المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
نبيل عبد الفتاح
نبيل عبد الفتاح

تحولات المثقف والناشط والداعية الإيديولوجى

الخميس 06/نوفمبر/2014 - 11:29 ص

أن متابعة عملية تشكيل المثقف الحديث منذ بناء الدولة المصرية، تشير إلى أن مشكلاته التكوينية تاريخية ومستمرة، وتختلف من مرحلة لأخرى فى التطور السياسى والاجتماعى المصرى،

ومن ثم نحن أمام ما يمكن أن يطلق عليه مسألة المثقف. فى هذا الإطار يتم تداول عديد من التعميمات والأحكام المبسطة، وتتمثل فى إسناد غالب مشكلات المثقف والجماعات الثقافية إلى السلطة السياسية التسلطية عقب ثورة يوليو 1952، أو إلى السلطة الدينية التابعة لها، والقيود التى تفرضها على أدوار وإنتاج المثقف، وإبداعاته المعرفية والفكرية والسردية والفنية من خلال سعيها المستمر للهيمنة على المجال الثقافى الحديث - أو الحقل الثقافى وفق بورديو- من خلال نظامها المعيارى حول ثنائيات الحلال والحرام، والصواب والخطأ، والإيمان والكفر، والحسن، والقبيح.. الخ. إن محاولة فرض هندسة معيارية لما ينبغى أن يكون عليه الإنتاج المعرفى والإبداعى مؤثرة وخطيرة فى إطار منظومة من المحرمات الدينية والأخلاقية الإسلامية والمسيحية، أو توظيف الأعراف والتقاليد المحافظة والثنائيات الضدية فى ضبط الإبداع وقمعه فى بعض الأحيان.

إن سياسة الهيمنة السلطوية على المثقف والحقل «المجال» الثقافى هى جزء من سياسة التعبئة السياسية والحشد وراء السلطة الحاكمة فى عديد العقود من ناصر إلى السادات إلى مبارك إلى ما بعد 25 يناير 2011. وأحد دوافع السعى إلى إلحاق المثقف بالسلطة وأجهزتها تعود إلى أزمات الشرعية السياسية، ودور المثقف فى النقد وإثارة هذا الموضوع المفصلى ومخاطره على الحريات العامة وحقوق الإنسان كافة، لأن جروح الشرعية، وغيابها أو تأكلها، يعنى هيمنة القبضة الحديدية الغشوم للسلطة على المواطنين عموماً، الذين ينتمون إلى أحزاب أو اتجاهات سياسية معارضة والأخطر أن المثقف النقدى هو الهدف الأول لسياسة قمع الأفكار والإبداعات، والآراء. لا شك أن معتقلات الأفكار والإبداعات السياسية والدينية، أحد أكبر مكونات مسألة المثقف والسلطة والإبداع والتغيير الاجتماعى والثقافى فى مصر. هذا المكون المحورى لا يعنى تجاوز المشكلات التكوينية للمثقف والتى تعوق تحرره الفكرى، وأدواته فى مقاربة الظواهر والأحداث والأزمات، وفى توليد الرؤى والنظرات إزاء الذات والعالم والتاريخ والدولة والمجتمع والفرد. من هنا يبدو لى أن ثمة عديد المكونات لمسألة المثقف المصرى عموماً، نشير إليها فيما يلى:

1- بداية نحن إزاء جماعات ثقافية تنقسم إلى عديد من أشباه المدارس والتيارات الفكرية والفلسفية والإبداعية فى شتى الحقول، ومن ثم شكل الانقسام بين الجماعة الثقافية الحديثة، والجماعة الدينية أحد أبرز ملامح الصراعات الفكرية والسياسية. وإذا ركزنا على ميلاد المثقف الحامل لمشروع حداثى على الصعد الثقافية والمعرفية والسياسية والقانونية والقيمية والداعى والمساند لنمط الحياة الحديث وما بعده - سنجد أن هذا المثقف هو ابن المدرسة المدنية والجامعات، وحركة البعثات إلى أوروبا منذ محمد على وإسماعيل باشا ثم إلى الولايات المتحدة منذ عقد الستينيات من القرن الماضى.

المثقف المصرى الحديث يعد حالة خاصة عربياً، لأنه شارك يداً بيد، وفكرة بأخرى، وحركة وعمل وجهد ضارى مع النخبة السياسية الحاكمة منذ بناء الدولة، وفى التنظير والتحفيز والمشاركة فى تشكيل الأمة الحديثة، وفى إدارة العلاقات بين المجتمع والدولة، وفى إنتاج المعرفة والإبداعات التى تمت استعارة فنونها وأجناسها من الثقافة الأوروبية فى العلوم الاجتماعية والقانونية والآداب والسرديات، والمسرح، والسينما، والفنون التشكيلية. من هنا بدى دور المثقف المصرى كأحد بناة الدولة، وليس خادما لديها أو تابعاً لها وإنما شريك. هذا الدور حاولت سلطة يوليو 1952 فى مراحلها المتعاقبة - أن تحوله إلى دور التابع والمنشد والداعية السياسى لأيديولوجيتها التسلطية مع اختلاف شعاراتها من ناصر إلى السادات إلى مبارك وما بعد.

2- ساعدت البيئة السياسية شبه الليبرالية، والمجتمع شبه المفتوح والتفاعلات الكوزموبوليتانية - حول القاهرة الإسكندرية ومدن أخرى - إلى تداخل الثقافى والسياسى الحداثى ومن ثم تشكل حماية نسبية للمغامرة والمغايرة الفكرية والإبداعية والبحثية. وأدت النزعة القومية المصرية إلى بروز المدرسة المصرية فى التصوير والنحت والكتابة عن الشخصية القومية المصرية، ثم فى مشاركة المدرسة السريالية المصرية فى الإنتاج الفكرى والإبداعى فى إطار السريالية الأوروبية والعالمية، وهى المدرسة الوحيدة فى تاريخ الثقافة المصرية التى كان لها دور عالمى، ولم تكن محض مستوردة للأفكار والأخيلة والإبداعات، وبعدها لم يحدث أى دور للمثقف المصرى على المستوى العالمى إلا من خلال المثلث الذهبى المكون من صديقى الكبير أنور عبدالملك، وسمير أمين، وإيهاب حسن أحد منظرى ما بعد الحداثة العظام، وحول ذلك خرجنا إلى حد ما من زمن العالم الحداثى وما بعده، ولم يتبق سوى أصداء خافتة، وقلة قليلة جداً تحاول ما أمكن الوصال مع عصرها وأفكاره ومتغيراته العاصفة. الحالة الراهنة تتسم بالبؤس والخواء الفكرى، إلا من بعض إبداعات سرديات التسعينيات وما بعد.

3- بعض مثقفى المرحلة شبه الليبرالية تحولوا إلى موقع رجل الدولة والسياسى، من محمد حسين هيكل، وعبد الرزاق السنهورى ومصطفى عبد الرازق، وطه حسين. ومن ثم ظل نموذج الانتقال من موقع المثقف النقدى إلى رجل الدولة مسيطراً على إدراك بعضهم لاسيما بعد نظام يوليو 1952 وحتى مرحلة ما بعد 25 يناير 2011 إلى ما بعد أحداث 30 يونيو 2013 والمرجح أنه سيستمر، وهو ما أدى إلى خلط فى الأدوار والتصورات والحضور، وأدى إلى تحولات من موقع المثقف ومكانته إلى خبير السلطة وإلى الانتهازى المداهن، وإلى سوقية مداح السلطة البليد.

4- فى مرحلة الحراك السياسى منذ 2004 حتى الهبة الثورية فى 25 يناير 2011 وما بعد، ظهر دور الناشط السياسى والحقوقى الذى نازع المثقف حضوره، ودفع بعض المثقفين وهم قلة إلى الارتحال إلى موقع الناشط ليكون جزءاً من المشهد السياسى المتلفز فى القنوات التلفازية العربية، والخاصة، والأخطر أن بعضهم تحولوا إلى سنيده مؤيدين ومدافعين عن الناشط بالحق حيناً، وبالباطل أحياناً عن بعض جموح ونزق وأخطاء بعض النشطاء. لا شك أن هذا التغير كرس ابتعاد بعضهم عن أداء أدواره النقدية ومعالجاته العميقة فى مقاربة الظواهر وتفكيكها وتفسيرها وتحليلها، وتقديم الرؤى المغايرة التى تفتح الأبواب الجديدة لمسارات فى التفكير والنظر والعمل.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟