المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
نبيل عبد الفتاح
نبيل عبد الفتاح

المثقف بين القمع والسيرك والاستعراض

الخميس 30/أكتوبر/2014 - 11:04 ص

يشكل الانزواء النسبى لبعض المثقفين النقديين والمبدعين أحد المخاطر الكبرى على التطور المعرفى والاجتماعى أساساً بل ان تراجع دور بعضهم لصالح الظواهر الجديدة - مقدم البرامج المرئية والكتابة على الواقع الافتراضى- يؤثر على نحو سلبى فى مسارات وصيرورات التحول السياسى فى مصر والإقليم العربى، فى ظل اتساع وتمدد واتساع الفجوات بين مصر وإقليمها وعالمها وخاصة فى ظل تراكم هوة التخلف التاريخى بكل مكوناته وأبعاده عن العالم المعولم ومجتمعاته ما بعد الحديثة.

حصار المثقفين ومحاولة حجب أدوارهم من قبل السلطات الانتقالية، والدينية، يشكل محاولة للعودة إلى معتقلات العقل وسجون الأفكار فى أقبية السلطتان السياسة - والدينية، وفى ظل نمط من الغوغائيات الاجتماعية وبعض الجيلية الصاخبة والسائدة فى المجالين العام الواقعى والافتراضى.

وآية هذا العقل الغوغائى تتجلى فى بعض مظاهر ازدراء الكتابات القيمة واللغة المركبة سليلة أرفع درجات التكوين والممارسة الكتابية.

ثمة ميل لا تخطئه العين البصيرة إلى تشجيع نبذ المؤلفات الرصينة، أو ذات الحجم الكبير، بدعوى أن ثمة إزاحة تبتدى من نمط الكتابة الرائجة البسيطة، والمنهجية بين العامية والفصحى الركيكة، ورواج بعض الروايات التى تغلب السرد الحكائى، والنزعة البوليسية، أو العودة إلى الكتابة المفرطة فى سيولتها وأوصافها ومجازاتها ومن ثم وضع الأبنية السردية لكتابات ما قبل محفوظ، وما بعده، تحت دعاوى التشويق والسلاسة وعدم التعقيد والبساطة. يقال من بعضهم ان اللغة الرقمية، فرضت نمطاً كتابياً جديداً يقوم على الإيجاز الشديد، والمباشرة، وبعض الرموز التعبيرية المرسومة، وهو ما أدى إلى تغير كبير فى سوق الاستهلاك القرائى ونمط التلقى.

وهى ملاحظة جيدة، لكن ثمة فارقا بين تعبير الرسائل شديدة الإيجاز SMS على الهاتف المحمول أو غيره من أقنية الاتصال الرقمية، وبين الإيجاز والكثافة وعدم الترهل السردى فى روايات وقصص بعضهم كما فى بعض رموز جيل التسعينيات أحمد العايدى مثالاً فى ــ أن تكون عباس العبد ــ وآخرين، أن يحل نمط كتابى محل نمط آخر ويزيحه من سوق التلقى هو جزء أقرب إلى الأمنيات منه إلى واقع الكتابة الذى يتسع ليشمل كافة أساليب السرد. ان الأمر يتعدى الملاحظات السابقة، لأنه بات جزءاً من بعض اللغو الصحفى، وبعض دور النشر للذين يروجان لما يسمى بظاهرة الكتب والروايات الأكثر مبيعاً من خلال خداع القارئ غير المدرب كى يقبل منشوراتهم وترويجهم لبعض الكتاب والأجيال دون بعضهم الآخر.

هذا اللغو الصاخب يؤدى فى بعض الأحيان إلى حجب الأعمال السردية الرفيعة من حيث الأسلوب واللغة والبنية وجدة الموضوع أو الطرافة، أو النزعة الساخرة والتشظى واليومى والمشهدى إلى آخر المعايير والسمات التى تعطى لبعض الأعمال الفرادة أو بعض منها. بعض أشكال الرفض الجيلى على أهميتها، يسوقها بعضهم بهدف الاستبعاد والحجب عن المشهد بدعوى تراجع أهمية بعضهم، أو الخلط بين المواقف السياسية لبعض الكتاب وبين إنتاجهم الإبداعى، وبين الشخصى من مرويات ونميمة للنيل من أعمالهم.

لا شك أن هذه الأساليب النقدية التى تنتشر بين الحين والآخر فى دوائر بعض المجموعات، تساعد على تشويه صور بعض الكتاب والمثقفين، وتنعكس سلباً على دورهم جميعاً النابذ والمنبوذ، لاسيما أنها ظاهرة ممتدة فى تاريخ الجماعات الثقافية فى مصر، فى ظل تشكل مجموعات من زمر الرفاق الأدبية والبحثية، أو ما يطلق عليه نظام الشلة. يمكنك أن تلاحظ تداخل السلطة السياسية والثقافية الرسمية، فى نطاق شبكات الشلل والمصالح والأتباع، منذ أكثر من خمسين عاماً، من خلال أتباع وموالى السلطة السياسية الحاكمة، وبين بعض ناقديها، ومعارضيها.

جزء من تراجع حضور ودور المثقفين الكبار منتجى الثقافة العالمة، ما يفرضه هذا النمط من الإنتاج عالى المستوى، من حواجز بينه، وبين عموم المثقفين بالمعنى العام للكلمة، ومن ثم يبدون وكأنهم غير مفهومين وغير مؤثرين لدى رجال السياسة السوقية السائدة، والأحرى لدى صفوات سياسية غير مؤهلة التكوين والخبرات فى عمومها، وهو ما ظهر خلال المراحل الانتقالية.

جزء من الاستبعادات والإقصاءات للمثقفين النقديين سياسي، ومن داخل بعض الجماعات الثقافية، والجزء الآخر ذو صلة بالتحولات فى النظم المعرفية، وسقوط بعض المنظورات الكبرى، والتشظى الذى يسم الشرط ما بعد الحديث وصيرورات ما بعد. من ثم تقوضت رؤى ومقاربات وبات الواقع الموضوعى الكونى وفى أقاليم العالم الفرعية وفى المجتمع أكثر تعقيداً وسرعة، وهو ما ينطوى على تناقضات غير مألوفة. كل هذه المشاهد وعمليات التغير والتفكيكات التى تنطوى عليها، تثير الالتباس والغموض، بل والشكوك وعدم ثقة بعض المثقفين البارزين فى مدى صلاحية أدواتهم لفهم ما يحدث أمامهم. البعض الآخر لا يأبه كثيراً بالمتغيرات وكثافاتها وتلاحقها، ويستخدم مناهجه ومقارباته ورؤاه ونظرياته ومفاهيمه وأدواته فى الوصف والتحليل والتفسير والتركيب على نحو ما ألفه من خمسة أو أربعة أو ثلاثة عقود مضت، ومن ثم تبدو وكأنها إعادة عزف مشروخ لمعزوفة قديمة من الرؤى الخشبية أو كما يقول أشقاؤنا السودانيين كلام ساكت، و من ثم لا يبين.

فاقم من الجفوات بين المثقف ومجتمعه، اضطراب المراحل الانتقالية من غياب الأمن وضعف وازعات قانون الدولة وروادعه ونواهيه والعنف باسم الشعار الدينى، إلا أن بعضهم يريدها حجاباً حاجزاً يحول دون أعمال حريات الرأى والفكر والتعبير والتظاهر السلمى فى حدود قانون معتدل ينظم، ولا يصادر الحريات فى أصولها ومنابتها.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟