاستقرار، حيث إن ليبيا تعاني من حالة الانفلات الأمني الذي أضر بصورة كبيرة بدول الجوار المباشر وهى (مصر وتونس والجزائر).

   وقد سبقه بعدة شهور الفريق أول حينذاك عبد الفتاح السيسي بقرارات 3 يوليو، والتي أطاحت بحكم الإخوان المسلمين في مصر، ووضع خارطة طريق للبلاد للخروج من أزمتها.

 

أولا: خلفية واحدة

يمكننا القول إن كلا من اللواء حفتر والمشير عبد الفتاح السيسي يتشابه كل منهما في الخلفية العسكرية. فالمشير السيسي هو ابن المؤسسة العسكرية في مصر، حيث ولد في 19 نوفمبر 1954، وخدم في سلاح المشاة بعد تخرجه في الأكاديمية العسكرية عام 1977. وحصل السيسي على ماجستير في العلوم العسكرية من كلية القادة والأركان المصرية عام 1987، وماجستير في العلوم العسكرية من كلية القادة والأركان البريطانية عام 1992، وزمالة كلية الحرب العليا الأمريكية عام 2006.

وشغل السيسي عدة مناصب مهمة، منها قيادة سلاح المشاة، وقيادة المنطقة الشمالية العسكرية بالإسكندرية، ثم عيّن رئيسًا للمخابرات الحربية والاستطلاع قبل أن يختاره الرئيس المصري المعزول محمد مرسي لتولي منصب وزير الدفاع. وعندما اندلعت مظاهرات 30 يونيو، انحاز المشير السيسي للإرادة الشعبية وأصدر قرارات 3 يوليو، والتي أطاحت بالرئيس المعزول محمد مرسي.

قدم المشير عبد الفتاح السيسي استقالته رسميًا من منصب وزير الدفاع الخميس 27 مارس 2014، تمهيدًا لترشحه في انتخابات الرئاسة في مصر، بعد أن أعلن الاستقالة في خطاب متلفز عقب اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية .وهو الآن رئيس جمهورية مصر العربية بعد الانتخابات التي جرت في مصر في شهر مايو الماضي.

أما اللواء المتقاعد خليفة حفتر، فهو ضابط سابق في الجيش الليبي ولد عام 1943، وحصل على العديد من الدورات العسكرية، منها "قيادة الفرق" في روسيا، وكان من القادة العسكريين الذين أسهموا مع معمر القذافي في الانقلاب العسكري الذي من خلاله وصل القذافي إلى سدة الحكم عام 1969. وكان عضوًا في مجلس قيادة الثورة الذي انبثق عن هذا الانقلاب.

   قاد حفتر الحرب التي دارت في ثمانينيات القرن العشرين بين ليبيا وتشاد بسبب الصراع على إقليم أوزو الحدودي بين البلدين، وكان ضمن مئات الضباط الليبيين الذين أسروا خلال إحدى المعارك العسكرية نهاية مارس1987.

   وبعد اندلاع ثورة 17 فبراير 2011 عاد إلى ليبيا، وتحديدًا إلى بنغازي لينضم إلى جيش التحرير الوطني للمشاركة في الجهود العسكرية والسياسية الهادفة إلى إسقاط النظام. وقد تولى لوقت وجيز قيادة جيش التحرير الذي أسسه الثوار، وبعد انتقادات لأداء هذا الجيش الذي تشكل في أغلبه من متطوعين ومن شباب لا خبرة لهم في الأعمال العسكرية، تم إسناد قيادة الجيش لوزير الداخلية السابق عبد الفتاح يونس العبيدي.

   وفي 14 فبراير 2014، أعلن اللواء حفتر عن سيطرة قوات تابعة له على مواقع عسكرية وحيوية في البلاد، وأعلن في بيان "تجميد عمل المؤتمر الوطني (البرلمان المؤقت) والحكومة، متبنيًا ما سمّاه "خارطة طريق" لمستقبل ليبيا السياسي.

وفي يوم الجمعة 16 مايو الجاري شنّت القوات الموالية لحفتر عملية عسكرية أطلق عليها اسم "كرامة ليبيا" ضد مجموعات وصفتها بـ"الإرهابية" في بنغازي، وانتقلت العملية لاحقًا إلى العاصمة طرابلس، وأسفرت عن مقتل العشرات وجرح المئات.

 

من أوجه التشابه بين ما فعله السيسي وحفتر، أن كل منهما جاء في ظل نظام سياسي غير مستقر أو متعثر

ثانيا: نظام سياسي متعثر

ومن أوجه التشابه بين ما فعله السيسي وحفتر، أن كل منهما جاء في ظل نظام سياسي غير مستقر أو متعثر، ففي مصر؛  كان الوضع سيئًا نتيجة لسوء إدارة الدولة من جانب الرئيس المعزول محمد مرسي، وتجدد المشكلات التي يعاني منها المواطنون يومًا بعد يوم، مما دفع حركة تمرد إلى الدعوة للتظاهر في 30 يونيو لإسقاط حكم الإخوان المسلمين. وقد كانت من بين الأسباب الأسباب التى دفعت إلى 30 يونيو التالى:

·        الخروج على خط الثورة ومطالب الثوار، بخطف الدستور، والانفراد بوضع قواعد المنافسة السياسية بما يمنع تداول السلطة، وغياب العدل الاجتماعى، وتضييق الحريات العامة، وتهديد الوحدة الوطنية والعيش المشترك.

·        بروز أشكال جديدة من العنف داخل المجتمع المصرى، كالعنف الطائفى الذى حدث فى مصر، والعنف المجتمعى وهو ما ظهر فى مصر جليًا فى ظل غياب المؤسسة الأمنية، حيث جنح المواطنون إلى الاقتصاص لأنفسهم كما حدث فى الشرقية وكرداسة غير مرة.

·        رسخ حكم مرسي على مدار عام حالة من الاستقطاب الحاد، وقسم المجتمع بين مؤيد للمشروع الإسلامي الذي يمثله الرئيس وجماعته دون أن يقدموا دليلًا واحدًا على هذا المشروع، وبين مناهض له يوصف في أغلب الأحيان بــ "العلماني".  وبدلًا من أن يتفرغ الشعب للعمل والإنتاج، اتجه إلى التناحر والعراك بين التأييد والرفض.

·        الإفراج عن سجناء جهاديين من ذوي الفكر المتطرف استوطنوا سيناء وسعوا إلى تكوين إمارة إسلامية متطرفة تستمد العون من أنفاق التهريب مع قطاع غزة التي حظيت بكل الدعم والحماية من رئيس الدولة ذاته، نفذت هذه الجماعات فعلًا خسيسًا بالإجهاز على 16 شهيدًا من الأمن وقت الإفطار في رمضان، وبعد أشهر تم اختطاف سبعة جنود قبل أن يفرج عنها بفعل حشود الجيش لتعقب الإرهابيين، وتدخل جماعة الرئيس للإفراج عن الجنود. فضلًا عما تكشف بعد إقصاء هذا الرئيس من كون هذه الجماعات الإرهابية السند لجماعة الإخوان في حربها الإرهابية ضد الدولة.

·         افتعال أزمات متتالية مع القضاء، بدءًا من إقصاء النائب العام، إلى محاصرة المحكمة الدستورية العليا من قبل أنصار الرئيس، ثم محاولة تحجيم دورها في دستور ديسمبر 2012، فإصدار إعلانات دستورية وقرارات تمس بالسلب القضاء والحريات العامة ومؤسسات الدولة، تسببت في إثارة  غضب الرأي العام، الذي عبر عن ضيقه بإحراق مقار لحزب الرئيس، فعاد الرئيس عن بعض إعلاناته وقراراته، ومضى في أخرى مما تسبب في زيادة الحنق الشعبي عليه وعلى جماعته.

·        معالجة سلبية للغاية لمباشرة إثيوبيا بناء سد النهضة، كشفت عن الافتقاد لأسس التعاطي مع الأزمات الممتدة منها أو الناشئة. فضلًا عن سوء إدارة الحوار مع القوى السياسية وبثه على الهواء بما أسهم في توتر العلاقات مع الجانب الاثيوبي وأجهض أسس الحوار السياسي معه.

·        ترك مرسي الفرصة كاملة لمكتب الإرشاد للتحكم فى زمام أمور الدولة، رغم أنه بلا أى حيثية قانونية أو مشروعية، وطاعته هو شخصيًا، بل انصياعه التام، لإرادة التنظيم الدولى للإخوان، وإظهار ولائه للجماعة على حساب الوطن.

ومن هنا فقد خرج المصريون للتظاهر ضد نظام الحكم القائم فى 30 يونيو ليس فى القاهرة فقط، بل انتشرت المظاهرات في المحافظات ومدن الدلتا والصعيد المحسوب دائمًا على القوى الإسلامية. من ناحية أخرى، انتشرت الموجة الثورية لـ30 يونيو رأسيًّا، فهذه المرة كانت عابرة للطبقات والشرائح الاجتماعية، فقد شملت الريف والبرجوازية الحضارية. واللافت للنظر أيضًا هو مشاركة رجال الشرطة وفئات من غير المسيّسين، أو ما يطلق عليه حزب الكنبة في 30 يونيو. إن خروج فئات متنوعة إلى الشارع ومساندة القوات المسلحة لها جاء تدليلًا على تعثر حكم الإخوان، وسوء إدارة الدولة المصرية.

   ولقد دفع الرد السلبي لمؤسسة الرئاسة على احتجاجات 30 يونيو، المؤسسة العسكرية إلى التحرك بإعلانها في بيانها يوم 1 يوليو إمهالها جميع الأطراف48ساعة للاستجابة لمطالب المتظاهرين في إطار حمايتها للشرعية الشعبية. وهو ما كان يعني ضمنًا تنحي محمد مرسي عن الرئاسة بطريقة أو بأخرى. ومع اقتراب مهلة المؤسسة العسكرية من الانتهاء، واستمرار التظاهرات الرافضة لحكم الإخوان، ودفع الجماعة بمؤيديها يوم 2 يوليو إلى الشارع، جاءت كلمة محمد مرسي ليؤكد فيها تمسكه بالشرعية الانتخابية، ورفضه إنذار الجيش، بل وتلويحه بالعنف ضد الرافضين للشرعية، وهو ما دفع الوضع إلى التأزم مع وجود عنف متبادل، وسقوط قتلى وجرحى. فاستبقت القوات المسلحة انتهاء المهلة باجتماعها بالقوى الوطنية والسياسية والأزهر لتتخذ قرارات 3 يوليو التي أسست لمرحلة جديدة في الثورة المصرية.

   أما في ليبيا فالوضع كان أكثر سوءًا ولا يزال حتى الآن، وذلك نتيجة لوجود جماعات مسلحة تحمل فكرًا "جهاديًا" ينطلق من خلفيات أيديولوجية متنوعة ما بين السلفي والإخواني والقاعدي وغيرها. شاركت غالبية هذه الجماعات في الثورة، كأفراد أو تنظيمات، ولكن بعد الثورة اتخذت مسارات مختلفة، ففي الوقت الذي انضوى بعضها تحت لواء رئاسة الأركان العامة التي تمثل نواة الجيش الليبي الجديد، وشارك في الانتخابات البرلمانية، أنكر البعض الآخر العملية الديمقراطية برمتها، وقاطع الانتخابات وظل حاملًا للسلاح، مما أثر على كل مؤسسات الدولة في ظل وجود حالات اغتيال وتفجيرات متكررة، حتى أصبح الأمر بمثابة مشاهد عادية في حياة المواطن الليبي.

وأكبر تحد الآن موجود بليبيا هو انتشار الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، فضلًا عن الطبيعة غير المركزية للجهات المسلحة التي شاركت إلى جانب الناتو في الحرب، وكذلك انشطار المؤسسة العسكرية الليبية إبان الثورة، حيث يشير تقرير منظمة كرايسز جروب المختصة بالنزاعات المسلحة إلى أن من يحملون السلاح في ليبيا يقدرون بأكثر من 125 ألف ليبي. ولعل أحد تجليات انتشار السلاح هو عسكرة القبيلة، حيث تتنافس القبائل على التسلح دفاعًا عن مصالحها أو عدم تهميشها في مرحلة تقسيم الثروة والسلطة بعد القذافي، ولعل أبرز دليل على ذلك، الاشتباكات  التي دارت في الكفرة بجنوب ليبيا بين قبائل لبتبو ذات الأصول الإفريقية التي تشكو من التهميش، والزوْي ذات الأصول العربية.

وهناك الميلشيات والتشظي الأمني، فعدم قدرة الحكومة الانتقالية على دمج الميلشيات المسلحة في المؤسسات الأمنية أوجد حالة من التشظي الأمني، حيث إن هناك العديد من الجماعات المسلحة التي ترفض إلقاء السلاح، ويرون أن لهم شرعية ثورية مستمدة من مشاركتهم في إسقاط النظام.

فضلًا عن الخلاف على شكل الدولة بعد سقوط القذافي، حيث بات واضحًا، من إعلان زعماء ليبين لـ"برقة" إقليمًا اتحاديًا فيدراليًا، أن السلطة في الشرق أصبحت للجماعات المسلحة

أضف إلى ذلك تنامي خطر القاعدة في ليبيا، فنتيجة لحضور الجماعات المسلحة وبشدة في الواقع الليبي، وانتشار السلاح وغياب المؤسسات الأمنية، كل هذه العوامل تشكل أرضية خصبة لتنامى قوة تنظيم القاعدة الذى يوجد حينما تصبح الدولة فاشلة. وهذا السيناريو من المحتمل حدوثه، خاصة أن عددًا من الجماعات المتشددة في ليبيا يحمل فكرًا جهاديًا تكفيريًا، لذلك فإن احتمال التعاون مع تنظيم القاعدة يظل قائمًا. كل هذه الاعتبارات كانت الدوافع المعلنة لعملية الكرامة بقيادة اللواء حفتر لتطهير ليبيا من الميلشيات المسلحة وجماعة الإخوان المسلمين.

 

ثالثا: قرارات  متشابهة

يمكننا القول؛ إن القرارات التي خرج بها كل من المشير السيسي واللواء حفتر متشابهة إلى حد كبير، فنتيجة لتطور الأوضاع في مصر فقد تم اتخاذ قرارات 3 يوليو والتي أعلنت عن خارطة الطريق، والتي ظهرت بنودها فى تعيين رئيس المحكمة الدستورية رئيسًا للبلاد "عدلى منصور"، وتعطيل العمل بدستور 2012 بشكل مؤقت، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وتشكيل حكومة توافق وطني قوية، وتشكيل لجنة بها جميع الأطياف لمراجعة التعديلات الدستورية، ومناشدة المحكمة الدستورية العليا إقرار مشروع قانون مجلس النواب، ووضع ميثاق إعلامي يكفل حرية الإعلام ويحقق المصداقية والحيدة، والعمل على دمج الشباب، وتشكيل لجنة عليا للمصالحة الوطنية من شخصيات تتمتع بالمصداقية، وتمثل مختلف التوجهات. وهي القرارات التي لاقت ترحيب المتظاهرين في الشارع، كما أنه بمقتضاها تم عزل الرئيس مرسي. وقد تم إجراء استحقاقين من تلك الخارطة وهما الدستور والانتخابات الرئاسية المصرية، والتي فاز بها المشير السيسي بنسبة تخطت 96%.

    بينما في ليبيا؛ فقد أعلن اللواء خليفة حفتر، عن تجميد أعمال المؤتمر الوطني العام (البرلمان) والحكومة المؤقتة المنبثقة عنه، وكشف عن إطلاق الجيش خارطة طريق تتكون من خمسة بنود. وقد  وضمت بنود المبادرة والتي أعلن عنها حفتر في بيان تليفزيوني، يوم الجمعة 14 فبراير 2014، تأسيس هيئة رئاسية مؤقتة تتمثل فيها القوى والأطراف الوطنية التي تنتهج العمل السلمي، وترفض الاحتكام إلى السلاح، ويرأسها رئيس المجلس الأعلى للقضاء تناط بها الاختصاصات السيادية والتشريعية.

 كما تقوم الهيئة الرئاسية بتكليف شخصية وطنية لتشكيل حكومة مؤقتة غير موسعة، وإحالة جميع الصلاحيات المالية والإدارية إلى الإدارة المحلية، بالإضافة إلى تشكيل مجلس للدفاع الوطني يتبع هيئة الرئاسة ويتولى جميع المهام ذات الطبيعة العسكرية والأمنية لحماية الوطن وتنظيم حمل واستخدام السلاح وتنظيم العلاقة مع كتائب الثوار المنضبطة لحين استيعابها في منظومة الحماية الوطنية. وكذلك التفعيل الفوري للقضاء والمؤسسات العدلية وتحقيق مقتضيات العدالة الاجتماعية وتوفير الظروف المناسبة للعدالة الانتقالية وعودة المهاجرين في الخارجين.

 ووفقًا لخارطة الطريق التي أعلنها قائد القوات البرية الليبية، يعتبر المؤتمر الوطني العام والحكومة المؤقتة المنبثقة عنه في حكم المتوقف عن ممارسة أي اختصاصات أو مهام، ويعد الإعلان الدستوري المؤقت الصادر عن المجلس الوطني مجمدًا لحين إيجاد الآليات الدستورية المناسبة.

 

رابعا: تفويض مكافحة الإرهاب

    هذه أيضًا من نقاط التشابه في الحالتين، حيث إنه في 26 يوليو2013، خرجت أعداد كبيرة من القطاعات المختلفة للشعب المصري لتلبية دعوة المشير السيسي بإعطائه تفويضًا لمكافحة الإرهاب والتي أطلقها في 24 من الشهر نفسه، وذلك ردًا على التصريحات المتتالية لأعضاء جماعة الإخوان المسلمين بحرق مصر.

   أما في ليبيا فقد بدت الصورة مختلفة بعض الشيء، حيث لم يطلب اللواء حفتر تفويضًا لمكافحة الإرهاب، وإنما اعتبر التظاهرات التي خرجت في شوارع طرابلس وبنغازي وعدد من المدن الليبية في يوم الجمعة الموافق 23 مايو 2014 دعمًا لعملية الكرامة التي يقودها، هي بمثابة التفويض من الشعب الليبي لمكافحة الإرهاب والقضاء على الجماعات الجهادية والتكفيرية في ليبيا.

أكبر تحد الآن موجود بليبيا هو انتشار الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، فضلًا عن الطبيعة غير المركزية للجهات المسلحة التي شاركت إلى جانب الناتو في الحرب

خامسا: حالة الانفلات الأمني

في الفترة التي أعقبت 30 يونيو، ظهرت في البلاد حالة من الانفلات الأمني، وذلك نتيجة لنشاط جماعة أنصار بيت المقدس وقيامها بالعديد من العمليات الانتحارية في كل ربوع الدولة المصرية وبالأخص في سيناء. حيث كثفت تلك الجماعة من هجماتها على قوات الجيش والشرطة المصرية، حتى إن بعض المراقبين ربط بينها وبين جماعة الإخوان المسلمين وجماعات فلسطينية مسلحة مثل حركة حماس على وجه الخصوص. وتعتبر الجماعة أن عناصر الجيش والشرطة مجرمون وقاموا بثورة ضد الحكم الإسلامي وضد الدين والشريعة، لذا، أعلنت حربها عليهم.

   وقد قامت تلك الجماعة بالعديد من العمليات الإرهابية التي استهدفت القوات النظامية المصرية من الجيش والشرطة وفي بعض الأحيان المدنيين الأبرياء، ومن بين تلك العمليات التي قامت بها؛ محاولة اغتيال اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية بسيارة مفخخة استهدفت موكبه، حيث أعلنت الجماعة مسئوليتها عن الحادث ووضعت مقطع فيديو للعملية خلال تنفيذها، وهو أسلوب تتبعه الجماعات الفلسطينية في تنفيذ عملياتها، كما أعلنت تلك الجماعة، بعد فشل العملية، عزمها استهداف اغتيال عدد من رموز الدولة والشخصيات السياسية التي شاركت في 30 يونيو.

   وكذلك من العمليات الانتحارية التي تبناها هذا التنظيم؛ تفجير مبنى المخابرات الحربية بمدينة رفح الحدودية في 11 سبتمبر 2013  بحي الإمام علي، الذي سقط على أثره 6 شهداء و 17 مصابًا، ورغم أن جماعة أنصار بيت المقدس أعلنت مسئوليتها عن الحادث إلا أنها رفضت الإفصاح عن هوية الانتحاري. ويعتبر من أهم العمليات الانتحارية، التي قامت بها تلك الجماعة، تفجير مديرية أمن الدقهلية بمدينة المنصورة في 24 ديسمبر 2013، وأعلنت أن منفذ التفجير يدعى "أبو مريم"، وهذه العملية راح ضحيتها أكثر من 14 قتيلًا و24 مصابًا.

وكذلك تفجير مديرية أمن جنوب سيناء في 7 أكتوبر 2013، التي راح ضحيتها 5 جنود ونحو50 مصابًا، وقد أعلن تنظيم أنصار بيت المقدس، مسئوليته ونشر صورًا متلفزة للانتحاري الذي يدعى، أبو هاجر محمد حمدان، من قبيلة السواركة. وعملية انتحارية أخرى في 19 نوفمبر 2013 ضد قافلة نقل جنود بمدينة العريش الساحلية على الطريق المؤدي إلى الحدود مع قطاع غزة، وقتل جراء هذه العملية 10 جنود، كما أصيب نحو 35 آخرين، وتم تنفيذ العملية من خلال سيارة ملغومة بواسطة انتحاري .وكذلك محاولة تفجير قسم شرطة الشيخ زُويّد، بمحافظة شمال سيناء، بواسطة انتحاري مجهول الهوية، ولكنه فشل، بفعل التحصينات، فى الوصول لقسم الشرطة من الداخل ولم تقع أي إصابات أو قتلى، في حين عثرت الشرطة على السيارة المستخدمة في التفجير وبقايا أشلاء الانتحاري.

   وإبان احتفالات الذكرى الثالثة لثورة 25 من يناير، تبنت تلك الجماعة تفجير مديرية أمن القاهرة في 24 يناير 2014 الماضي، وقد راح ضحيته 5 قتلى و74 مصابًا. كما تزامن مع هذا التفجير، ثلاثة تفجيرات أخرى، استهدفت مركبات الأمن المركزي قرب محطة مترو البحوث في منطقة الدقي، ومركزًا للشرطة في منطقة الهرم، وقوة أمنية أيضًا، في حين تمكنت أجهزة الأمن من تفكيك عبوتين في محافظة الغربية. وقد أعلنت جماعة أنصار بيت المقدس مسئوليتها عن هذه التفجيرات وطالبت المصريين بالتزام بيوتهم لحين القضاء على الجيش والشرطة والإحلال محلهم في مباشرة المهام الأمنية.

 أما في ليبيا ومنذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي؛ فقد أخفقت الحكومة الانتقالية في السيطرة على الوضع الأمني المتدهور في البلاد، لا سيما في طرابلس العاصمة وفي بنغازي ثاني كبرى المدن الليبية.

حيث سيطرت جماعات مسلحة كثيرة على مناطق كبيرة من البلاد ومواردها، بما في ذلك المناطق الثرية بالنفط. كما أخفقت الحكومة في نزع السلاح من الميليشيات أو ضم المقاتلين الذين قاتلوا قوات معمر القذافي في انتفاضة 2011 إلى صفوف القوات الحكومية بموجب إجراءات ملائمة للفرز والاختيار.

   كما قامت السلطات بـ "الاتفاق" مع ميليشيات، قوامها مقاتلون ثوريون سابقون، للمساعدة في فرض النظام، بدلًا من منح الأولوية لإعداد قوة الجيش والشرطة النظامية. هذه الميليشيات ومنها قوات درع ليبيا واللجنة الأمنية العليا كانت تعمل تحت إمرة رئيس أركان الجيش ووزارة الداخلية على التوالي، وهي كانت تعمل بالتوازي مع قوات الأمن التابعة للدولة.

زادت الهجمات من جماعات مجهولة ضد البعثات الدبلوماسية الأجنبية في طرابلس وبنغازي، بما في ذلك هجمات استهدفت سفارات فرنسا والإمارات العربية المتحدة في طرابلس، والقنصلية المصرية في بنغازي.

   كما أخفقت وحدات التحقيق الجنائي التابعة للشرطة والنيابة في توقيف المشتبهين أو إتمام التحقيقات فيما لا يقل عن 30 عملية اغتيال سياسية. وتذرعت السلطات في عدم تحركها بالافتقار إلى القدرات الكافية ولصعوبة الوضع الأمني. وزادت الاشتباكات القبلية بين مختلف الجماعات المسلحة ـ أغلبها سعيًا للتحكم الإقليمي ـ في منطقة جبل نفوسة، وفي الزاوية وورشفانة على الساحل الغربي، وفي سرت وسط ليبيا، وفي الكفرة وسبها جنوبًا. وقد وقعت اشتباكات بين الميليشيات المختلفة في طرابلس.

    وتصاعد العنف في الشرق، لا سيما في بنغازي ودرنة، مع تزايد هجمات جماعات مسلحة تتبنى أجندات دينية وميليشيات أخرى محسوبة على الحكومة. وفي يونيو 2013 قُتل 31 متظاهرًا، بعضهم مسلحون، أثناء اشتباكات أمام مقر ميليشيا قوات درع ليبيا  التي تقف إلى صف الحكومة في بنغازي. كان المتظاهرون يحتجون على وجود الميليشيا بالمدينة وعلى انتهاكاتها المزعومة، مثل الاحتجاز التعسفي.

    وهناك انتشار واسع للميلشيات في ليبيا، والتي تتفاوت التقديرات حول أعدادها، ولكن ثمة 1700 مجموعة على الأقل مجتمعة في 300 ميليشيا أسهمت في التمرد، حيث كان عدد حاملي السلاح في ليبيا يقدر بمائة وخمسين ألفا في عام  2012 ، وقد بلغ 200 ألف إلى 250 ألفا في عام2013.

والواقع، بعد مرور أكثر من 3 سنوات على سقوط النظام، أن عدد عناصر الجيش والشرطة بدا لا يذكر مقارنة بعناصر الكتائب التي تشكل ميليشيات المجلس الأعلى للأمن وقوات الدرع الليبية، وهم 200 ألف عنصر دون ولاء ثابت، أما الجيش فيضم 6 آلاف عنصر موزعين بين أربع كتائب إحداها من القوات الخاصة والثلاث المتبقية من كتائب المشاة، وثمة  76 ألفا من عناصر المليشيات فضلوا إنشاء شركات أو متاجر مع الاحتفاظ بسلاحهم.

وتبقى الحكومة ضعيفة بشكل لا يسمح لها ببسط سيطرتها، وتتفاوض السلطات بشكل مستمر من أجل البقاء، فهي مهددة من المليشيات، التي تتحكم في البلاد عوضا عن الحكومة، وهذا ما يؤكده عدد من الخبراء والجامعيين الليبيين، فيما أصبح البرلمان مقرا لأفراد يمثلون المليشيات.

   ومن هنا جاءت عملية الكرامة بقيادة اللواء خليفة حفتر لا تستهدف تطهير الدولة من الجماعات الإسلامية المسلحة التي تصاعد خطرها في الشرق الليبي، بسبب عدم قدرة الدولة على نزع سلاحها، وبالتالي، امتدت تأثيراتها إلى الجوار الإقليمي لليبيا عبر نسج علائق عابرة للحدود مع تنظيمات جهادية في مصر وتونس والجزائر.

أحد تجليات انتشار السلاح هو عسكرة القبيلة، حيث تتنافس القبائل على التسلح دفاعًا عن مصالحها أو عدم تهميشها في مرحلة تقسيم الثروة والسلطة

سادسا: محفزات متفاوتة

في أعقاب قرارات 3 يوليو، كان المشهد السياسي في مصر يبدو صعبًا ومقلقًا، ولكن الفريق أول حينذاك عبد الفتاح السيسي وجد متنفسًا لخروج البلاد من أزمتها على جميع الصعد كالتالي:

§        على المستوى الداخلي: وقفت جموع الشعب التي خرجت في 30 يونيو إلى جانب السيسي في حربه ضد الإرهاب، وقد تجلى ذلك الموقف في ذروته في 26 يوليو، عندما خرجت جموع الشعب المصري في كل الميادين استجابة لدعوة السيسي من أجل إعطائه تفويضًا بمكافحة الإرهاب. لذلك فقد استمد قوته من الإرادة الشعبية والاصطفاف حول شخصه، حيث رأى فيه الجميع رمزًا للدولة المصرية، ورجلًا يستحق أن يكون على قمة السلطة في مصر خلفًا للرئيس الراحل جمال عبد الناصر. ولا ننسَ هنا الإشارة إلى الدعم الذي قدم من قبل المؤسسة العسكرية للسيسي بحكم انتمائه لها، كما أنه كان وزير دفاعها، هذا الدعم الذي جعله يقف على أرض صلبة في حربه ضد الإرهاب.

§        أما على المستوى الإقليمي: لا يخفى علينا الدور الكبير الذي قامت به كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من الدعم الاقتصادي والمالي لمصر للخروج من المأزق العسر الذي تمر به البلاد، وقد تجلى هذا الموقف في إعلان المملكة العربية السعودية جماعة الإخوان المسلمين تنظيمًا إرهابيًا، وتلويح بعض الدول العربية الأخرى بإمكانية اتخاذ نفس القرار مثل الإمارات والبحرين، وهو ما جعل التنظيم الدولي للإخوان في موقف لا يحسد عليه، بعد التضييق الإقليمي على الجماعة وشل حراكها جزئيًا، في نفس الوقت الذي كان فيه هذا الإعلان من قبل المملكة بمثابة رسالة تهديد إلى قطر، التي وفرت الملاذ الأمن لقيادات الجماعة، وقد كان ذلك واضحًا بسحب السعودية والإمارات والبحرين لسفرائهم من الدوحة.

§        أما على المستوي الدولي: فنتيجة للتوتر في العلاقات المصرية الأمريكية بعد 30 يونيو، اتجهت مصر إلى روسيا الاتحادية، وقد بات واضحًا الدعم الروسي لمصر من خلال استقبال السيسي من قبل الرئيس بوتن في زيارته إلى موسكو في 22 فبراير 2014، والتي فتحت آفاقًا جديدة ومتنوعة من العلاقات مع روسيا فى مختلف المجالات، وهذا له انعكاساته الإستراتيجية والاقتصادية والتكنولوجية وخاصة على قدرة صانع القرار المصري في التحرك دوليًا بحرية، وإيجاد فرص للتنوع على المستوى العالمي، كما أن هذا التعاون يمنح مصر مزيدًا من الاستقلالية في سياستها الخارجية، خاصة في موقفها من قضايا الصراع العربي الإسرائيلي والقضية الفلسطينية ونهر النيل وغيرها، خاصة وأن واشنطن ما زالت تعمل ضد مصر من خلال دعمها لجماعة الإخوان الإرهابية وتجميدها لبعض المساعدات الاقتصادية والعسكرية، وبالتالي فقد مثّل الدعم الروسي لمصر متنفسًا دوليًا في حربها ضد الإرهاب وقاعدة يستطيع الاعتماد عليها في المحافل الدولية.

   أما بالنسبة للواء خليفة حفتر، فقد كان الأمر مختلفًا بعض الشيء، فبعد اندلاع عملية الكرامة في ليبيا، وجد حفتر عددًا من الصعاب، ولكن كان هناك في نفس الوقت بعض الدعم كالتالي:

§        على المستوى الداخلي: لاقت عملية الكرامة دعمًا من قبائل بنغازي التي سئمت هيمنة الجماعات الإسلامية وتهديدها للسلم الاجتماعي من خلال جولاته التي قام بها في مدن الشرق خلال الشهرين الماضيين، فضلًا عن الدعم الذي تلقاه من الزنتان في الغرب، عدا قبائل مدينة مصراتة التي لا تزال عصيّة عليه. في الوقت نفسه، فهو يملك دعمًا من قبائل التبو في جنوب ليبيا التي عانت من انحياز السلطات الانتقالية لغريمتها قبائل الزوي. كما أعلنت ميليشيات "الصواعق" و"القعقاع" المقربة من الزنتان تأييدهما لعملية حفتروكذلك دعم قوات من الجيش على رأسها  كتيبة طبرق الجوية، علاوة على إعلان قائد القوات الخاصة في بنغازي وقائد الشرطة العسكرية في طرابلس دعمهما لحملة "الكرامة"، فيما لا تزال المعلومات غير مؤكدة حول تأييد بعض كتائب الجيش الوطني له في الجنوب، وقائد الدفاع الجوي في طرابلس.

§        أما على المستوى الإقليمي: يمكننا القول إنه ليست هناك مؤشرات مباشرة على أية دعم إقليمي لعملية الكرامة، ولكن من الممكن الإشارة إلى عدد من الأمور في هذا الصدد، منها ما يتعلق بموقف القاهرة من تلك العملية؛ فقد عبَّرت وسائل إعلام مصرية، رسمية وخاصة، عن دعمها حفتر تعبيرًا واضحًا، كما أن المشير عبد الفتاح السيسي أعلن، غير مرة، ضرورة التصدي للإرهاب المقبل إلى مصر عبر الحدود الليبية، مما يمثل دعمًا غير مباشر لعملية الكرامة. كذلك الأمر بالنسبة للجزائر؛ والتي تخشى من تصاعد نفوذ الإسلاميين في المنطقة، فضلًا عن دول الخليج التي وقفت بجانب مصر في حربها ضد الإرهاب، فمن الممكن أن تساند عملية الكرامة في ليبيا.

§        أما على المستوى الدولي: فالأمر بدا غامضًا بعض الشيء، حيث لم تتحدد المواقف الدولية من تلك العملية، ولكن يمكن القول إن الموضوع برمته سوف يعتمد على النتائج والمحافظة على المصالح، فدائمًا ما تنظر الدول الغربية إلى سلطة الأمر الواقع وتتعامل معه وخاصة إذا حافظ على مصالحها في المنطقة.

اعتبر اللواء حفتر التظاهرات التي خرجت في شوارع طرابلس وبنغازي وعدد من المدن الليبية بمثابة التفويض من الشعب الليبي لمكافحة الإرهاب والقضاء على الجماعات الجهادية والتكفيرية في ليبيا

سابعا: معوقات متغايرة

   يمكننا القول إن المعوقات والتحديات التي واجهت السيسي كانت على كل الصُّعد، بينما لم تتحدد بعد كل التحديات التي سوف تواجه اللواء حفتر وعمليته في ليبيا. وفي هذا الإطار تنبغي الإشارة إلى أن التحديات التي واجهت السيسي تمثلت في التالي:

§        على المستوى الداخلي: كان التحدي الأبرز متمثل في مواجهة الإرهاب؛ حيث أصبحت مصر تواجه خطر عدم الاستقرار، خاصة بعد تنامي خطر الإرهاب بعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي بموجب قرارات 3 يوليو والمعروفة باسم "خارطة الطريق"، حيث قامت الجماعات الإرهابية بالعديد من العمليات ضد قوات الجيش والشرطة، فى إطار موجة عنف غير مسبوقة تمارسها تلك التنظيمات، والتي أصبحت ناشطة بشكل كبير في سيناء مثل تنظيم أنصار بيت المقدس، مثل هذه الحالة كانت بمثابة المحفز القوى للحكومة المصرية لإصدار مجموعة من القرارات من أجل مكافحة الإرهاب ومجابهته في 15 مارس 2014، خاصة بعد حادث تفجير نقطة الشرطة العسكرية في منطقة "مسطرد"، والذي راح ضحيته 6 من المجندين.

§        أما على المستوى الإقليمي: فقد كان هناك الدعم لجماعة الإخوان المسلمين من قبل قطر وتركيا من خلال المال، واستضافة قياداتها الذين لا يبرحون مهاجمة مصر ليلًا ونهارًا، وقد أدى ذلك إلى إثارة موجة من الجفاء الدبلوماسي بين القاهرة وأنقرة والدوحة، فضلًا عن إعطاء الفرصة لجماعة الإخوان المسلمين، التي أصبح لها ظهير يساندها، إلى المماطلة في الاعتراف بما حدث، كما أكسبها نفسًا طويلًا في السباق السياسي للخروج بأكبر المكاسب التي من الممكن أن تحققها. فأردوغان لم يتوان عن تسمية ما حدث في مصر بالانقلاب العسكري على الشرعية, وقد كلل دعمًا سياسيًا وماليًا للجماعة، وكذلك قطر التي خالفت بذلك مبادئ مجلس التعاون لدول الخليج العربية والاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب.

§        أما على المستوى الدولي: كان الدعم الدولي للجماعة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، مما نتج عنه حالة من الجفاء والتوتر في العلاقات المصرية الأمريكية بعد 30 يونيو، وذلك كنتيجة لتردد الإدارة الأمريكية كثيرًا في مساندة ما حدث في مصر وحربها ضد الإرهاب. وقد أعلنت الحكومة الأمريكية غير مرة أن عودة العلاقات إلى مجراها الطبيعي مرة أخرى مرهونة بنجاح خارطة الطريق، ووقف أعمال العنف، وتحقيق تحول ديمقراطي حقيقي. فالموقف الأمريكي مما حدث كان واضحًا أنه بجانب الجماعة، وقد أضحى ذلك الموقف من الأهمية الشديدة بالنسبة لها للتمسك بشروطها لتحقيق المصالحة الوطنية والاندماج في العملية السياسية مرة أخرى.

    أما بالنسبة للواء حفتر، فقد كان التحدي الأهم هو التحدي الداخلي، والمتمثل في كثرة الجماعات الجهادية في ليبيا، وهذا الأمر يطرح تساؤلًا مهمًا، ألا وهو "كيف سيستطيع حفتر القضاء على تلك التنظيمات في ظل غياب جيش نظامي قوي في ليبيا على غرار الجيش المصري؟"، وبالتالي من الممكن أن يتطور الأمر في ليبيا إلى أبعد من ذلك مثل الحرب الأهلية الشاملة والتي قد تسقط المزيد من الضحايا في ليبيا، أو التدخل الدولي مرة ثانية.

 

ثامنا: معضلة الاستقرار

     بعد استعراض أوجه الشبه والاختلاف بين النموذجين، يتبقى لنا أن نستشرف آفاق المستقبل أمام كل من السيسي وحفتر، ومدى قدرتهما على البقاء في ظل حالة عدم الاستقرار السياسي التي تسيطر على كل من مصر وليبيا.

    فالسيسي إلى جانب اعتماده على الشعبية الجارفة لشخصه، يجب عليه أن يتعامل مع القضايا التي تواجه الوطن باحترافية شديدة خاصة الجانب الاقتصادي من أجل تحسين الوضع المعيشي للمواطنين حتى يستتب له أركان الحكم.

    أما حفتر والذي يقدم نفسه باعتباره قائد "الجيش الوطني" و"منقذ" ليبيا من الجماعات الإسلامية التي يتهما بـ"الإرهاب" وزرع الفوضى، مؤكدًا أنه لا يسعى لتولي السلطة وأنه يستجيب فقط لنداء الشعب، يجب أن يلبي طموحات الشعب التي خرجت لتأييده حتى يستطيع الاستمرار في الحياة السياسية الليبية.

 

* مدرس مساعد العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟