المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
نبيل عبد الفتاح
نبيل عبد الفتاح

أزمة الأحزاب السياسية المصرية

الخميس 11/ديسمبر/2014 - 10:13 ص

الظاهرة الحزبية المصرية تشكل حالة خاصة، فى عجزها وضعفها التاريخى وهزالها البنيوى فى تشكيلاتها، وهياكلها الهشة، ونمط القيادة الهرم وغياب الخيال السياسى الخلاق،وعدم القدرة على صياغة لغة سياسية جاذبة لقواعد اجتماعية داعمة لها. منذ تجربتى التعددية السياسية الشكلية المقيدة فى عهدى السادات ومبارك، لعبت الأحزاب الرسمية دور الممثل الثانوى الكومبارس الذى يلعب دورا صامتا حيناً، أو يلقى ببعض الكلمات فى أحيان أخري، وذلك دونما تأثير فاعل على عملية صناعة القرار السياسى أو الإنتاج التشريعى إلا على نحو استثنائي. كانت الأحزاب، ولايزال دورها جزءا من «الماكياج» السياسي، أو ديكورات النظام التسلطى التى ترمى للإيحاء بأن ثمة تعددية سياسية وتحولا نحو الديمقراطية، ومظهرا آخر لتجميل البلاط الجمهورى أمام الإدارات السياسية فى الولايات المتحدة الأمريكية ومراكز صنع القرار فى المجموعة الأوروبية، وأمام الإعلام الغربى على وجه الخصوص.

«السلطان الجمهوري» أياً كان شخصه - لم يكن التعدد السياسي، والقيم السياسية الديمقراطية جزءاً من البناء العقيدى له، أو إدراكاته السياسية لمعنى الدولة القومية الحديثة، ولا لمعانى الحداثة السياسية والقانونية، ومن ثم كان إدراكهم للمعارضة وأحزابها على أنهم محض أدوات يتلاعبون بها وفقاً لمشيئتهم. هذا الإدراك الأداتى هو الذى ساد إزاء الحزب الحاكم من حزب الوسط إلى الوطنى الديمقراطى المنحل -، من هنا لم يتجاوز دوره حدود تمرير القرارات السياسية الكبرى والصغرى وتأييدها بإفراط، أو تمرير مشروعات القوانين التى تتقدم بها الحكومات المتعاقبة. كان أقرب إلى تجمع مصالح وفساد من بعض القوى التقليدية فى الأرياف العائلات الممتدة والقبائل فى محافظات الصعيد والدلتا ومجموعات المصالح البيروقراطية ورجال الأعمال والتجار، وهؤلاء جميعاً كان رائدهم الحزبى مجموعة من المصالح الضيقة، وحماية أشكال من الفساد السلطوى والهيكلى فى الدولة والسلطة والبيروقراطية وفى القطاع الخاص. كانت بعض قيادات الأحزاب المعارضة قبل 25 يناير تحتمى بالغطاءات الحزبية كمدخل للمساومة السياسية للدخول إلى التشكيلات البرلمانية مع النظام والأجهزة الأمنية. من هنا نستطيع القول إن الأحزاب السياسية لم تكن جزءاً من هندسة سياسية تعددية تتسم بالفعالية والقدرة على التغيير السياسى السلمي، لأنها ولدت على نحو قيصرى فى إطار الهندسة السلطوية والأمنية خلال أكثر من أربعين عاماً مضت. ولدت معاقة وتتغذى على دماء سلطوية معطوبة، وتعتمد فى تمثيلها البرلمانى إن أتيح لها ذلك على صفقات صغيرة مع الأمن والحكم، وكانت حركتها فى الواقع الاجتماعى محدودة وهامشية لا تعدو إصدار صحيفة أو أكثر لتُعبر من خلالها عن آرائها السياسية، أو أخبار قادتها، ومن ثم لم يكن ثمة نشاط مؤثر فى أوساط جماهيرية إلا على نحو محدود واستثنائي. ولم يقتصر الأمر على ذلك وإنما امتد إلى بعض من الصفقات مع جماعة الإخوان المسلمين منذ انتخابات عام 1984.

ثمة قيود قانونية وإدارية وأمنية فرضها النظام وأجهزته القمعية على نشأة الأحزاب السياسية، وتمريرها والقبول الرسمى بها، بقطع النظر عن مدى تعبيرها عن أفكار وبرامج سياسية واقتصادية واجتماعية تتسم بالجدة، أو تمثيلها لمصالح قوى اجتماعية فى الأرياف أو المدن المريفة. نستطيع القول أيضاً ان فشل الأحزاب السياسية عموماً يرجع إلى أسباب أخري، نذكر منها تمثيلاً لا حصراً ما يلي:-

ضعف الثقافة السياسية الحزبية، وغياب مدارس لبناء الكادر الحزبي، وتأهيل القيادات وفق مناهج لإعداد الكوادر وفق أساليب علمية، ولنقل الخبرات السياسية المصرية والمقارنة، وإنما اعتمدت غالبُ الأحزاب على إعادة إنتاج بعض الشعارات العامة، ومقولات بعض «قادة» الأحزاب التى اتسمت غالباً بالإنشائية واللغو والركاكة والتى عبرت عن ضعف التكوين السياسي، وغياب رأسمال من المهارات السياسية لدى هؤلاء. فشل الأحزاب فى التجنيد السياسى لأجيال شابة، كنتاج لغياب برامج ورؤى سياسية ملهمة تستقطب اهتمامات وآمال الأجيال الجديدة فى تغيير النظام والنخبة السياسية والسلطوية الحاكمة، من أجل تأسيس دولة جديدة أكثر ديمقراطية وتطوراً وتحديثاً على نحو يستوعب آمال ومصالح شرائح اجتماعية وجيلية صاعدة من الفئات الوسطى الوسطي، والوسطى الصغيرة ذات الطموحات السياسية فى التغيير السلمى فى البلاد.

غياب تقاليد وآليات ديمقراطية فى عملية صناعة القرارات الحزبية على نحو عكس صورة أخرى من النظام التسلطى فى قلب الأحزاب السياسية المعارضة، وفى الحزب الحاكم. من ناحية أخرى برزت مراكز قوى حزبية حول بعض الشخصيات المؤثرة فى الحزب الحاكم، وفى غالب أحزاب المعارضة على نحو حول غالبها إلى تجمع لبعض الشلل والموالين لهم.

بروز سطوة بعض رجال المال والأعمال فى بعض الأحزاب لقيامهم بتمويلها، بناءً على عقد ضمنى لكم التمويل، ولنا تحديد قرارات الحزب الأساسية والحق فى استخدام الحزب ومواقفه فى المناورة مع السلطة، بخصوص مصالحهم الاقتصادية، وهو ما شكل أحد وجوه الفساد السياسى الذى وسم مرحلة حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك ونظامه الفاسد.

ضعف الميراث الحزبى وتقاليده وخبراته ودوره فى التقاليد التشريعية وفى إنتاج التشريعات والجدل حولها فى ظل التشكيلات البرلمانية للتعددية السياسية الثانية والثالثة، وهيمنة السلطة التنفيذية وأجهزة النظام التسلطى على عملية صناعة التشريع، واستخدام البرلمان كأداة من أدواته، ناهيك عن الدور المحورى لنظام القرار الجمهورى بقانون فى انتهاك المجال المحجوز لسلطة التشريع بلا معقب.

تركز الأحزاب فى مقارها، واستبدال الحركة وسط الجماهير بالحضور الإعلامى فى الصحف محدودة التوزيع. فى أعقاب 25 يناير 2011، أصبح الإعلام الخاص أداة بيد رجال الأعمال فى الدفاع عن مصالحهم، وسعيهم للعب دور سياسي، والمناورة والضغط على السلطة الانتقالية، والإخوان المسلمين، ثم بعد 30 يونيو على الرئيس والحكومة لاستعادة مصالحهم وشبكات فساد بعضهم مع بعض قادة أجهزة الدولة ونخبة الحكم.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟