المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د. نصر محمد عارف
د. نصر محمد عارف

مصر تحتاج الكوربراتية … أكثر من الأحزاب

الإثنين 23/يونيو/2014 - 10:44 ص

نُظم الحكم ليست غاية فى ذاتها، أيا كانت الفلسفة الكامنة خلفها، حتى إن كانت فلسفة دينية، لان نظام الحكم هو وسيلة لتحقيق مصالح الناس، وإسعادهم، وتأمين مستقبلهم، وضمان الحياة الكريمة لهم ولأبنائهم، هذه هى غاية كل نظم الحكم فى العالم، وعلى مر التاريخ، وهذا هو جوهر الفلسفة السياسية فى جميع الحضارات والاديان والمذاهب.

لذلك فإن شكل نظام الحكم ومؤسساته ما هو إلا وسائل لتلك الغاية، وعلى المجتمع أن يختار من الوسائل ما يحقق له غاياته، وألا يقدس الوسيلة ويجعلها غاية فى ذاتها، ولا يعلو بالوسيلة لتكون عند مستوى الغاية، فالغاية هى الهدف الذى تتغير فى سبيل الوصول اليه الوسائل.

والأحزاب السياسية هى وسيلة أبدعها العقل البشرى فى الحضارة الغربية؛ استجابة لتحديات واقعه التاريخي، وانطلاقا من رؤيته للعالم، وفلسفته، ومسلماته، وجوهر فكرة الحزب أنه وسيلة لحماية الأفراد من توحش، وتغول الحكومة عليهم، فلكى لا يقف الفرد أمام جبروت الدولة ممثلة فى الحكومة منفردا، فتضيع حقوقه، بل قد تدوسه آلة الحكومة دون ان تدري؛ لانها لن تراه، اخترع الانسان فكرة ومؤسسة الحزب لتجمع الافراد المتفقين على فكرة معينة او برنامج معين، أو ينتمون الى إيديولوجيا معينة، وتساعدهم على التعبير عن مصالحهم بصورة جماعية، وحماية هذه المصالح، والتنافس من اجل امتلاك السلطة لتطبيق برنامج المصالح هذا بعد الحصول على موافقة اغلبية المجتمع.

هذا الدور للاحزاب كانت تقوم به فى حضارات اخرى غير الحضارة الغربية، مؤسسات غير الاحزاب، مثل القبيلة، والطائفة، والنقابة، والعصبية- طبقا لابن خلدون- والعلماء، مشايخ التجار، وأرباب الحرف، او جماعات المصالح، اوغيرها…. جميع هؤلاء كانوا يؤدون بعض، أو كل وظائف الأحزاب، طبقا لطبيعة المجتمع وجوهر مفهوم السياسة فيه، وطريقة الحكم بين مواطنيه.

والآن نحاول التعرف الى مفهوم الكوربراتية Corporatism، فهو نظام للحكم تتبعه معظم دول امريكا الجنوبية كالبرازيل والارجنتين وغيرهما، وهو نظام لا ينفى وجود الاحزاب السياسية، ولكنه لا يجعلها الفاعل الرئيسى فى النظام السياسي، والكوربراتية نظام قديم ورثته امريكا اللاتينية عن اسبانيا والبرتغال، وتعود جذوره الى نظام الحرف والنقابات والطوائف المهنية فى الاندلس، حيث تكون ادارة الدولة، والشأن العام من خلال منظومة قانونية تنظم علاقات جميع الجماعات المهنية والطوائف الحرفية والنقابات مع أعضائها من ناحية، ومع الدولة من ناحية أخرى.

فالكوربراتية تركز على تنظيم علاقات العمل، والسياسات الاجتماعية، وعلاقات الدولة بالجماعات الاجتماعية، والنقابات، والحرف والاتحادات والطوائف المهنية، وكذلك تفاعل جماعات المصالح، والبيروقراطية وعلاقاتها بمركز صنع القرار، وهى تركز على الأبعاد القانونية، لكن بنفس القوة تركز على الاعراف والأنماط السلوكية غير الرسمية، وتربط بين الحقوق والواجبات، وبين القانون والقوة، وبين القانون والمصلحة، وفى كل ذلك تعلى قيمة التعددية، والتفاوض، والمساومة أكثر من قيم الصراع والمنافسة التى هى جوهر مفهوم الاحزاب السياسية والعمل الحزبي.

بهذا فإن الكوربراتية تتخذ من النقابات والجماعات الاجتماعية الاخرى كأصحاب الحرف، وأرباب المهن، وجماعات رجال الاعمال، والتجار، واصحاب الإعاقة…. وغيرهم، تتخذ من جميع هؤلاء فاعلين سياسيين اهم من الاحزاب، لان هذه الجماعات تعبر عن مصالح حقيقية، وليست شعارات وضعها قادة الأحزاب، والعضوية فى هذه الجماعات عضوية إجبارية، دائمة بحكم المهنة، او الانتماء لحرفة، وليست اختيارية؛ يغيرها الانسان بصورة انتهازية طبقا لمصالحه الوقتية كما هى الحال فى الاحزاب السياسية، حيث يتحول الأعضاء من حزب الى آخر طبقا لمصالحهم ومؤامراتهم.

ومع اقتراب الانتخابات النيابية فى مصر، وبداية خروج الأحزاب السياسية فى مصر من فترة البيات الشتوى الطويل منذ آخر انتخابات برلمانية، فالأحزاب فى مصر كائنات انتخابية، لا تخرج من باطن الارض الا عند نمو اعشاب الانتخابات، تخرج لتتغذى عليها، وتختزن طعاما يكفيها لأعوام البيات الشتوى الطويل.

واذا أمعنا النظر فى الاحزاب السياسية فى مصر فسنجد انها كيانات افتراضية، وجودها فى العالم الافتراضي، أى علـى الشبكة الدولية، والفضائيات، والصحف أكثر بكثير جدا من وجودها فى الواقع المادي، وأنها فاقدة لشرعية الوجود، وفعالية الاداء، وصدقية الانجاز، معظمها لا يوجد له اثر خارج القاهرة؛ الا عند الانتخابات يبحث عن منتسبين، أو يشترى لاعبين، وغالبها متشابه البرامج، لا تكاد تميز بين حزب، وآخر الا باختلاف اسم رئيس الحزب، والمضحك المبكى ان اسماءها اسماء بوتيكات، او محلات ملابس، او شركات كهرباء، أو عناوين كتب ومقالات، الاحزاب السياسية فى مصر شىء هزلى مضحك، والمؤسف أن قادتها لا يدركون هذه الحقيقة ولا اظن انهم يصدقون.

لذلك فإن هذه الاحزاب اذا ما نافست على مقاعد البرلمان، فإنها لن تملك الا استخدام قدرات كيانات اخرى تنتمى الى عالم الكوربراتية وليس إلى عالم الاحزاب، ستوظف النقابة، والقبيلة، وجماعة المصالح، والبيوقراطية، وجماعات عرقية، ودينية، ومناطقية، سوف تتحالف مع كل الكيانات الرأسية فى المجتمع، وهذا مخالف لطبيعة الحزب وفلسفته، ولكن لا حيلة لدى هذه الاحزاب لانه لا وجود لها فى عالم الواقع، وكل وجودها فى عالم الخيال، او العالم الافتراضي.

لذلك على الدولة المصرية اذا ارادت بناء نظام سياسى قادر على تحقيق طموحات الشعب ان تركز على تقوية نموذج الكوربراتية، وتترك الاحزاب حتى تنضج وتكون قادرة على أن تقوم بدورها الحقيقى كمؤسسة للتنشئة السياسية، وتأهيل الكوادر، وإعداد القيادات، وتقديم البدائل السياسية الناضجة، وتمتين النظام السياسى ليكون قادرا على مواجهة تحديات المستقبل.

وحتى يتم ذلك لابد من تقوية مؤسسات الكوربراتية، وتنظيم نقابات واتحادات لكل المهن والحرف، والجماعات الاجتماعية، واطلاق طاقاتها وفتح المجال أمامها لتقوم بالدور التنظيمي، والتنموى المطلوب، فتكون نقابة الاطباء اهم من وزارة الصحة فى ضبط ممارسات مهنة الطب واخلاقياتها، وحماية المواطن من سلبياته، وتكون نقابة الفرانين اكثر فعالية من وزارة التموين فى ضمان حصول المصرى على «العيش» الذى يضمن له العيش. نقلا عن الأهرام

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟