المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د. عبد العليم محمد
د. عبد العليم محمد

فى مواجهة الإرهاب.. الثقافة هى الحل

السبت 14/يونيو/2014 - 11:45 ص
من المؤكد أنه لا يشكك أحد فى مشروعية استخدام القوة لمواجهة العنف والإرهاب ليس فحسب لأن الجماعات التكفيرية والجهادية وغيرها تعتمد العنف والإرهاب لتحقيق أهدافها فى إرباك النظام الجديد والدولة وتعطيل استكمال خريطة المستقبل
 بل لأن الأصل هو أن يقتصر استخدام العنف والقوة على الدولة باعتبارها الجهاز والمؤسسة التى ارتضاها المواطنون لتحقيق الأمن وذلك بالطبع فى حدود القانون ومواثيق حقوق الإنسان التى اعترقت الدولة بها.
وبالرغم من مشروعية استخدام القوة فى مواجهة تلك الجماعات فإن ثمة قيودا على هذه المشروعية أو تحفظات لا يمكن إغفالها إن فى الحال أو الاستقبال، القيد الأول أو التحفظ الأول يتمثل فى احتمال امتداد استخدام القوة ضد مواطنين لم يثبت تورطهم بعد فى العمليات الإرهابية وكذلك احتمال تمدد الأجهزة الأمنية وتوسعها عبر استخدام ثقافة القوة والعنف بحيث تغيب المعايير الضرورية واللازمة التى يؤمل إرساؤها فى علاقة أجهزة الأمن بالمواطنين وأخيراً وليس آخرا احتمال عدم كفاية القوة واستخدامها منفردة فى القضاء على الإرهاب والعنف.
وهذا الاحتمال الأخير بالذات هو ما يهمنا فى المقام الأول حيث توافرت العديد من الخبرات والتجارب التى تشير إلى قصور المنظور الأمنى ومنظور القوة واستخدامها فقط فى مواجهة الإرهاب بصرف النظر عن السياسات والأبعاد الأخرى الضرورية والمكملة فى أفغانستان والعراق وغيرها من الدول والمناطق، حيث كان الأجدر تبنى سياسات مختلفة من شأنها تخفيض التوتر وتقليص الاتجاهات الإرهابية والمتطرفة عبر سياسات الاندماج إن على الصعيد الداخلى أو على الصعيد الدولى، وتبين هذه الخبرات أن القوة الخشنة فى مواجهة الإرهاب قدمت فيما يبدو مشروعية لتصاعد موجات العنف والإرهاب وربما تكون قد خلقت أرضية للتعاطف مع الإرهابيين فى بعض الحالات.

وتبدو ضرورة مواجهة الإرهاب مواجهة ثقافية فكرية حيث إن الفعل الإرهابى ليس وليد اللحظة وليس مجرد رد فعل عفوى وتلقائى بل هو حصاد عملية ثقافية تربوية فكرية يتم عبرها ترسيخ الأسس الفكرية والثقافية للإرهاب والفعل الإرهابى، عملية وضع المبررات الفكرية والنظرية التى تخول الإرهابى القيام بالفعل الإرهابى الآثم دون تردد ودون تحفظ ودون حساب لعواقب هذا الفعل الذى تؤثمه كل الشرائع والقوانين، بل والأكثر من ذلك الاعتقاد فى أن الفعل الإرهابى يقود إلى الجنة والاستشهاد والفوز برضا الله عز وجل لأن هذا الفعل يأخذ صورة الجهاد فى سبيل الله والحكم بما انزل.
إن هذه العملية التربوية والثقافية والفكرية التى يتم عبرها تهيئة الإرهابيين لقتل الآخرين بل وقتل أنفسهم تتم عبر حلقات متتالية من السيطرة الفكرية والرقابة على أولئك الذين يتم تجنيدهم، فهم يخضعون أولاً لعملية عزل عن المجتمع وانعزال عن مختلف المؤثرات الثقافية الأخرى وتلقين هؤلاء تأويلات مختزلة ومجتزئة ومبتسرة لنصوص دينية، تبيح القتل والعنف، وتقدم هذه التأويلات باعتبارها جزءا لا يتجزأ من النص الدينى وباعتبارها أسمى التأويلات وأكثرها توافقاً مع روح النص الدينى بحيث يحل العنصر المقدس الدينى والإلهى فى التأويل كبديل للعنصر البشرى الذى قام بهذا التأويل والذى يحتمل بطبيعته الخطأ والصواب، فى حين أن العنصر المقدس والدينى يتميز بالإطلاق والعموم.
فى هذا التأويل المبتسر والمجتزئ للنصوص الدينية يقدم الآخرون أو الضحايا موضوع الفعل الإرهابى باعتبارهم جزءا من المجتمع الجاهلى أو جزءا من المجتمع الكافر الذى يرفض الحكم بما أنزل الله أو باعتبارهم ملاحدة وعلمانيين أو أدوات تستخدمهم الدولة الكافرة فى حربها ضد المسلمين الحقيقيين الذين هم الإرهابيون ومؤيدوهم وما دونهم فهم مسلمون ضعيفو الإسلام وجزء من الحالة الجاهلية التى يعاد إنتاجها ولا تقتصر على الجاهلية الأولى التى رافقت الدعوة الإسلامية.
إن المسميات والألفاظ والتراكيب اللغوية برغم أنها مجرد كلمات إلا أنها فى العديد من الأحيان وبالذات فى حالة الإرهاب قاتلة، فهى تشير إلى أشخاص باعتبارهم جهلة وينتمون إلى المجتمع الجاهلى أو أنهم ملاحدة وعلمانيون وهى كلمات تسوغ القتل والفعل الإرهابى ومادام العقل الإرهابى أحادياً فمن الطبيعى أن هذه المسميات ليست موضع شك أو انتقاد بل تؤخذ على أنها مسميات نهائية مطلقة بل وقد تكتسب بعض القداسة لارتباطها بمفسرين للنصوص اكتسبوا ثقة مريديهم من الشباب.
والحال إن هذه الدائرة الجهنمية والشريرة التى تنتج وتعيد إنتاج الإرهاب قد لا تستطيع المواجهة الأمنية وحدها سوى الوصول إلى إحدى حلقاتها النهائية التى تدفع بالإرهابيين للقيام بأعمالهم، بينما تظل عمليات التعبئة والحشد والتجنيد والسيطرة على العقول بعيدة عن متناول هذه المواجهة، والأمر فى الحالة المصرية مرهون بكسر هذه الدائرة الشريرة ووقفها عن العمل والإنتاج، وذلك لن يتم إلا عبر استعادة الإسلام من خاطفيه من الأدعياء والمتأسلمين وحاملى بذور الفتنة والتعصب والذين يعيشون بوعيهم فى ماض يفصلنا عنه عشرات القرون، وذلك يعنى قصر الدعوة والفتوى والخطابة على المؤسسة الدينية الشرعية المعترف بها وهى الأزهر وأن يحل مبعوثو الأزهر فى كل هذه المجالات محل أولئك الخاطفين للإسلام والمتحدثين باسمه دون وجه حق فى القرى والنجوع والمدن والأقاليم البعيدة عن العاصمة.
إن هؤلاء الخاطفين للإسلام استندوا إلى هيمنة الخطاب السياسى الإسلامى فى فترة معينة وتديين المجال العام وقد آن الأوان لفصل المجال العام عن الدين وبلورة رؤى دينية تتفق مع سماحة الإسلام ونزاهته ولا علاقة لها بالمصالح السياسية.
إذا كان الأزهر منوطا به مهمة استعادة الإسلام من خاطفيه وبلورة خطاب دينى وسطى يكسر به سيطرة وهيمنة خطاب الإسلام السياسى، فإن وزارة الثقافة ومؤسساتها والمبدعين من كل الأطياف تقع على عاتقهم بلورة خطاب مدنى يدعم حقوق المواطنة ويستلهم قيم التنوير والحداثة والنهضة وكذلك ضرورة إدماج هذه الثقافة المدنية فى مناهج التعليم بكافة مستوياته إعمالاً لقيم العقل والعلم والتفكير وترسيخ قيم الإبداع بديلاً لقيم الإتباع وهذه القيم جميعاً تنطوى تحت عنوان الثقافة التى ينبغى أن تسود المجتمع. نقلا الأهرام 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟