المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
نبيل عبد الفتاح
نبيل عبد الفتاح

أبعد من الأمن والتحالف الدولى

الخميس 25/سبتمبر/2014 - 11:06 ص

يبدو لى أن أخطر ما ينطوى عليه نمط التفكير الشائع فى المشكلات المعقدة التى تواجهنا، الميل إلى التعامل مع ظواهر الأمور، ومن ثم التناول الجزئى لها، مما يؤدى إلى سيطرة النزعة التبسيطية والتعميمات المفرطة التى تدفع إلى تقديم تفسيرات سهلة للظواهر والمشكلات والأزمات المركبة والمعقدة، ومن ثم نجد أنفسنا غالباً أمام تفسيرات تصلح لتفسير كل شىء ولا تفسر شيئاً على الإطلاق. يبدو ذلك جلياً على وجه الخصوص فى التعامل مع ظواهر الإسلام السياسى، وإيديولوجيا الجماعات السلفية الجهادية ونظائرها وأشباهها من جماعات العنف الدينى، الأمر لا يقتصر كما يشاع على خطاب السلطة الحاكمة، وأجهزتها الإيديولوجية والدينية وطريقة تصورها لقضايا العنف ذي المحمول والسند الدينى، والذى يتم التعامل الفنى/ الأمنى في الغالب معها وعلى مواجهة هذا النمط من التنظيمات المسلحة أو العنيفة، ومصادر تجنيدها لأعضاء، وتمويلها وأشكال تسليحها وأنواعه، ومناطق وجودهم.

أن النزعة التجزيئية والتبسيطية تبدو أيضاً مهيمنة على بعض الإعلام المرئى الغربى والعربى، حيث الميل إلى النزعة السجالية، ولغة الصورة الغلابة، والتعليقات السريعة والعامة حتى من بعض المتخصصين من خبراء المنطقة والجماعات الإسلامية المسلحة.

تؤثر هذه المقاربات على صناع القرار، بل وبعض الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، ومن ثم تنعكس سلبياً على عملية صياغة السياسات واستراتيجيات مواجهة المشكلات لاسيما إزاء الجماعات الجهادية عموماً والسلفية الجهادية على وجه الخصوص، لاسيما القاعدة والنصرة، وداعش وغيرهم. أن دعم بعض الدول الغربية والعربية والإقليمية لبعض هذه الجماعات فى إدارة سياساتها إزاء الإقليم يتم عبر التمويل والتسليح والدعم السياسى المستتر الذى قد يؤدى فى الأجل القصير إلى تحقيق بعض النتائج كما فى المشرق العربى، وسرعان ما تكتشف هذه الدول أنها تطلق مارداً جباراً من قمقمه، ومن ثم تجد نفسها غير قادرة على السيطرة عليه، كما بدا الأمر واضحاً إزاء الأزمة الكبرى فى سوريا والعراق ولبنان، ومن ثم سعى هذه الدول فى الإقليم وخارجه إلى تأسيس تحالفات دولية لمواجهة المارد الذى أطلقته، وتصورت أنها تستطيع أن تروضه وتتلاعب به إزاء خصومها فى المنطقة، ثم تصدمها حقائق القوة على الأرض كما فى حالتى داعش، والنصرة فى سوريا والعراق.

أن المواجهات الأمنية بلا رؤية سياسية ومنظومة من السياسات والمكونات بين التعليمى والثقافى والسياسى والدينى والاقتصادى والاجتماعى ثبت أنها لم تحقق أية نجاعة فى مواجهة هذا النمط من الجماعات الجهادية العنيفة، ومن ثم نحتاج إلى تشخيصات وتحليل دقيق للجوانب العميقة التى تنطوى عليها هذه الظاهرة الدينية والاجتماعية والثقافية والسياسية المركبة والمستمرة. من هنا تبدو لى أهمية تناولها جذور العقل الإيديولوجى السلفى الجهادى التى أشرنا إلى بعضها، ونشير إلى بعضها الآخر فيما يلى:

1- ساهمت بعض الخطابات الأيديولوجية الدينية القدحية للأزهر وعلمائه، وأدواره، وأنه يوظف الخطاب الدينى لصالح النظام، إلى ردود أفعال داخل المؤسسة، أدت إلى المزيد من المغالاة فى النزعة النقلية والنصوصية المتشددة، وذلك لنفى هذا النمط من الاتهامات، وأيضاً لمحاولة اكتساب حضور وتأثير ومكانة داخل دوائر المؤيدين واتباع هذه الجماعات، وكذلك لتحقيق بعض من الذيوع وبناء المكانة في دوائر الغالبية من المسلمين المتدينين.

2- أدى التنافس التقليدى داخل الجماعة الأزهرية شأن غيرهم من الجماعات الوظيفية والمهنية إلى احتدام الصراع بين اتجاهات معتدلة غالبة، وأخرى راديكالية التوجه الفقهى والخطابى والتعليمى والدعوى والأفقائى.

3- حصار الجماعات الإسلامية المتشددة، وكبار الدعاة المحافظين والمغالين لأية توجهات تجديدية فى الفكر الدينى، أو إزاء ما يقدمه بعض الباحثين أو رجال الدين من بعض التفسيرات والتأويلات المغايرة لما يروجه هؤلاء، وتصل المغالاة إلى الذروة من خلال تكفير الخصوم، وبعض ذوى الآراء المجددة، وهذا الحصار لأى محاولة للتجديد يرمى إلى دفاع بعضهم عن مكانته.

4- كان الدرس الأصولى تاريخياً يعتمد فى الكتابة والتعليم على عرض الفقيه لجميع الآراء، بما فيها المهرطقة، أو الهامشية وتقويمها، والموازنة، والترجيح بناء على أسباب وحيثيات يعرضها. أن هذا النمط من العرض والتحليل والموازنة في تقاليدنا التاريخية يبدو فى تراجع فى نظام التعليم الدينى عموماً، ولا يدخل ضمن عمليات تكوين كوادر الجماعات الإسلامية المتشددة، ومن ثم تغلب الاتجاهات السلفية الراديكالية والنقلية، التى تعتمد على اختيارات انتقائية تدعم الشرعية الدينية لهذه الجماعات، وتشكل رابطة عقدية وفقهية تدعم الروابط التنظيمية الداخلية لها ومن ثم السيطرة القيادية على الجماعة.

5- تراجع العقل الاجتهادى، نظراً لسطوة التسلطية الدينية الداعمة للتسلطية السياسية طيلة أكثر من ستين عاماً مضت.

من فهم الظروف والسياقات وعوامل تشكل الإنتاج الأيديولوجى الدينى السلفى الجهادى تبدأ عملية بناء السياسات واستراتيجيات المواجهة، وليس بالسياسة والأدوات الأمنية والإعلامية فقط.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟