المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
نبيل عبد الفتاح
نبيل عبد الفتاح

الوحدة الوطنية وضرورات تجديد الفكر الدينى

الخميس 08/يناير/2015 - 01:50 م

ما هى أبرز التحديات التى تواجه الدولة والنظام والمؤسسات الدينية والمجتمع المصرى فى المرحلة الحالية لعمليات الانتقال السياسى؟

أول هذه التحديات الهيكلية تتمثل فى مشكلات تجديد بناء الاندماج القومى المصرى أو تشكيل جديد للوحدة الوطنية بين جميع المصريين أياً كانت انتماءاتهم الاجتماعية والسياسية والدينية والمذهبية والعرقية والمناطقية، وبناء التلاحم الوطنى ذي الوجه الإنسانى فى عالم يعصف بالتحولات الكبرى.

إن طرح هذه المشكلات المزمنة والممتدة مجدداً يعود لعديد الأسباب على رأسها ما يلى:

1- تحدى أزمة أبنية الأفكار والسرديات الكبرى، والمفاهيم المتخيلة التى ارتبطت بتحولات الرأسمالية والدولة القومية فى إطارها، لاسيما منذ القرن التاسع عشر وربيع الثورات الأوروبية مروراً بالقرن العشرين، ثم انهيار الإمبراطورية الماركسية السياسية، وانكسار مفهوم القومية، والأمة والهويات الكبرى الجامعة، ومعها استراتيجيات التكامل القومى القديمة لاسيما بوتقة الصهر.

2- تحدى التشظى والتذرى والانقسامات الكبرى حول الهوية الجامعة، وانفجار الهويات، فى ظل ضعف وتآكل نظم وسياسات واستراتيجيات إدارة التنوع الثقافى والهويات فى سياقات وأزمنة متغيرة، وعلى نحو خلاق.

3- الميراث المر للعنف ذى الوجوه والسند الدينى إزاء الأقباط والمسيحيين فى مصر والمنطقة، لاسيما فى سورياوالعراق وإزاء الأزيديين، وتفكك السودان إلى دولتين فى الشمال، وفى الجنوب، وانهيار الدولة فى ليبيا.

4- فشل استراتيجيات التكامل الوطنى، وبناء الوحدة الوطنية على أساس استراتيجيات بوتقة الصهر من خلال توظيف أقصى درجات العنف والقمع المادى، والرمزى فى ظل غياب للمشاركة السياسية، والتهميش التنموى إزاء الأقليات، والمناطق الطرفية وغيرها.

أحد أخطر نتائج هذا الفشل، بروز حواضن اجتماعية ومذهبية للجماعات السلفية الجهادية داعش والنصرة فى العراق وسوريا وشمال لبنان.

بالإضافة إلى جماعات العنف السياسى الأخرى، بل وتمدد النهضة والسلفية الجهادية فى وسط وجنوب تونس، ووسط بعض القبائل الليبية، وتغلغل جماعة الإخوان المسلمين، ومعهم السلفية الجهادية فى سيناء، والسلفية فى القاهرة والإسكندرية، وفى بعض المدن الحضرية المريفة والأرياف. أدت هذه الظواهر فى مصر إلى ترييف السياسة والفكر وتمددها إلى المدن الكبرى، والأخطر داخل النخبة السياسية وغالب الأحزاب، وترييف الجامعات والتعليم على نحو أدى إلى إعاقة عمليات التحديث السلطوى فى القيم والمؤسسات وتراجعه، والأخطر تآكل فى بعض المنظومات الفكرية الحداثية لمصلحة الفكر الدينى المحافظ.

5- شكل توظيف النظام السياسى التسلطى فى مصر للدين منذ ثورة 1952 إلى الآن إلى بناء سياسة دينية تقوم على تأميمه لمصلحة النظام واستخدامه فى السياسات الاجتماعية، والخارجية، وفى دعم شرعية النظام والحاكم، وهو ما أدى إلى تداخل عضوى بين الدين والسياسة، ومع تراجع سياسات التنمية وتزايد الفجوات الاجتماعية -وانتشار ظواهر الفقر المادى، والتعليمى، والثقافى-، تحول الدين عموماً والإسلام خاصة إلى مركز لحروب الفتاوى، والوعظ والفقة واللاهوت. ترتب على ذلك تمدد الأفكار المحافظة والمتشددة فى أوساط اجتماعية عديدة، فى ظل فيضان من الأفكار الفقهية والدعوية واللاهوتية المتزمتة التى حاولت ملء فراغ انتشار الأمية بأشكالها المتعددة، والأخطر هو الأمية الدينية.

6- ظهور شكل من شبكات الولاء للقاعدة، ثم داعش على أساس مفهوم البيعة/ المبايعة لقيادة كلا التنظيمين. من ثم ضعف مفهوم الولاء والانتماء الوطنى، ولدولة ما بعد الاستقلال.

لا شك أن هذه المتغيرات أدت ضمن أسباب أخرى إلى وهن سياسات الاندماج الوطنى والوحدة الوطنية لاسيما بين بعض الأجيال الشابة المعزولة والمقصية عن المشاركة والاندماج السياسى وإضعاف تأثير المؤسسات الدينية الرسمية السنية فى المنطقة.

7- تمدد فكر الإسلام السياسى ذ الإخوان والسلفيين والجهاديين ذ ضمن المؤسسة الدينية الرسمية، لاسيما بين بعض الطلاب والأساتذة، ومن ثم شكلوا قوة ضغط على بعض المعتدلين والإصلاحيين داخلها، لاسيما بين قادة الأزهر الشريف، وعلى رأسهم الهجوم السياسى وغير المنصف على الأستاذ الإمام د. أحمد الطيب ذو التوجهات الإصلاحية الذى يواجه مشكلات مؤسسية وتعليمية منذ وفاة الإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت وإلى الآن، خاصة فى ظل هجوم متعدد الأطراف إزاء المؤسسة ودورها من الإخوان والسلفيين، والجهاديين، وبعض المثقفين. لا شك أن هذا الهجوم السياسى والدينى يتصور أن كل طرف يحاول جذب السياسة الدينية للأزهر وتغييرها وفق تصوراته وأهدافه من ناحية أخرى، يبدو مؤثرا وسلبيا تراكمات الجمود الفقهى والفكرى فى مناهج التعليم، وفى أنماط الخطاب المسيطرة داخل الأزهر الشريف، وخارجه فى الأسواق الدينية، التى لم تخضع لدراسات فى العمق وفق المناهج والمقاربات البحثية فى العلوم الاجتماعية والشرعية، والاستثناءات محدودة.

8- تشكل أزمة السياسة الدينية فى مجال الوحدة الوطنية والدولة الحديثة والمواطنة وحرية التدين والاعتقاد والحريات العامة والشخصية أحد أكبر العقبات فى غالب الفقه والفتاوى والدعوة السائدة فى المشاهد الدينية الآيديولوجية، والفقهية والدعوية التى تواجه الدولة، والأزهر والجماعات الدينية السياسية والسلفية. لا شك أن هذه المتغيرات والظواهر الدينية والسياسية الجديدة، تشكل عوائق بنيوية أمام لأي رؤية تجديدية تستطيع وصل ما انقطع بين تاريخ حركة التجديد فى الفكر الدينى المصرى الأزهرى وخارجه.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟