المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
السيد يسين
السيد يسين

تمكيــن الشـــباب فى عصـــر الثــــورة

الخميس 25/ديسمبر/2014 - 12:26 م

تصاعدت منذ قيام ثورة 25 يناير -وبعد أن هدأت الأحداث الجسام التى حفلت بها المرحلة الانتقالية- الدعوات لأهمية تمكين الشباب وضعا فى الاعتبار أن هذه الشريحة العمرية الهامة تمثل حوالى 60% من السكان فى مصر. ومن ثم يصبح من المنطقى يكون لهم دور بارز فى خطط التنمية المستدامة فكرا وتطبيقاً وممارسة ومشاركة.

غير أن هذه الدعوة المشروعة للمشاركة الشبابية الفعالة فى خطط التنمية اختزلت بشكل بالغ الغرابة فى ضرورة تعيين عدد من الشباب فى كل وزارة ليكونوا معاونين للوزراء أو للمحافظين. وقد صدرت فعلاً قرارات بذلك تنظم فى كل وزارة مسابقة لمن يريدون أن يصبحوا معاونين للوزراء.

وفى تقديرنا أن هذه توجهات غير موفقة، لأن تمكين الشباب لا يمكن أن يتم بتعيين أربعة أو خمسة معاونين لكل وزير، وماذا عن باقى الجماهير الحاشدة من الشباب؟

لكل ذلك إيماناً منا فى المركز العربى للبحوث والدراسات بالأهمية القصوى لتمكين الشباب قررنا عقد مؤتمر لشباب الباحثين موضوعه «رؤية الشباب للمستقبل». ودعوناهم للتقدم ببحوثهم فى أربعة محاور هى السياسة الداخلية والسياسة الخارجية والمشكلات الاقتصادية ومواجهة الإرهاب والقضايا الاجتماعية والثقافية.

وقد تلقينا ــ كما ذكرنا فى مقالنا الماضى ــ 75 بحثاً متنوعا تم اختيار حوالى 30 بحثا متميزا منها للمناقشة فى جلسات عامة، وتم الحوار حول باقى الأبحاث فى ورشات عمل موازية.

وقد أثرت سياسة تمكين الشباب فى لقاء مجموعة من المثقفين مع الرئيس «عبد الفتاح السيسى» وضربت مثلاً بالمؤتمر الذى نظمه المركز العربى للبحوث، وقدمت لسيادته توصيات المؤتمر الذى حرص أعضاؤه على أن تصل رؤاهم واقتراحاتهم للسيد رئيس الجمهورية.

ومواصلة لجهود المركز العربى للبحوث قررنا تنظيم ندوة شهرية لحوارات الشباب تحت عنوان «منتدى الحوار الديموقراطى» بالاشتراك مع وزارة الشباب.

ويبقى السؤال ما هى مفردات رؤية الشباب للمحاور المختلفة التى طرحت للبحث والنقاش؟

الإجابة تكمن أولاً فى استعراضنا النقدى لتوصيات الشباب فيما يتعلق بالسياسة الداخلية. ويلفت النظر حقاً أن هذه التوصيات تعرضت لثمانية موضوعات بالغة الأهمية هى على التوالى مواجهة التطرف، وتعزيز المجتمع المدنى، وأهمية تمكين الأحزاب السياسية للشباب، ومشاكل الشباب مع النظام السياسى الجديد بعد 30 يونيو، وتعزيز الوعى السياسى للشباب.

ونريد اليوم أن نعرض لموضوعين هما رؤية الشباب المصرى لمواجهة التطرف ولتعزيز المجتمع المدنى.

ومما لا شك فيه أن ظاهرة التطرف التى أدت صورته الدينية المتشددة إلى الإرهاب تمثل خطرا شديداً على الاستقرار السياسى من ناحية والسلام الاجتماعى من ناحية ثانية. ومن هنا أهمية معرفة رؤية الشباب لمواجهة التطرف وخصوصاً لأن بعض فئات الناشطين السياسيين فى مصر بعد ثورة 25 يناير مارسوا صورا متعددة من التطرف السياسى سواء فى محاولاتها هدم مؤسسات الدولة وفى مقدمتها الشرطة والقوات المسلحة. أو فى ممارساتها التمرد الفوضوى غير المسئول فى صورة مظاهرات غوغائية ترفع شعارات زاعقة لإثارة الشارع السياسى.

وتتمثل رؤية شباب الباحثين لمواجهة التطرف فى عدد من المقترحات الإيجابية التى تستحق التأمل.

والتوصية الأولى تذهب إلى أهمية «خلق بيئة سياسية واجتماعية واقتصادية ونفسية حاضنة لقيم الابتكار والإبداع والنقد البناء والانفتاح العقلى واحترام الآخر، وطاردة لقيم التطرف والجمود والطاعة العمياء والانغلاق العقلى ومدعمة للتغيير المجتمعى الحقيقى القائم على رؤية مستقبلية إيجابية تضمن التعددية والتنوع وحرية الفكر والإبداع».

ولو تأملنا بعمق هذه التوصية لأدركنا أن شباب الباحثين ببصيرة ثاقبة فهموا بعمق المرحلة الحضارية التى يمر بها المجتمع العالمى فى الوقت الراهن، ونعنى على وجه التحديد الانتقال من مجتمع المعلومات العالمى بما يتضمنه من شبكة إنترنت أصبحت تكون لأول مرة فى تاريخ البشرية فضاء عاما جديداً تتفاعل فيه الثقافات والمجتمعات والأفراد والجماعات بغير حدود ولا قيود، إلى مجتمع المعرفة الذى يميزه أساساً تصنيع المعرفة وتيسير تداولها للجماهير وهو مجتمع يقوم أساساً على الابتكار والإبداع.

وهكذا حين تتحدث التوصية عن أهمية ترسيخ قيم الابتكار والإبداع والانفتاح العقلى واحترام الآخر فمعنى ذلك أن الشباب الباحثين أدركوا روح العصر القادم الذى يقوم على التجدد المعرفى الدائم -تطبيقاً لمقولة أن التعلم عملية ينبغى أن تستمر طوال العمر- بالإضافة إلى تركيزهم على أهمية صياغة رؤية مستقبلية إيجابية تتضمن التعددية والتنوع وحرية الفكر والإبداع.

ولإدراك شباب الباحثين أن هناك أزمة عميقة بين النظام السياسى فى مصر بعد ثورة 25 يناير وبين الشباب أوصوا بفتح قنوات للحوار معهم لكى يتاح لهم التعبير عن ذواتهم وآرائهم. وينبغى الالتفات هنا إلى أهمية تثقيف الشباب فى مجال الفهم العميق لعملية صنع القرار والتى هى عملية معقدة، لأنها لا تتعلق فقط بأهمية توثيق المعلومات الثابتة والصادقة بالنسبة لموضوع ما، ولكنها تتطلب نظرة متكاملة فى ضوء رؤية استراتيجية شاملة تتضمن التخطيط طويل المدى للأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وقبل ذلك كله تتطلب إرادة سياسية حاسمة من قبل النخب السياسية الحاكمة التى ينبغى عليها أن تستمع لنبض الجماهير، وتعكس المطالب المشروعة للشارع السياسى.

ويلفت النظر أن شباب الباحثين التفتوا إلى أهمية المواجهة الثقافية للإرهاب على أساس أن الحلول الأمنية وإن كانت ضرورية إلا أنها ليست كافية.

وهذا موضوع يستحق أن نتعمق أبعاده المختلفة لأنه تتضمن مفردات متعددة قد يكون أولها أهمية تجديد الخطاب الدينى، وقد يكون فى مقدمتها ضرورة تجديد القيم الاجتماعية بعد أن أصابها الاختلال العميق بعد ثورة 25 يناير.

وكل مطلب من هذه المطالب يحتاج إلى اجتهادات فكرية متعمقة.

وذلك لأن تجديد الخطاب الدينى- على سبيل المثال- يثير موضوعات معقدة أهمها خطورة تقسيم نظام التعليم المصرى إلى تعليم دينى يشرف عليه الأزهر من ناحية، وتعليم مدنى من ناحية أخرى تشرف عليه وزارة التربية والتعليم.

وتتمثل سلبيات هذا الازدواج التعليمى فى أن التعليم الدينى يمارس فى إطار تقاليد تعليمية موروثة من قديم لم يتم تحديثها حتى الآن، بالرغم من أن هناك أمورا استجدت وتغيرات حضارية حدثت فى العالم وتطورات اجتماعية كبرى لحقت بالمجتمع المصرى، مما يستوجب ضرورة إطلاق حملة جديدة مدروسة للاجتهاد الدينى تقوم على إعادة تفسير وتأويل النصوص الدينية حتى تستجيب لحاجات العصر.

وفى نفس الوقت لابد من تحديث نظام التعليم المدنى الذى يقوم ــ للأسف الشديد ــ على الحفظ والتلقين. ولا يعمل على تكوين العقل النقدى الذى يستطيع فهم التطورات العلمية والحضارية الجديدة، مما يساعد صاحبه على الابتكار والإبداع بدلاً من التطبيق الآلى لتجارب سابقة ثبت فشلها.

إذا كان موضوع تجديد الخطاب الدينى يثير موضوعات بالغة العمق لا تسعها هذه الإشارات الموجزة، فإن مسألة أهمية تجديد القيم الاجتماعية تحتاج إلى معالجة مستقبلية وافية.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟