استغل
الأمين العام لـ «حزب الله»، حسن نصر الله، مناسبة تأبين أحد قادة حزبه بالقرب من
بيروت ليهنّئ الأسد على «فوزه» في انتخابات الرئاسة السورية، متوجهاً إلى الشعب
السوري وأصدقاء سورية والعالم بقوله إن «الحل السياسي يبدأ وينتهي مع الرئيس
المنتخب بشار الأسد». وأردف قائلاً « الانتخابات الرئاسية السورية أثبتت ان الحل
السياسي لا يمكن أن يتضمن بعد اليوم أي نقاش حول رحيل الرئيس السوري بشار الأسد
الذي أعيد انتخابه بنسبة تقارب التسعين في المئة من أصوات الناخبين»!
لبنان
الرسمي لم يوجّه تهنئة إلى الأسد، بل جاءت على لسان قائد «حزب الله» الذي تقاتل
ميليشياته جهاراً إلى جانب قوات النظام السوري، مستغلاً الشغور الرئاسي في بعبدا
ليعلن نفسه «الناطق الرسمي» باسم الدولة اللبنانية في بث رسائل الدولة، وذلك إلى
جانب رئيسي دولتين فقط وجها التهنئة إلى الرئيس الفائز الذي تلقى اتصالاً هاتفياً
فور إعلان النتائج الانتخابية (وقد جرت على الأراضي التي ما زال يسيطر عليها) هما
رئيس جمهورية كوريا الديموقراطية كيم يونغ أون والرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو.
وقد
أختلف مع من يطلق على تلك الانتخابات صفة «المسرحية الهزلية»، وأرى فيها خطة من
تصميم وإخراج الأجهزة الأمنية السورية جاءت مدروسة بعناية مخابراتية دقيقة كجزء من
البرنامج الممنهج، العسكري والأمني والسياسي، الذي اعتمده الأسد لقمع الثورة
وتحويلها عن جوهرها الأصلي من ثورة حرية وكرامة وعدالة اجتماعية، إلى حرب لنظام
قائم يواجه مجموعات مسلّحة إرهابية تكفيرية تحاول القبض على مفاصل الدولة وقلب
نظام الحكم في دمشق وإقامة دولة الخلافة الإسلامية في عاصمة الأمويين.
ولم
تكن نسبة الفوز المعلنة مفاجأة لأحد، فالنظام الذي تعوّد منذ عقود على قلب الحقائق
أو قمعها لا يعجز عن تزوير هذه النسبة، مرفقة مع حملته العسكرية والترهيبية
لمدنييه. إلا أن المفاجأة كانت في المشهد القادم من لبنان حين تقاطر عشرات الألوف
من السوريين متوجهين إلى السفارة السورية في بيروت أو إلى الحدود السورية للانتخاب
في مشهد لافت وغير مسبوق!
يصعب
أن نقرأ في مشهد الخروج السوري الواسع للانتخاب سوى حالة من الخوف المضاعف لدى
السوري، وهو ما وصل إليه بعد خروجه القسري من سورية تحت وطأة البراميل المتفجّرة
ودوي الرصاص والقنص. الخوف الأول يتعلق بحالة اللجوء المزرية التي يعيش في ظروفها
اللاجئ السوري والتي تفتقر في معظم الأحيان إلى أدنى متطلبات الحياة الإنسانية
الكريمة من جهة، وبإمكانية استمراره في حالة اللجوء هذه في غياب أي مشروع للتسوية
السياسية يضمن عودة اللاجئين. وكان أحد النازحين قد عبّر أما كاميرات المراسلين
التلفزيونيين عن هذه الحالة ببلاغة عمق الجرح السوري حين قال: «نحنا سوريين جزء من
تراب سوريا... لا سوريا الأسد ولا سوريا المعارضة! والطرفان مسؤولان عن نزوحنا».
أما
الخوف الثاني فيتعلق بمعظم من أدلى بصوته في الداخل والخارج. هذا الشكل من الخوف
الشديد الذي يصل إلى مستوى الرهاب النفسي، يتعلّق بالشخصية السورية الوسطية التي
بدأت بالفعل تخشى حالة التطرف المذهبي والمجموعات المتشددة التكفيرية التي أمست
تشكّل نواة لدويلات صغيرة، هنا وهناك، وتنذر بالاستمرار والامتداد على الأرض
السورية بما يناقض الاعتدال الديني الذي نشأ عليه السوريون.
أما
على الطرف الآخر من التطرف المذهبي فتقف حالات التشيّع القسري التي تشكل ظاهرة
مرافقة لانتشار الميليشيات الشيعية العراقية واللبنانية في سورية، ومشاهد التعبئة
التي يمارسها مقاتلو «حزب الله» المنتشرون على الأرض السورية وأكثرها تحدّياً
استعراضات «اللطمية» في شوارع المدن السورية كظاهرة غريبة ومستهجنة في المجتمع
السوري السني، وكذا استقطابهم المراهقين والأطفال السوريين في عمليات غسل مبرمج
للعقول في سن غضّة قابلة للتشكيل والتحريف على الصورة التي يريدونها. هذه الأمور
مجتمعة دفعت برجل الشارع العادي إلى الاحتماء برمضاء الانتخابات من نار المجهول
القادم، وذلك على طريقة شيطان تعرف كيفية التعامل معه خير من «ملاك» مجهول المقصد
والهوية.
أما
«الخوف الثالث» الذي يتمثّل في اتقاء بطش الأسد ونظامه، فانكسرت صفحته الداكنة إلى
غير رجعة خلال سنين ثلاث تعرّض فيها بشار الأسد لكل صنوف التعرية الشخصية والإهانة
السياسية والإعلامية، في الداخل والخارج، ما جعل صورته كحاكم تسقط إلى درك
السافلين. وعلى رغم حملات التلميع الإعلامي والديبلوماسية العامة لمكتبه في القصر
الجمهوري، والتعاقد مع كبرى الشركات العالمية، وبملايين الدولارات، لنشر حملات إعلامية
في الصحف العالمية، وعلى مستويات المنظمات والهيئات الدولية، باءت كل تلك
المحاولات بالفشل.
فالمخطط
المخابراتي الذي رسم انتخابات 2014، والذي فرضته على النظام ظروف انكشافه الدولي
وحصاره كمجوعة غارقة في أعمال وجرائم الحرب، فُصّل بحيث يمنع على أية شخصية
معارضة، سواء كانت من المعارضة الراديكالية أم من المعارضة الناعمة، أن ترشّح
نفسها وتخوض معركة انتخابية نزيهة في نقلة حقيقية للتغيير الديموقراطي في سوريا
والانتقال بالسوريين، إثر كل هذه التضحيات التي دفعوها غالياً، إلى مجتمع حرّ عادل
يتّسع لهم جميعاً ويشاركون في صناعة مستقبله جميعاً من دون تمييز أو إقصاء أو
تبعية.
واستمرار
الأسد على رأس الحكم لا يعني، بأي معنى أو مبنى، تغيّر الحالة على الأرض، أو تراجع
الثورة عن جوهرها الحقيقي. ففي الوقت الذي أعلنت مستشارة الأمن القومي الأميركي،
سوزان رايس، نية الولايات المتحدة الأميركية تسليح المعارضة السورية المعتدلة
وتدريبها بواسطة «أسلحة فتاكة»، يتوجّب علينا في صفوف المعارضة السياسية، التي لم
تكن للأسف العميم على المستوى المطلوب في التمثيل السياسي والإعلامي لهذه الثورة
الماجدة، أن نقوم بمراجعات عاجلة وإلزامية للأداء الذي جعل الثورة تخسر معركة
واحدة فقط في حرب الحريّة السورية العسيرة، لكن الحتمية. نقلا عن الحياة