المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
نبيل عبد الفتاح
نبيل عبد الفتاح

المثقف فى متاهته وإعاقاته!

الخميس 20/نوفمبر/2014 - 10:36 ص

لماذا تراجعت عموماً الثقافة المصرية العالمة، وإنتاجها المعرفى فى حقل العلوم الاجتماعية، لاسيما الفلسفة وعلوم الاجتماع والقانون والتاريخ؟

ما أسباب هذا التراجع، وهل يعود لعلاقة المثقف والمفكر والباحث بالسلطة؟ أو علاقته بالمجتمع أو بتيارات الفكر العالمى فى تطوراته الكبرى فى إطار العولمة وما بعد الحداثة؟

من أى المصادر يأتى ضعف فعالية المثقف المصرى خصوصاً والعربى عموماً، لاسيما عقب شيوع فقه وفكر التوحش لدى «داعش» ونظائرها وأشباهها؟ لماذا يبدو رجل الدين الراديكالى والعنيف فى صدارة مشاهد العنف الوحشى المفتوح فى إطار المنظمات الإرهابية؟

نستطيع القول إننا لسنا إزاء أزمات تاريخية تتصل بتطور الثقافة والبنى المعرفية الحداثية وما بعدها، وإنما أصبحنا إزاء مسألة المثقف / النخبة المثقفة لاسيما منذ السبعينيات من القرن الماضي، ويعود ذلك إلى عوامل تكوينية، يمكن طرح بعضها فيما يلى:

1 ـ تراجع التكوين المعرفى الرصين للمفكر المثقف الباحث فى تخصصه الدقيق، أو فى مصادر المعرفة التى تغذى مقارباته، وتشكل رؤاه الكلية أو الفرعية الخاصة بالقضايا والظواهر والمشكلات، والموضوعات موضوع إبداعه أو أفكاره أو معالجاته للأحداث. فى هذا الإطار يلاحظ أن المؤلفات التأسيسية فى العلوم الاجتماعية، وتطوراتها وانقطاعاتها المعرفية، لم يترجم غالبها إلى اللغة العربية، وبعضها لم تكن ترجمته دقيقة، وبعضها الآخر يظهر كعناوين أو بعض من الاقتباسات المبتسرة من متونها أو هوامشها، أو إشارات عامة لها، أو نقلاً عن تضمينات لها فى كتب ومراجع فرعية. لا شك أن ذلك أدى إلى فجوة معرفية واسعة بين التكوين المعرفى المبتسر للمثقف / المفكر/ الباحث، وبين التغيرات المعرفية الكبرى فى مراكز إنتاج المعرفة فى عالمنا. إذا كان هذا حال المثقف فما بالنا بأوضاع «السياسى»، ورجل الدين، والبيروقراطي، ورجل الأمن.. الخ.

2 ـ أدت الفجوة المعرفية بين المفكر والمثقف منتج الثقافة العالمة - وبين نظائره فى المراكز المعرفية / الثقافية الكبرى عالمياً، إلى تفاقم وتراكم الآثار السلبية للمناورات الفكرية الكبرى منذ نهاية القرن التاسع عشر، وحتى اللحظة الراهنة، لاسيما عدم حل معضلات وإشكاليات العلاقة بين التقليدى والمحدث، ومن ثم استمرارية المناورة والازدواجيات والمداراة بين الدينى والمدني، وبين الدينى والسياسي، والدينى والثقافى والإبداعى فى جميع حقوله، وذلك دونما حسم أو تأليف إبداعى خلاق ومستمر.

إن خيارات ومناورات النخب السياسية وتبدلاتها واضطرابها من المرحلة شبه الليبرالية إلى دولة التسلطية السياسية والدينية بعد 23 يوليو 1952 بين الدينى والمدني، والدينى والسياسى، اتسمت بقدر كبير من الانتهازية السياسية، وذلك لتكريس حضورها واستمراريتها فى صدارة السلطة والمعارضة، وساهم بعض من كبار المفكرين والمثقفين فى تكريس هذه المناورة من خلال بعض الاستراتيجيات اللغوية، من خلال أقنعة لفظية تدور حول الأصالة والمعاصرة، والتراث والحداثة، وسواها من الثنائيات الضدية والصياغات اللفظية الحاملة لتناقضاتها البنيوية الداخلية، والدلالية.

لا شك أن هذه الإستراتيجية اللغوية أثرت على عمليات استعارة وتقديم البنى المعرفية والقانونية ومؤلفاتها التأسيسية على نحو يتسم بالغموض والتشوش والابتسار، وغالباً كصياغة لفظية تعتمد على ما هو متاح فى القاموس العربي، فى ظل ثورة المصطلحات والمفاهيم الغربية، وجمود اللغة العربية آنذاك قبل تطورها النسبى بعد ذلك.

3 ـ تحولت اللغة كنسق - والأحرى أنساق - كدلالة ورؤية إلى محض مادة وأداة لألعاب لغوية إنشائية لدى بعض من المثقفين والمفكرين، وذلك لشيوع أدراك لها على أنها محض أداة، وليس بوصفها هى الفكر ذاته وفق تطورات الألسنية ونظرياتها ومناهجها واجتياحها كل فروع المعرفة فى العلوم الاجتماعية. لم تعد اللغة والمصطلحات أدوات وإنما إدراك وإنتاج لرؤى العالم، وإنتاجه. من ثم باتت مادة لتشوش والتباسات وغموض لدى بعضهم زاده نمط من الاستخدامات البيانية والتقليدية للغة العربية، لاسيما فى ظل عدم مواكبتها للتغير المعرفى فى مجال العلوم الاجتماعية والطبيعية.

4 ـ استمرارية بعض مظاهر الانتهازية الفكرية والسياسية لدى بعض المثقفين من خلال الخطابات المزدوجة، والمزايدات الفكرية، وتبنى منطق العوام وايماناتهم أياً كانت - ومجاراة منطق وخطاب بعض رجال الدين خشية ووجلاً من أن تطالهم سهام التكفير، وهى ظاهرة تمددت خلال أكثر من أربعين عاماً مضت ولاتزال، وازدادت مع وصول بعض الإسلاميين إلى السلطة، وانتشار فكر التوحش والعنف لدى داعش والنصرة وأنصار بيت المقدس قبل وبعد مبايعتهم لأبى بكر البغدادى. بعضهم يناور والآخرون يصمتون عن مواجهة هذا الفكر الذى يشكل تهديداً لطبيعة التسامح الإسلامى، وقيمه العليا فى الحرية والعدالة والمساواة، وحرية العقيدة والضمير، والأخوة الإنسانية وحرية الفكر والإيمان والروح.

5 ـ هيمنة لغة السجال العنيف على الحوار، وساد العنف اللفظى والشجارات، ولغة الشعارات الخشبية على الخطاب التفكيكى والتحليلى النقدى. وهو ما أدى إلى تآكل تقاليد الحوار ولغته ومعاييره وقيمه.

6 ـ تزايد وتمدد مساحة المحرمات السياسية والدينية التى يتعامل ويناور معها المفكر والمثقف، فى ظل القيود القانونية والأمنية على حريات الرأى والتعبير والإبداع، حتى بعد الانتفاضات الثورية المجهضة، والأخطر انكسار وتفكك بعض الروح التضامنية بين الجماعة الثقافية إزاء الانتهاكات المختلفة لحريات الفكر والإبداع.

7 ـ اغتراب بعض المفكرين والمثقفين عقب فشل الانتفاضات وبعضهم من المثقفين الدعاة والمبشرين والإيديولوجيين الثورية خلال الفترة من 25 يناير 2011 وحتى الآن.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟