المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
السيد يسين
السيد يسين

رؤيــة نقديـــة ووطنيـــة للمجتمـــع المدنـــى

الخميس 01/يناير/2015 - 11:40 ص

لم تقف التوصيات التى توصل إليها مؤتمر الباحثين الشباب الذى نظمه المركز العربى للبحوث عند حدود مواجهة التطرف كما عرضنا لذلك فى المقال الماضى، وإنما انتقلت إلى ميدان بالغ الأهمية وهو كيف يمكن تطوير مؤسسات المجتمع المدنى وذلك وفق رؤية نقدية ووطنية معاً.

ولا شك أن ظهور مؤسسات المجتمع المدنى سواء على مستوى النظام الدولى أو فى المجتمعات المعاصرة يعد من أبرز التطورات التى لحقت بممارسة النظم السياسية الديمقرطية فى أداء وظائفها التقليدية. بعبارة أخرى بين الدولة من ناحية والأسرة من ناحية أخرى ظهر منذ نشأة الديمقراطية مجال عام Public Sphere يمارس فيه أعضاء المجتمع مناقشة السياسات الحكومية، ويعلقون على قرارات المجالس النيابية، وقد يقترحون أفكاراً جديدة فى مختلف المجالات قد تتحول - إذا حدث توافق مجتمعى عليها- إلى تشريعات ملزمة من شأنها تطوير أداء الحكومة ورفع مستوى الخدمات التى تقدمها للجماهير. غير أن هذا المجال العام التقليدى -ونعنى حلبة النقاش المجتمعى الواسعة - تحول تحولا جوهرياً حين نشأت مؤسسات المجتمع المدنى بأنواعها المتعددة. فقد ظهرت مؤسسات حقوقية تعنى - أشد ما تعنى- بالدفاع عن حقوق الإنسان، ولكن نشأت مؤسسات أخرى تركز على التنمية الاقتصادية، وأخرى تهتم اهتماماً أساسياً بالتنوير الثقافى.

غير أن هذه المؤسسات المستحدثة فى تعرضها أحياناً بالنقد للسياسات الحكومية -وخصوصاً فى مجال حقوق الإنسان- أدت إلى صراعات سياسية متعددة بين الحكومات وبين القائمين عليها، لأنها فى كثير من الأحيان كانت تكشف عن سلبيات الممارسة، وأخطر من ذلك تبرز حالات الاعتداء على سيادة القانون، أو تضع تحت الضوء حالات الفساد الصارخة.

ومن هنا حاولت الحكومات فى عديد من البلاد العربية وخصوصاً تلك التى سادتها النظم الشمولية والسلطوية أن تقيد حركة مؤسسات المجتمع المدنى، وأن تسن من القوانين ما يعرقل نشاطها بل وما يمكن أن يؤدى فى بعض الحالات إلى محاكمة المسئولين عنها نتيجة مخالفة القانون.

ومما عقد العلاقات بين الحكومات ومؤسسات المجتمع المدنى أن بعض الدول وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبى مارست بشكل منهجى تمويل عديد من هذه المؤسسات وأمدتها بمبالغ هائلة للتأثير على الممارسة السياسية فى عديد من البلاد.

 

وتنوعت أهداف هذا الدعم، فقد كان يتم لتدريب المتطوعين فى هذه المؤسسات على مراقبة الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية، أو تدريب بعض الكوادر على الضغط بوسائل شتى على الحكومات السلطوية لكى تغير من تحكمها وتدفعها دفعاً لتكون أكثر ديمقراطية، ومن بين هذه الوسائل تنظيم المظاهرات السلمية، أو القيام بالاعتصامات كوسيلة من وسائل الضغط.

وقد أدت هذه الجهود الدولية إلى إثارة اتهامات شتى للعاملين فى مؤسسات المجتمع المدنى ممن يتلقون دعماً مالياً من الخارج، وتناثرت هنا وهناك تهم العمالة والخيانة والفساد.

كانت هذه التهم توجه إلى هذه المؤسسات قبل ثورة 25 يناير فلما قامت الثورة على يد مجموعات من النشطاء السياسيين تكررت التهم بأنهم كانوا مدفوعين من الخارج الذى مولهم بمبالغ وصلت فى بعض الأحيان إلى ملايين الدولارات، كما صرحت بذلك مصادر رسمية أمريكية.

والواقع أن هذا المناخ السائد فى العلاقة بين الحكومة ومؤسسات المجتمع المدنى غير صحى بالمرة، ولذلك تصاعدت الدعوات لضرورة إصدار قوانين منظمة لنشاطاتها لا تقوم على التضييق ولكن - كما تطالب المؤسسات- أن تمارس مهامها بمجرد الإخطار.

غير أن الموقف فى مصر الآن يتمثل فى أن الدولة أصدرت قانوناً منظماً ودعت مؤسسات المجتمع المدنى إلى توفيق أوضاعها حسب ما نصت عليه نصوص القانون. إلا أن عديداً من المؤسسات رفضت القانون ووصل الأمر ببعضها -حرصاً على عدم الانصياع للقانون- إلى وقف نشاطها فى مصر وبعضها هاجر إلى تونس للعمل من هناك، وهذا فى حد ذاته يدل على اضطراب شديد فى توجهات بعض المؤسسات.

ويبقى السؤال ما هى التوصيات التى توصل إليها مؤتمر شباب الباحثين فيما يخص المجتمع المدنى؟

يلفت النظر - حين نقرأ التوصيات لأول وهلة- العنوان وهو «تعزيز المجتمع المدنى» مما يعنى اتجاه المؤتمر إلى ضرورة تدعيم مؤسسات المجتمع المدنى ولكن، وفق رؤية نقدية تتمثل فى ضرورة تلافى سلبيات عملها فى الماضى، وخصوصاً فيما يتعلق بعلاقاتها مع الدول التى تقدم لها الدعم المالى مما قد يؤثر سلباً على توجهات السياسة الوطنية، ومن ناحية أخرى تدعيمها لكى تقوم بدور أساسى فى التنمية والتنوير الثقافى.

ولأن التوصيات مصاغة بدقة بالغة آثرت أن أقتبسها بنصها وهى:

1- ضمان شفافية واستقلالية العمل الأهلى من خلال التأكيد على دوره التنموى والتنويرى، وعدم استخدامه من جانب جماعات المصالح الخاصة المحلية والأجنبية لتحقيق مصالح خاصة على حساب المصالح العليا للشعب المصرى، على أن يتم إصدار قانون جديد للجمعيات الأهلية يتضمن هذه القواعد ويعاقب على انتهاكها.

2- منظمات المجتمع المدنى مطالبة بأن تقدم نموذجا ومثلا فى تداول السلطة وديمقراطية الإدارة، والفصل بين «المؤسس» و«المؤسسة» والاتجاه لتسيير أعمال المنظمة بنهج «إدارة الأعمال» حتى مع وجود هدف غير الربح المادي.

3- تعزيز سعى منظمات المجتمع المدنى المصرى التى تتبنى قضايا حقوق الإنسان (على أجندة وطنية) إلى الوجود على المستوى الدولى من خلال الحصول على الصفة الاستشارية، والمشاركة فى المنتديات، وتأهيل كوادرها للتعاطى مع المنظمات الدولية والإقليمية والإعلام الغربى.

4- على القطاع الخاص المصرى فى ظل تنامى اهتمامه بترسيخ نهج المسئولية المجتمعية، أن يضخ قدرا من إسهاماته فى صناديق تمويل هدفها تعزيز قدرات منظمات المجتمع المدنى التنموى والحقوقى ليكون فاعلا على المستوى الإقليمى والدولى.

هناك حاجة ماسة إلى تبنى أجندة وطنية تنتج عن حوار مجتمعى فاعل وإيجابى بين الدولة ومنظمات المجتمع المدني، وهى أجندة تركز على إحداث إصلاحات على منظومة حقوق الإنسان بشكل يفى بالتزامات مصر الدولية فى إطار مدى زمنى محدد، على أن يراعى هذا المدى الزمنى التحديات الأمنية والاقتصادية التى تواجهها الدولة المصرية، وسيكون من الضرورى أن يتحرك الطرفان (الحكومة والمجتمع المدنى ) فى إطار التفهم المتبادل لهذه الأجندة الوطن.

وهكذا يمكن القول إن توصيات مؤتمر شباب الباحثين فيما يتعلق بتعزيز مؤسسات المجتمع المدنى انطلقت فى الواقع من رؤية نقدية ومن منظور الحرص على المصلحة الوطنية العليا للبلاد فى نفس الوقت.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟