المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
السيد يسين
السيد يسين

تجريم ازدراء الثورة!

الخميس 18/ديسمبر/2014 - 03:38 م

هل يمكن النص فى قانون العقوبات على جريمة جديدة للعقاب على "ازدراء الثورة" على غرار جريمة ازدراء الأديان؟

نطرح هذا السؤال لأنه ظهرت مؤخراً فكرة سن تشريع جنائى ينص على عقاب من يزدرى ثورة 25 يناير أو "ثورة" 30 يونيو!

ومن متابعتنا للبرامج الإعلامية والكتابات السياسية فى الفترة الماضية تبين لنا أن مجموعات إعلامية وسياسية شاردة خططت لإثارة البلبلة فى الرأى العام، وشق الصف الوطنى للفئات الجماهيرية التى قامت بالانقلاب الشعبى العظيم فى 30 يونيو ضد الحكم الإرهابى لجماعة الإخوان المسلمين، واستجابت لنداء "السيسى" الذى بادر لكى تقف القوات المسلحة فى صف الشعب الثائر.

وهكذا لم تكفنا الحملات الإعلامية والسياسية المغرضة التى شنتها على الشعب المصرى الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوربى فى تنسيق واضح مع جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية للزعم بأن 30 يونيو هى مجرد انقلاب عسكرى وليس هبة شعبية، بل إنها عادت لكى نصف ثورة 25 يناير بأنها مؤامرة دولية واسعة الأطراف شاركت فى نسج خيوطها مجموعات من الناشطين السياسيين، سواء منهم من تلقوا تدريبات فى الخارج على طرق الانقلاب السياسى على نظام "مبارك"، أو قبضوا أموالاً طائلة من جهات غربية مشبوهة حتى يحققوا هذا الهدف.

ومن عجائب الأمور فى مصر المحروسة أنه قامت مناظرات عقيمة بين أنصار 25 يونيو وأنصار 30 يونيو، وكأن المسألة مباراة "صفرية" لابد أن ينتصر فيها كل طرف على الطرف الآخر، سواء بطرق مشروعة أو بطرق غير مشروعة.

تحولت المسألة ببساطة إلى "فتنة سياسية" صاخبة، اختلطت فيها الأوراق ووزعت الاتهامات ذات اليمين وذات اليسار، مما اضطر الرئيس "السيسى" فى بعض تصريحاته إلى أن "يمجد" ثورة 25 يناير لإسكات الأصوات الزاعقة التى إدعت أنها كانت مؤامرة.

وفى نفس الوقت فى مواجهة الأصوات التى اتهمت 30 يونيو بأنها كانت مجرد انقلاب ظهرت فكرة من تشريع جنائى لعقاب من يتقول "أو فلنقل من يزدرى" إحدى الثورتين!

وهذا الاقتراح يعد فى الواقع مخالفة صارخة لقواعد التجريم المستقرة. وذلك لأنه فى هذا المجال لا مناص من التحديد الدقيق للجريمة التى سيعاقب مرتكبها عليها. ولدينا فى القانون الجنائى – وباعتبارى قانونياً فى الأساس ركنان لكل جريمة الركن المادى والركن المعنوى.

ولو حاولنا أن نسن هذا التشريع الجنائى المبتكر -والذى لا مثيل له فى أى تشريع جنائى حديث- لاستحال علينا توصيف جريمة "ازدراء الثورة"، لأن العبارات الفضفاضة التى اقترحت لا تصلح أساساً لتكوين جريمة بالمعنى القانونى الدقيق.

ولو تركنا جانباً هذه الاعتبارات القانونية البحتة التى تتعلق بفن صياغة القواعد القانونية وأساليب التجريم، لتبين لنا أن هذا التشريع المقترح يصادر فى الواقع حرية الفكر التى نص الدستور على حمايتها.

وذلك لسبب بسيط هو أن تقييم الثورات فى كل البلاد موضوع سياسى خلافى بامتياز. لأن الأحزاب السياسية المختلفة قد تختلف حول توصيف الأحداث السياسية سواء كانت انقلاباً أو ثورة. غير أن هذا الاختلاف لا يجوز -من وجهة نظر الدستور أو القانون- تجريمه والعقاب عليه. ولو حدث ذلك لعد إنحرافاً تشريعياً على المشرع فى أى دولة ديمقراطية ألا يمارسه، حفاظاً على حقوق المواطنين التى نص عليها الدستور فى مجال حرية التفكير وحرية التعبير.

لقد سبق لنا فى مقالات منشورة أن نقدنا بشدة المشرع الجنائى الفرنسى الذى استحدث جريمة لم تكن موجودة فى القانون الجنائى الفرنسى وهى انكار وقوع "الهولوكست" (المحرقة النازية لليهود) فى الحرب العالمية الثانية" أو التقليل من عدد ضحاياها. واعتبرنا ذلك من قبيل الانحراف التشريعى الجسيم الذى تم تحت تأثير الابتزاز الصهيونى للساسة الفرنسيين.

ولذلك لا يجوز للمشرع المصرى – أياً كانت الدوافع والأسباب- عبور الخط الفاصل بين حرية الرأى المشروعة والاتهامات السياسية المرسلة، مثل الجريمة المقترحة وهى "ازدراء الثورات"، لأنها جريمة تفتقر للأركان المادية والمعنوية معاً، وتعد مخالفة صارخة لقواعد التجريم والعقاب.

لقد كتبنا من قبل مراراً بعد ثورة 25 يناير أن هناك فروقا واضحة بين الثورة والفوضى.

ونقول اليوم أنه لابد من وضع الحدود الفاصلة بين القانون والتعسف.

 

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟