المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
نبيل عبد الفتاح
نبيل عبد الفتاح

نخب الاضطراب والوعظ السياسى

الخميس 02/أكتوبر/2014 - 10:23 ص

تبدو مشاكلنا الكبري، فى التاريخ الحديث والمعاصر، غائبة فى غالب الخطابات السياسية قبل 25 يناير 2011، وما بعد العملية الثورية التى اعتراها الوهن، والتشويه وإدخالها إلى مجال نظرية المؤامرة وثقافتها الخاوية. فى هذا الإطار والسياقات، تعيش النخب المصرية - ومعها الأجيال الجديدة الغاضبة، والتى عاد بعضها إلى دوائر اللا سياسة، والإحباط - لحظة انتقالية صعبة واستثنائية مترعة بالاضطراب والغموض، وعدم اليقين.

أن متابعة المشهد العام المختلف، الذى يسيطر عليه بعض «المديوكر»، و«المنيوكر»، من محدودى الموهبة والكفاءة تشير إلى أنهم يسهمون فى إزاحة الكفاءات والمهارات المصرية الشحيحة والنادرة، كنتاج لعقود من التجريف واغتيال الأجنة الموهوبة، والقمع السلطوى الغشوم. يبدو أننا نعيد إنتاج الأزمات التى أدت إلى الفجوات التى اتسعت بين الأجيال، والتى تتمدد على نحو يبدو وأن ثمة طلاقا سياسيا، وجيليا خطيرا يسهم فى تفاقمه عودة الإعلام التعبوى - العام والخاص - وسيطرت أصوات زاعقة، تشيع الضجيج، وتشوه الإدراك شبه الجمعى للمصريين، مما يساعد على تفاقم خطورة السياسة الإعلامية السلطوية الغوغائية، وخلط غالب مقدمى ومعدى البرامج بين وظائفهم ودورهم المهنى وبين دور النشطاء السياسيين، ويخايل بعضهم أنه بات يلعب دور المرشد السياسى والدينى للمصريين.

إن نزعة الإرشاد السياسى والأخلاقى - ذات الخلفية الدينية - لم تعد قصراً على بعض مقدمى البرامج، والصحفيين، وإنما امتدت إلى غالب ما يطلق عليهم مجازاً النخبة السياسية فى الحكم الانتقالى، أو فى الأحزاب الهشة ومحدودة العضوية، وسطحية البرامج والخطاب، ومحدودة المهارات، وضحلة الخيال السياسي، ومحدودة المعرفة العلمية بمصر، وإقليمها، وعالمها المتغير.

أن ظاهرة النوستالجيا السياسية، والحنين إلى بعض مراحل تطور التسلطية السياسية، دونما تقويم نقدى لبعض هذه المراحل هو تعبير عن رغبة عمياء لدى بعضهم لاستعادة زمن مضى ولن يعود قط! نزعة النوستالجيا لا تاريخية بامتياز وتكشف عن عمق أزمتنا الوجودية الحادة، فى الهروب إلى بعض المراحل التاريخية بحثاً عن أمان ما مفتقد فى الحاضر، وهى نزعة لا تختلف قط، عن العقل الدينى التقليدى والمغالى الذى يرمى إلى القطع مع الحاضر بكل محمولاته وقيوده وتطوراته وآفاقه غير المحدودة، إلى بعض مراحل تطور تاريخنا الدينى والسياسى. إنها نزعة خلاصية ترمى إلى الهروب من مواجهة أزمات وإشكاليات وتحديات اللحظة التاريخية الحرجة، ومراحلها الانتقالية المضطربة والخطرة.

إن سعى بعضهم من أجل إعادة المرحلة الناصرية فى المخيال الجماعى، والسعى إلى ولادة ناصر جديد، تبدو بمثابة محاولة فاشلة لاستنساخ القائد الوطنى الكبير، ورجل الدولة الكاريزمي، فى غير زمنه وسياقاته، وتوازناته فى النظام الدولى ثنائى القطبية، والحرب الباردة، وعالم عدم الانحياز، وحركات التحرر الوطنى ورأسمالية الدولة الوطنية. انتهى هذا العالم وأقاليمه الفرعية وقواعد عمله وشروطه، الآن نحن فى عالم معولم.

كيف يمكن استعادة ناصر وتجربته التاريخية فى عالم غير عالمه، بينما أوضاعنا مضطربة، ولا توجد رؤى سياسية تتسم بالأصالة والانفتاح والعمق والمعرفة والتجارب الرائدة فى عالمنا، ولاسيما آسيا الناهضة؟.

حنين سياسى غامض فى مواجهة استمرارية «سياسة اللا سياسة» كما سبق أن كتبنا مراراً، فى ظل منولوجات خطابية بائسة تدفع الأمور إلى سياسة اللحظة بلحظة كتعبير عن غيابنا عن زمن اللحظة التاريخية العولمية، وتحولات الاهتمامات السياسية والاستراتيجية نحو آسيا المتطورة، الصين والهند وكوريا وسنغافورة. نخب الانتقال المتعثر تبدو غائبة عن لحظة الإقليم المضطرب والمحتقن، حيث يتحول الإسلام السياسى إلى قوة قتال عسكرى منظم وقادر، ويسيطر على أراض داخل عديد الدول فى المشرق العربي، بينما تبدو دولة ما بعد الاستقلال فى هذه المنطقة هشة، وضعيفة وغير قادرة على السيطرة على كل مناطق الدولة، وحيث تبدو بعض الجيوش محدودة الكفاءة والتدريب والخبرات رغما عن عشرات المليارات من الدولارات التى أنفقت على جيوش طائفية ومذهبية ومناطقية.

عالم عربى يبدو غائباً فى تعقيده وتركيباته الأولية ومتغيراته، عن ذهنية ومعرفة ووعى نخب الانتقال السياسى المتعثر فى مصر، وهو ما يسهم فى غياب الرؤية وتشوش أساليب العمل لمشكلات الإقليم. نمط مضطرب ومشوش من كتابة الفوضى فى الصحف، وخطابات من السجال السوقى فى الإعلام المرئي. حالة من صخب الكلمات، وتناقضات وسطحية الخطابات الشفاهية وعنفها المفتوح، ولغة التعميمات المرسلة والانطباعات الانفعالية السانحة.

هذا الغياب للعمق المعرفى فى تعاملنا مع شئوننا وتاريخنا وأفكارنا، تشير إلى أزمة نخب ما قبل 25 يناير 2011 ونخب مراحل الانتقال القديمة والجديدة. لاتزال الشيخوخة الفكرية والسياسية والجيلية هى الشائعة، وقلة قليلة هى التى كسرت معتقل شيخوخة الأفكار والرؤى والحس والخيال السياسي، وتحررت من القيود الإدراكية، وأساليب التفكير السياسى التى فرضها هذا المعتقل الخبراتي. إلا أن بعض المجموعات الجيلية الجديدة فى غالبها جاءوا من أعطاف سياسة التجريف السياسى وللكفاءات طيلة أكثر من أربعين سنة مضت. إن حالة الاختلال فى الفكر السياسى السائد، لا تعنى قط أن مقتضيات مراحل الانتقال وضغوطها تتطلب نسيان تجربتنا التاريخية مع التحديث المبتسر، والحداثة المغدورة، لأن عدم استدعاء هذه التجربة التاريخية وتقويمها نقدياً، سيؤدى إلى عدم قدرتنا على مواجهة تحديات عاتية تواجه الدولة والمجتمع، والأخطر ستؤدى إلى إعادة إنتاج مشكلات وأزمات معقدة.

وللحديث بقية

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟