المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
نبيل عبد الفتاح
نبيل عبد الفتاح

المثقف فى تراجعه وحيرته ومتاهته

الخميس 23/أكتوبر/2014 - 11:25 ص

لماذا نطرح قضايا المثقف فى هذه المرحلة الحساسة والدقيقة فى مصر والإقليم العربى الذى يبدو وكأنه على مشارف تغيير فى خرائطه السياسية والدينية والمذهبية والثقافية؟.

ثمة عديد الأسباب الدافعة لدرس مسألة المثقف والنخبة المثقفة، وأزماتهم التاريخية والراهنة عقب التغيرات التى حدثت عقب ما أطلق عليه مجازاً بالربيع العربى المجهض؟ أستطيع أن أذكر بعضها تمثيلاً لا حصراً فيما يلى:

1- تراجع أدوار بعض المثقفين فى المجال العام كنتاج لبعض اليأس من ضعف الفعالية والنفاذية والقدرة على التأثير على عملية صناعة القرارات السياسية والثقافية والاجتماعية على اختلافها.

2- بروز بعض الفجوات بين المثقفين وقطاعات جماهيرية عريضة كنتاج لانتشار الأمية بمختلف أنماطها، ومن ثم أدى ذلك إلى ضعف حضورهم المجتمعى.

3- لا مبالاة بعض دوائر الصفوة السياسية، لاسيما عند قمة النظام السياسى التسلطى قبل 25 يناير 2011 وما بعدها فى المراحل الانتقالية - وقادة الأجهزة البيروقراطية بآراء المثقفين، واعتبارهم ليسوا ذوى خبرة بثقافة الدولة وتقاليدها وأساليب عملها. ومن ثم تعتبرهم الصفوة والبيروقراطية مثاليين ومفارقين للواقع، ومنفصلين عن الجماهير، وبعضهم يدركون المثقفين كقوة مثيرة للغليان والأسئلة، والاضطراب، ويشككون فى شرعية الحكم، ومن ثم أصبحوا قوة هامشية ومستبعدة، لاسيما بعد فشل دور بعضهم فى الأحزاب والائتلافات السياسية التى تشكلت فى المراحل الانتقالية الأولى، والثانية، والثالثة المستمرة حتى الآن.

4- نكوص بعض المثقفين عن أداء أدوارهم النقدية والتحليلية للظواهر السياسية والدينية، ورجوعهم إلى مواقعهم الأكاديمية والبحثية.

5- استمرارية الهجمة الأصولية، ومنطق فرض الوصاية الدينية على الإبداع والإنتاج الثقافى، من قبل القوى الإسلامية السياسية، وبعض مشايخ الأزهر والحركة السلفية، وذلك فى مسعى للهيمنة على الحقل الثقافى والإبداعى، حتى بعد أحداث 30 يونيو 2013.

6- تهميش السلطة السياسية والمؤسسة الثقافية الرسمية بعض المثقفين النقديين وتوظيفها للموالين قبل 25 يناير ولايزال بعض من هذه السياسة مستمراً بعدها!- عبر آليات الجوائز والسفر، وإسناد المواقع القيادية للمؤسسات الثقافية الرسمية، وإن حدث تغيير جزئى ومحدود الآن، وهو ما كرس شيوع الإحساس باللا جدوى واليأس لدى قلة قليلة من أرفع المستويات تكويناً وإنتاجاً وموهبة.

 

7- انصراف بعض المثقفين والمبدعين للتركيز على ثقافة الجوائز والمهرجانات والاستعراضات والندوات لاسيما فى دول اليسر العربى. لا شك أن ظاهرة الجوائز التى انتشرت خلال المرحلة الماضية أدت إلى تكالب بعضهم عليها، بالإضافة إلى تأثيرات ذلك على عملية الكتابة الإبداعية التى يراعى فيها بعض متطلبات وشروط الحصول على هذه الجوائز، وهو أمر يشابه فى بعض آثاره السلبية مراعاة بعضهم فى عمله شروط النصوص الإبداعية التى ترشح للترجمة إلى اللغات الأجنبية، الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والإيطالية وغيرها من اللغات الآسيوية.

هذان المتغيران التابعان أسهما فى هندسة كتابية تلبى شروط ومتطلبات الجوائز والترجمة والسفر إلى المؤتمرات الثقافية.

8- لاتزال ظاهرة الإزاحة الجيلية للمثقفين والمبدعين الشباب مستمرة، وذلك لمصلحة استمرارية سطوة المثقفين من الأجيال الأكبر سناً على المؤسسات الثقافية، وعلى السلطة النقدية التى لا يزال بعضهم يتعامل بانتقائية واستعلاء على الإنتاج الإبداعى. ثمة بعض من النقاد الكبار يحتضن الإنتاج الإبداعى للمبدعين الشباب، ولكن من خلال مقاربات نقدية باتت تقليدية، ومن ثم يفرضون أذواقهم وانطباعاتهم النقدية على أعمال تحتاج إلى مقاربات جديدة ذات ذوق وروح شابة. قلة قليلة جداً هى التى واكبت الأعمال الجديدة برؤية مغايرة وذوق نقدى يتوافق منها.

9- تشكل بعض شبكات المصالح بين بعض من قادة واتباع وموالى السلطات الثقافية العربية الرسمية، بحيث يديرون العلاقات فيما بين بلدانهم. لم يقتصر الأمر على ذلك، وإنما تأسست شبكات أخرى من المنظمات الطوعية، سواء فى الحقلين الثقافى والحقوقى ومنظماته الدفاعية.

10- تراجع دور بعض المثقفين النقديين لمصلحة دور الناشط الحقوقى والسياسى - على التداخل بين غالبهم فى الأدوار والأنشطة - وبعض دور مقدمى البرامج التلفازية والفضائية.

إن صعود سلطة المرئى على المكتوب تزايدت منذ عقد التسعينيات وما قبل الربيع العربى الشاحب، وفي أثناء اضطراب مراحل الانتقال السياسى، والفوضى الأمنية والسياسية.

أسهم فى هذه الظاهرة تزايد وتأثر التطور التقنى السريع فى الأجهزة المعلوماتية والاتصالية المحمولة وأجيالها المتلاحقة على نحو أدى إلى خلل فى التوازن بين إنتاج الثقافة المرئية والنتية على الورقية بكل انعكاساته على نمط المثقف والمبدع الكلاسيكى الذى عرفته الأجيال السابقة، وصوره، وإدراكه لذاته وعمله وحضوره العام.

 

11- تزايد وزن خبير السلطة، وخبراء المناطق الجيو سياسية والجيو- دينية والمذهبية، والجيو عرقية.. الخ. لا شك أن تفاقم الأزمات والحروب والعنف الدينى والمذهبى وغيره أعطى لخبراء المناطق والسلطات حضوراً مكثفاً على مستوى الإعلام المرئى والمكتوب.

12- فى ظل نهاية عصر مثقف السرديات الكبرى بتعبير ليوتار- وتراجع الإيديولوجيات والأنساق الفكرية الكبرى، تحول بعض المثقفين والمفكرين الكبار إلى دور المثقف كمنتج للثقافة العالمة، وخاصة فى ظل بعض من تراجع الإنتاج الفلسفى فى بعض الدوائر الأكاديمية المحضة.

13- صعود حضور رجال الدين ودعاته ومبشريه ومؤسساتهم الكبرى، فى الصراعات الكونية، فى ظل كثافة وتنامى النزعات الأصولية وتمددها على عديد المستويات وما يصاحبها من عنف رمزى، ونزعات استبعادية للمغايرين دينياً ومذهبياً كرؤى وعقائد وإيمانات. هذا الاتجاه الغالب والمؤثر كونياً أثر سلبياً على حضور بعض المثقفين فى سجالات ونزاعات عصرنا ما بعد الحديث، وصيروراته العولمية، التى تعيد تشكيله بسرعة ووتائر غير مألوفة، والأخطر سقوط منظورات ورؤى ومفاهيم لم تعد صالحة لتفسير ما يحدث حولنا وبنا.

إن انكسار وتقوض بعض أدوات المثقف فى تكوين رؤاه وإنتاج أفكاره، تساعد على التراجع والانكفاء حيناً لدى بعضهم.

الأخطر أن ثمة نقصا فى صلاحية العديد من النماذج والرؤى والمقاربات التى ينتجها بعض المثقفين، حيث تبدو مفارقة فى تفسيرها للواقع الكونى الهادر بالتغييرات الزلزالية الناعمة حيناً، والعاصفة والعنيفة فى عديد الأحيان. بين تراجع الأدوار والحصار وتآكل الأدوات يبدو بعضهم فى حالة من التوهان والتردد والحيرة والقلق، بينما آخرون كثر يعيدون أفكار وعوالم أفلت، ويبدو وكأنهم فى فضاءات من المتاهة والتردد والعجز.

وللحديث بقية.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟