المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
نبيل عبد الفتاح
نبيل عبد الفتاح

الفوضى الفكرية وتجديد الخطاب

الخميس 05/فبراير/2015 - 11:11 ص

ثقافة الأزمة، ثقافة الفقر، ثقافة الدولة، ثقافة المدينة، ثقافة الريف، ثقافة الفساد والاستبداد، ثقافة الغلو الديني، ثقافة الطائفية والقبلية، ثقافة الانحراف الوظيفي في إطار الدولة، ثقافة البيروقراطية، ثقافة حقوق الإنسان، ثقافة الحرية، ثقافة المواطنة، ثقافة التحايل علي المعايش، ثقافة رجل الدولة.. الخ. دخل مفهوم الثقافة علي غموض استخداماته السائدة- إلي نظم إنتاج الخطابات السياسية والثقافية والاجتماعية، في الصحف والإعلام المرئي والمسموع، وخطب «الساسة» نقولها تجاوزاً ومجازاً يجافي الواقع الموضوعي- وامتدت استخدامات وتوظيف هذا المفهوم الغامض في الاستخدامات الشائعة، إلي لغة بعض المثقفين، والإعلاميين، بل إلي عوامهم ممن لم يتلقوا تعليماً وتكويناً علمياً ونظرياً يتسم بالدقة والوضوح والقدرة علي استخدام هذا المصطلح شأن غيره من مصطلحات العلوم الاجتماعية الحديثة والمعاصرة. أصبحت الكلمة شائعة إلي درجة أنها لم تعد لفرط غموضها المسيطر تظهر وكأنها فقدت معناها ودلالاتها، وتبدو وكأنها حل ما، وتفسير ما لمشكلات وأزمات ممتدة لم تجد لها بحثاً علمياً رصيناً، أو دراسات تتقصي جذورها وتطوراتها وتعقيداتها، ومن ثم أخذت المفردة ثقافة، وثقافي، وثقافوي تتداعي وتستخدم وكأنها تصف وتفكك وتحلل كل الظواهر والأزمات المعقدة والممتدة في حياتنا، وقادرة علي تفسير كل شئ، ولكنها لا تفسر شيئاً، من هنا يبدو أحد مكامن الخلل في العقل الأكاديمي، والعقل السياسي والعقل الديني النقلي في بلادنا.

والسؤال ما هو سبب هذه الظاهرة/ الأزمة التي أدت إلي حالة من الفوضي الفكرية العارمة؟ أستطيع أن أطرح مجموعة من الأسباب علي سبيل التمثيل لا الحصر فيما يلي:

1- أن بعض المصطلحات والمفاهيم والمقاربات المنهجية يتم استعارتها من مراجع وبحوث العلوم الاجتماعية اللغة والأنثربولوجيا، والسوسيولوجيا، والعلوم السياسية والقانونية والفلسفة.. والفنون والآداب.. الخ وغالباً تستدعي وتستعار متأخرة عديد العقود بعد أن يتجاوزها تطور هذه العلوم والكتابات في الدرس الأكاديمي الغربي، من ثم تكون استخداماتنا أولية وسائلة وتجاوزها تطور العلم.

2- بعض الدرس الأكاديمي النظري السائد في كل فروع المعرفة الاجتماعية في الجامعات، يبدو مبسطاً، وانتقائياً، ويقدم معمماً ومنتزعاً من سياقاته ومن تاريخ المعرفة داخل هذا الفرع في الفروع العلمية. من هنا ظهرت رطانة اصطلاحية غامضة، وممارسة انتقائية لاستخدام المصطلح.

3- غياب ترجمات رصينة للمراجع الأساسية وتطوراتها في مجال العلوم الاجتماعية.

4- يقدم المصطلح النظري مفصولاً عن نشأته، ودورات تطوره، وتجاوزه في الممارسة النظرية والحقلية، والأخطر غياب ترجمة للبحوث الميدانية التي أدت إلي بلورة مصطلحات ومفاهيم جديدة في إطارها.

5- استخدام بعض المصطلحات في الخطابات الإعلامية، والسياسية في غير مجالها أو معانيها، لإضفاء أهمية وهيبة علي من يستخدم هذه المفاهيم.

6- ضعف وهامشية البحوث الميدانية للظواهر والمشكلات، ويقدم المصطلح كبديل عن بحث عوامل وأسباب وتطورات المشكلات موضوع الخطاب حولها. من ضمن المصطلحات الشائعة أيضا «الخطاب» الذي يستخدم بكثافة منذ عقد الثمانينيات بعد ترجمته عن الفرنسية والإنجليزية، كجزء من ثورة اللسانيات المعاصرة التي تمددت وطورت العلوم الاجتماعية كلها. ويستخدم المصطلح في عديد المجالات، ومن هنا شاع مصطلح الخطاب السياسي، والخطاب الديني، والخطاب الثقافي، والخطاب النقدي والخطاب الروائي والشعري وعادة ما يستخدم معه مصطلح تجديد الخطاب الديني، أو تجديد الخطاب السياسي، أو الخطاب الثقافي. حتي هذه اللحظة قليلة هي البحوث المعمقة التي جرت علي خرائط الخطاب، وبنياته ومرجعياته، والخطاب ما وراء الخطاب وسياقاته، ومنتجي الخطاب ودوائر مستهلكيه علي تعددهم وأعدادهم. أن دراسة خريطة الخطابات الدينية في الأسواق الدينية العولمية والإقليمية والوطنية، هي الخطوة الأولي للخروج من دائرة الكلام المجاني والشعارات «والأكلشيهات» الشائعة، والتي باتت تشكل عائقا كثيفا إزاء البحث الموضوعي والجاد حول الأزمات الموضوعية والتاريخية والمرجعية واللغوية للخطابات الوضعية السائدة حول الدين أياً كان -إسلاميا أو مسيحيا.. الخ.

خذ أيضا الخطاب حول تجديد الخطاب الثقافي هل تمت دراسة الخطابات الثقافية السائدة علي تعددها، وبنياتها ومرجعياتها وأسئلتها، واصطلاحاتها وأنساقها اللغوية، وأزمنة هذه الخطابات، وتضميناتها أو تناصاتها- وما هي تشخيصها للأزمات الثقافية التي تواجه الثقافة المصرية ومكوناتها، ومعها الثقافات العربية وتعددها، وتطوراتها التاريخية.. الخ. هل هناك تمييز بين أنماط هذه الخطابات المتعددة، ومستويات استهلاكها، والصراعات والتنافسات فيما بين بعضها بعضا؟ هل تم درس طبيعة الأسئلة والمعاني والقيم التقليدية، واللا تاريخية التي تتعامل معها هذه الخطابات. هل تم درس طبيعة التطورات العولمية وما بعد الحديثة وتطور الخطابات الثقافية السائدة عربياً لها، ولأسئلتها، ومفاهيمها الجديدة المتغيرة في إطار تحولات عولمية وما بعد حديثة متسارعة ومكثفة، في ظل ثورة رقمية تحطم وتشرخ بعض الأبنية والمفاهيم والأطروحات حول الحداثة والتحديث والأمة والهوية والدولة القومية، بحيث لم تعد هذه المفاهيم تمتلك وهجها السابق، وقدراتها وكفاءاتها علي فهم متغيرات عاصفة تتدفق وتجرف معها مفاهيم ومصطلحات وأسئلة لم تعد صالحة كي نتابع ما يحدث حولنا وبنا، لاسيما في ظل تكالب وتعقد أزماتنا.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟