المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
نبيل عبد الفتاح
نبيل عبد الفتاح

القضاء والحريات وسيادة القانون

الخميس 01/يناير/2015 - 11:37 ص

أحد أبرز معالم الدولة الديمقراطية الحديثة، يتمثل فى التوزيع الوظيفى للقوة بين السلطات الثلاث، ومبدأ الفصل والتعاون بين السلطات وفق الهندسة الدستورية التى تم التوافق عليها حول شكل النظام الدستورى برلمانى أو رئاسى أو شبه رئاسى على نمط الجمهورية الخامسة الفرنسية وتعديلاتها، أو وفق حكومة الجمعية، وأياً كانت الاختيارات السياسية لهذا النظام أو ذاك، تبرز مسألة استقلال السلطة القضائية، وذلك لأنها تشكل حماية لأعمالها من تدخلات السلطتين التنفيذية والتشريعية. من هنا شكل تدخل البرلمان فى المرحلة الانتقالية الأولى والثانية فى أعمال السلطة القضائية وجماعة القضاة، والاعتداء عليها، أحد أخطر انتهاكات مبدأ الشرعية الدستورية، وسيادة القانون.

إن ظاهرة التدخل فى أعمال السلطة القضائية والقضاة، تشكل ظاهرة شائعة فى النظم الشمولية الديكتاتورية ـ والتسلطية التى سادت عقب دولة ما بعد الاستقلال عن الاستعمار الغربى. من هنا كانت بعض الجماعات القضائية تمثل أداة بيد الحاكم الفرد للتنكيل بخصومه السياسيين، أو المعارضين، أو زملائه المغضوب عليهم، لأن هذه النظم الاستبدادية لا تعرف معنى دولة القانون ولا استقلال القضاء والقضاة، حيث يشكل الحاكم وبطانته وأجهزته القمعية مركز النظام السياسى الشمولى والاستبدادى، ومن ثم تغدو إرادته ومشيئته وأهواؤه هى القانون، والأحكام الجائرة هى رغباته وأوامره التى لا راد لها.

من هنا ظهرت أشكال الاستبداد الدستورى والقانونى والقضائى والقمع وعنف جهاز الدولة المفرط إزاء المعارضين، وتمدده ليشمل غالب العاديين.

لا شك أن ظاهرة التدخل فى عمل القضاء والقضاة التى سادت عديدا من تجارب دول ما بعد الكولونيالية،كانت موضعاً لانتقادات عنيفة وحادة، من عديد الجوانب وعلى رأسها العصف بالحقوق والحريات العامة والفردية، وبناء حدود وفرض قيود ثقيلة وباهظة على المجال العام السياسى، بحيث لا يتنفس المواطنون نسائم الحرية وتجلياتها على المستويين الفردى أو الجماعى، ولا التفكير أو التعبير عن أفكارهم وآرائهم وإبداعاتهم ومواقفهم أياً كانت إبداعية أو فكرية أو فنية أو سياسية أو دينية أو اجتماعية. من هنا شكل تراكم قيم الإجماع القسرى وراء سياسات وأيديولوجية الحكام وأجهزتهم القمعية الرمزية والمادية جزءاً من الثقافة السياسية التسلطية التى تداخلت منظومتها القيمية فى عديد من أنماط السلوك الاجتماعى والبيروقراطى والأمنى التى ركزت على ترسيخ قيم الطاعة والولاء، والربط بين مفهوم الوطنية وإتباع أوامر ونواهى الحاكم وحاشيته، ومن ثم غابت قيم المواطنة السياسية وغامت قيمة الحرية وتراجعت بمصلحة الولاء للحاكم والنظام. وتمت إشاعة ثقافة الوشايات والنميمة والخوف من الحاكم وبطانته وتمددت تابوهات السياسة والدين والجنس، حيث تسيطر وتتكاثر وتتسع لتشمل كلام الحاكم وإشاراته وتوجيهاته ليصبح كلاما مقدسا لا يجوز الاقتراب منه، إلا بإعادة تلاوته وترديده وهكذا أدت ديكتاتوريات ما بعد الكولونيالية إلى تجفيف عديد من منابع الإبداع والمغامرات الفكرية والفنية، والأخطر قمع المبادرات الشخصية ـ ولا أقول الفردية ـ والجماعية فى مهدها خشية أن تكون مدخلاً للعمل السياسى الذى تم تأميمه ومصادرته لمصلحة التعبئة والحشد وراء الحاكم المطلق. من هنا نستطيع متابعة أسباب فرض القيود على القضاء والجماعة القضائية، وذلك لكى تكون جزءا عضويا من هندسات القمع الجماعى، والشمولية والتسلطية السياسية، ولتغدو من ثم إحدى المؤسسات والآليات التى يعتمد عليها الحكام الديكتاتوريين فى فرض الهيمنة على المجتمع.

فى الحالة المصرية كانت الجماعة القضائية جزءا من مؤسسات وهندسات وتشكيلات الدولة الحديثة، مع الجماعة القانونية، والأنظمة القانونية الوضعية الحديثة، ولعبوا دوراً مهما فى تطويع وتطبيع القانون الأوروبى اللاتينى ـ الفرنسى والبلجيكى الإيطالى ـ على الواقع الاجتماعى والسياسى المصرى بخصوصياته، وهو أبرز نجاحات مصر فى مضمار التحديث السلطوى للقيم والمؤسسات.

من ناحية ثانية كان دورهم بارزا فى حماية الحقوق والحريات الشخصية، ومن ثم كانوا بمثابة الحصن الحصين لحماية الفرد الأعزل إزاء السلطة، وإزاء ذوى القوة والمكانة والنفوذ فى المجتمع أياً كانت مواقعهم. هذا الدور تأثر سلبياً مع نظام يوليو 1952حتى اللحظة التاريخية الراهنة للانتقال السياسى.

فى ظل ثورة يوليو 1952 وقع العديد من الأزمات بين الجماعة القضائية، وبين السلطة التنفيذية، وذلك لعديد من الأسباب:

1- الفهم الأداتى للضباط الأحرار، والتكنقراط والبيروقراطية لمعنى دولة القانون وسيادته، واعتباره أداة لفرض وتقنين سياسات النظام فى المجالات الاجتماعية والاقتصادية.. الخ. ومن ثم تغليب المصالح الاجتماعية للنظام، وليس تعبيراً عن التوازنات بين القوى الاجتماعية ومصالحها المتصارعة. وفى ظل موت السياسة، تم فرض القيود والسياجات على الحقوق والحريات العامة.

2- إن مناهج التعليم والثقافة القانونية والقضائية فى كليات الحقوق، وفى المراجع الفقهية تدور فى إطار الفكر الليبرالى ونظرياته ومفاهيمه فى القانون منذ استمداد أنساقه من المرجع الأوروبى اللاتينى.

3- إن المبادئ القضائية العليا ساندت إلى حد كبير فى دعم الحقوق والحريات.

من هنا كانت أسباب الخلاف الأساسية بين القضاة والسلطة الحاكمة على نحو أدى إلى أزمة نادى القضاة عام 1968 وبيانها الشهير حول سيادة القانون والحريات العامة والفردية كمدخل لإزالة آثار عدوان 5 يونيو 1967. وهو ما أدى إلى إعادة تشكيل الهيئات القضائية وهو ما سمى بمذبحة القضاء.

إن استصحاب تاريخ أزمات السلطة الحاكمة والقضاة يشير إلى ضرورة وضع قانون جديد للسلطة القضائية يعتمد على المبادئ والمواثيق الدولية لاستقلال القضاء والقضاة، وذلك لإيجاد الأساس الموضوعى لتطوير المؤسسات القضائية، فى إطار سياسة للإصلاح القضائى من داخله ودونما تدخلات كما كان يحدث فى عديد من المراحل السابقة، والاعتماد على إعمال معايير صارمة فى اختيار المرشحين للعمل فى النيابة العامة والقضاء، وتطوير المعهد القومى للدراسات القضائية على النسق الفرنسى أو المقارن، وذلك لكى تتجدد الأفكار من خلال ورش العمل المتعددة، وتبادل البعثات مع المؤسسات القضائية الدولية، وكليات الحقوق فى أوروبا والولايات المتحدة وكندا، والهند، واليابان. من ناحية أخرى لابد من إيلاء عناية فائقة لترجمة مؤلفات الفقه المقارن وبعض المراجع الجديدة فى الفقه اللاتينى والإنجلو أمريكى والهندى، والمبادئ القضائية الجديدة فى النظم الغربية والهندية وذلك لكى تتعرف الأجيال الجديدة من القضاة ووكلاء النيابة على أهم الاتجاهات الفقهية والقضائية الجديدة. من وصل ما انقطع مع المدارس القانونية الكبرى، لكى تستمر المدرسة القضائية المصرية متجددة، وتمثل مع المدرسة الهندية أهم مدرستين خارج الثقافتين القانونيتين الإنجلو ساكسونية واللاتينية.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟