المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

التحديات الخليجية في العراق: هروب أم مواجهة للمسئوليات

الأربعاء 25/يونيو/2014 - 11:31 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات
د. محمد السعيد إدريس

التصريحات الواردة على لسان حاتم السليمان رئيس ما يسمى بـ "مجلس ثوار العشائر" في العراق جاءت لتصب مباشرة في دعم اتهامات نوري المالكي ومجلس الوزراء العراقي للمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص ومجمل الدول العربية الخليجية بالمسئولية عن ما يحدث في العراق من اضطرابات باتت تهدد وحدته واستقراره، من منطلق أن الدول الخليجية والسعودية بالذات هي صاحبة المصلحة في كل ما يحدث بسبب رفضها التجديد لنوري المالكي لولاية ثالثة في حكم العراق رغم حصول قائمته الانتخابية "دولة القانون" وحزبه السياسي "حزب الدعوة" على أعلى الأصوات في الانتخابات البرلمانية الأخيرة حيث تعطيه هذه النتائج الحق في أن يكون رئيساً للحكومة العراقية للمرة الثالثة.

الاتهامات العراقية للسعودية قفز على مأساوية تركة ما بعد إسقاط نظام صدام حسين واحتلال الأمريكيين للعراق

فقد نفى حاتم السليمان في تصريحات صحفية كل المزاعم التي تجعل من تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) قوة أسطورية استطاعت أن تهزم الجيش العراقي وأن تفرض سيطرتها على محافظتي الأنبار ونينوى وأن تسيطر على كركوك وأن تسعى للتمدد نحو بغداد. فقد أوضح أن "ثوار العشائر هم من يسيطرون على الموقف في الموصل، لكن الحكومة، في أي مكان توجد فيه المعارضة، تحاول أن تلبسها ثوب الإرهاب وثوب داعش" ومؤكداً أن "هدفنا ليس السيطرة فقط على المناطق السنية، بل نريد رحيل حكومة المالكي، ولن نقبل ببقائها في بغداد بأي ثمن"، ومؤكداً أيضاً أن "ثوار العشائر أسياد الموقف وليس داعش".

هذه التوضيحات وبالتحديد أن من يقود المعارك هم ثوار العشائر وليسوا فقط مقاتلي داعش، وأن ما يحدث هو قتال تقوده المعارضة من أجل استعادة العراق وليس من أجل إبعاد الحكومة عن المحافظات والمناطق السنية، وأن المعارضة ليست إرهاباً كما يروج البعض، تتوافق مع ما نشره طارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية العراقي المستقيل والصادر بحقه ستة أحكام بالإعدام من جانب القضاء العراقي في مقال صحفي كان عنوانه: "داعش.. قصة لا تنتهي" تحدث فيه عن "ثورة المظلومين والمهمشين في الموصل" نافياً أن من وراءها تنظيم "داعش" وموضحاً أن حكومة نوري المالكي هي من يوصم الثوار بالإرهاب ويجعلهم منتسبين لتنظيم "داعش" لتبرير كل اعتداءاته الإجرامية على الأبرياء والمدنيين من أهل السنة ومن العشائر المحتضنة لهذا التنظيم، معتبراً أن "قصة داعش ملفقة" وأن ما يحدث في العراق هو "حرب الشعب العراقي ضد المالكي والحكم الطائفي".

اعتبر الأدميرال على شمخاني الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني أن تحركات قوات "داعش" في بلاد الرافدين تستدعي "دق ناقوس الخطر

هذه الروايات، في مجملها، أعطت للنظام العراقي (رئيس الحكومة والحكومة) الحجج الكافية لتحميل دول الخليج مسئولية ما يحدث في العراق، ويبدو أن هذه الدول سيكون عليها أن تدفع الأثمان دائماً لأنها لا تريد الاعتراف بجدارة الحكم المفروض على العراق.

فالتوضيحات الواردة على لسان حاتم السليمان رئيس "مجلس ثوار العشائر" في العراق وعلى لسان طارق الهاشمي، وغيرها من أشكال التغطية الإعلامية الخليجية لاجتياح مقاتلي "داعش" الموصل ومحافظتي نينوى والانبار أعطت للحكومة العراقية ورئيسها نوري المالكي تصيد ما وصفوه بـ "البعد الطائفي والإقصائي" للأزمة في تلك التغطية وتلك المعالجات.

فقد انتقد بيان صادر عن مجلس الوزراء العراقي الموقف السعودي من الأزمة العراقية وحمَّل هذا البيان المملكة مسئولية الدعم المادي الذي تحصل عليه "الجماعات الإرهابية" وجرائمها الذي رأى أنها تصل إلى حد "الإبادة الجماعية" في العراق. ورأى هذا البيان أنه "على الحكومة السعودية أن تتحمل مسئولية ما يحصل من جرائم خطيرة من قبل هذه الجماعات الإرهابية" ودعا الحكومة السعودية، في الوقت ذاته إلى "ضرورة التركيز على وضعها الداخلي ومراعاة عدم التهميش والإقصاء في بلدها".

هذه الاتهامات العراقية للسعودية قفز على مأساوية تركة ما بعد إسقاط نظام صدام حسين واحتلال الأمريكيين للعراق، ومواقف الأطراف العربية والإقليمية من هذا الاحتلال. فوصول "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) لكل ما وصلت إليه حالياً في العراق ليس إلا محصلة أداء ثلاثة أطراف. هو أولاً محصلة للاحتلال الأمريكي للعراق وتدميره، وفرض نظام طائفي يطلق أيدي إيران الطويلة إلى عمق الكيان العراقي، وهو ثانياً محصلة تبني إيران لهذا النظام العراقي الطائفي اعتقاداً منها أن هذه هي الفرصة التاريخية لإنهاء عهود المظلومية الممتدة للشيعة العرب داخل العراق وفرصة قد لا تتكرر لوضع نهاية قد تكون محتملة لأي تهديد يأتيها من العراق. وهو ثالثاً، محصلة النأي العربي (الخليجي – المصري- السوري) عن الشأن العراقي والوقوف إلى جانب قوات الاحتلال الأمريكية والميليشيات الشيعية المدعومة إيرانياً ضد فصائل المقاومة العراقية التي كان يقود معظمها بقايا الجيش العراقي المغدور به. كل هذا ولّد مظلومية سنية بديلة للمطلومية الشيعية. هذه المظلومية السنية الجديدة هي التي فرضت قسراً على قبائل وعشائر السنة في العراق احتضان تنظيم "القاعدة" اولاً، ثم تنظيم "داعش" ثانية كوسيلة لا بديل عنها للرد على ما يواجهونه من مظالم حكم طائفي يقوده نوري المالكي المدعوم والمسنود أمريكياً وإيرانياً.

الآن يمكن أن نقول أن المأزق في ظاهره، بعد استفحال قوة "داعش" المسنودة والمدعومة من قبائل وعشائر سنية والمتحالفة مع ما يسمى بـ "مجلس ثوار العشائر" يخص واشنطن وطهران معاً، لأن الخيارات باتت محسومة الآن بين إما نجاح "داعش" في أن تفرض التقسيم على العراق وتؤسس "لمنطقة سنية" على غرار منطقة الحكم الذاتي الكردية، وبالتالي يكون خيار التقسيم هو الخيار الذي لا فكاك منه، وإما إسقاط نظام الحكم الحالي والتأسيس لنظام حكم أكثر ديمقراطية وإنصافاً لكل العراقيين يضع نهاية لنظام المحاصصة والمظالم والطائفية لعراق ما بعد الاحتلال. في كل الحالات باتت طهران وواشنطن مجبرتان على التعامل بجدية من الخطر الماثل الآن في العراق. 

الرئيس الإيراني حسن روحاني أكد على أن بلاده "لن تقف مكتوفة أمام زحف مقاتلي "داعش" في شمال وشرق العراق"، لكنه أوضح أن "تدخل القوات الإيرانية ليس وارداً"، كما أوضح أن إيران "مستعدة لمساعدة العراق إذا طلبت الحكومة العراقية ذلك، على أساس القانون الدولي وإرادة الشعب والحكومة العراقيين" أما الأدميرال على شمخاني الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني فقد اعتبر أن تحركات قوات "داعش" في بلاد الرافدين تستدعي "دق ناقوس الخطر"، متهماً الغرب بتزويدهم بأسلحة فتاكة، واعتبر العديد من المحللين أن احتلال مدينة الموصل يخلط الأوراق، وخطر "داعش" يهدد إيران وأمنها القومي. 

شعور بالخطر؟ نعم لكنه مع تحسب لعواقب التدخل، وهذا بالتحديد ما تكرر بالنسبة للأمريكيين هم أيضاً يسألون: نتدخل أم لا؟ وإذا كان التدخل فكيف؟ وإذا كان التدخل العسكري مرفوض فما هو البديل؟ 

تسعى إيران لاستدراج واشنطن للتعاون معها في حل الأزمات الإقليمية في العراق وسوريا للتأسيس لشراكة وتعاون إقليمي يقود إلى بناء قاعدة للثقة تحرك مصاعب ما يواجه مفاوضات البرنامج النووي

هذه الأسئلة تشغل الأمريكيين، وتضع رئيسهم باراك أوباما ربما للمرة العشرين في مأزق مزدوج "عدم المصداقية والعجز" حيث أعلن البيت الأبيض أن الرئيس باراك أوباما يواصل مشاوراته حول كيفية التعامل مع "المتشددين" في العراق ولا يستبعد أي خيار باستثناء إرسال قوات على الأرض.

هناك أيضاً أسئلة مهمة تفرض نفسها حول مدى قبول كل من إيران والولايات المتحدة التعاون المشترك لمواجهة الخطر القادم من العراق. هل يمكن أن تقود المحادثات النووية بينهما إلى فتح أبواب التنسيق المشترك الأمريكي – الإيراني في ملفات إقليمية ساخنة؟ أم أن العكس هو الصحيح أن إيران تسعى لاستدراج واشنطن للتعاون معها في حل الأزمات الإقليمية خاصة في العراق وسوريا للتأسيس لشراكة وتعاون إقليمي يقود إلى بناء قاعدة للثقة تحرك مصاعب ما يواجه مفاوضات البرنامج النووي من عقبات؟ هل يمكن أن تستدرج الولايات المتحدة إل هذا "الفخ" وتضرب عرض الحائط بتحسبات الحلفاء في الخليج خاصة المملكة العربية السعودية؟

في مقابل هذه الأسئلة هناك أيضاً اعتقاد لدى مراقبين إيرانيين تتمحور حول اعتقاد مفاده أن ما يشهده العراق ليس بعيداً عن السياسات الأمريكية في محاولة لحشر طهران بين موقفين: إما استدراجها للغرق في أوحال "المستنقع العراقي المصطنع" بتخطيط سعودي – أمريكي اعتقاداً بأن السعودية هي الداعم وهي الممول مع تركيا لـ "داعش"، استدراج مفاده توريط إيران في حرب طائفية داخل العراق تنهي كل المصداقية التي تسعى إلى بنائها منذ سنوات مضت، وإما إبقائها متفرجة على تصفية سوف تحدث لنفوذها في العراق من خلال جعل إسقاط نوري المالكي ونظامه في العراق هو الحل الوحيد لأزمة العراق. 

التوجس الإيراني يصل مداه إزاء هذا الخيار لأن إسقاط نوري المالكي في العراق سوف يمثل بداية النهاية لنفوذ إيران في العراق خاصة إذا جاء إسقاط المالكي ضمن حل سياسي متسع يقوم على قاعدة تغيير أسس نظام الحكم الذي فرضه الاحتلال الأمريكي على العراق بنظام بديل أكثر عدالة وديمقراطية، وإنهاء النفوذ الإيراني في العراق الذي كان يخطط الإيرانيون لجعل البديل للحليف السوري بشار الأسد، سوف يفشل أي خيار ما لحل الأزمة في سوريا يقوم على قبول إيراني بإسقاط الأسد.

يبقى السؤال الأهم وهو: هل واشنطن تريد فعلاً حل حقيقي لأزمة العراق؟ هذا السؤال هو الوجه الآخر لسؤال يقول هل النظام الذي فرضه الأمريكيون على العراق كان خياراً عفوياً أم مدبراً هدفه أن يبقى العراق جرحاً نازفاً وغائراً في الجسد السياسي العربي وضمان فرض خيار الحروب الطائفية الداخلية لجعل خيار التقسيم للدول هو الخيار أو البديل الأوحد المتاح؟

أين المسئولية الخليجية في هذا كله، وكيف يمكن للدول العربية الخليجية أن تتعامل مع احتمالات التحالف أو الصراع بين إيران والولايات المتحدة في العراق؟ هل لدى هذه الدول خيارات للتعامل مع أي من هذين الاحتمالين؟ أم ستترك العراق يموج بكل ما فيه من تداعيات لتجد نفسها مضطرة دائماً أن تدفع الأثمان، وبعد فوات الأوان؟ 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟