المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
نبيل عبد الفتاح
نبيل عبد الفتاح

الشرعية الدستورية وأزمة الفن القانونى

الخميس 05/مارس/2015 - 11:08 ص

أحد أبرز معالم الدولة الحديثة يتمثل فى خضوعها لمبدأ سيادة القانون ومبادئ المساواة، وتكافؤ الفرص، وعدم المساس بالحقوق والحريات العامة والشخصية، إلا استثناء فى ظل حالة الضرورة ونظام الطوارئ ووفق القيود والضوابط التى استقر عليها القانون المقارن. هذا المبدأ تعرض لانتهاكات تاريخية منذ تأسيس نظام يوليو 1952، وذلك لعديد من الاعتبارات وعلى رأسها ما يلي:1- الإدراك الأداتى للقانون لدى الضباط الأحرار، الذين اعتمدوا على خبراتهم بالقانون العسكرى الذى يرمى إلى تحقيق الضبط والربط ومقتضيات النظام العسكري. من ثم تبلور وعيهم وإدراكهم للقانون على أساس أنه محض أداة لدى القادة فى تحقيق الانضباط والحسم وتنفيذ الأوامر العسكرية. وقد استصحب هؤلاء هذا الإدراك عند انتقالهم إلى العمل فى إطار أجهزة الدولة التنفيذية، ومن ثم تحول القانون إلى أداة لتنفيذ السياسات الاجتماعية، ولإحداث التغيير الاجتماعى والسياسى والاقتصادى المأمول فى الواقع الموضوعي، وذلك على الرغم من تعقيداته ومشكلاته المتراكمة والمركبة ولاسيما فى إعاقة تغيير نظام القيم الاجتماعية والثقافة السياسية القمعية السائدة.

2- خضوع الدولة والنظام والمجتمع لهيمنة قانون الطوارئ الذى ظل أحد أبرز سمات النظام القانوني، والذى تمددت ظلاله فى بعض مكونات قانون العقوبات والإجراءات الجنائية. لا شك أن إرث منظومة الطوارئ، أسهم فى تشكيل وتعزيز وفشو النزعة للتجريم والعقاب فى مقاربات النظام وأجهزته والنخبة السياسية الحاكمة لمفهوم القانون ووظائفه ودوره فى تنظيم وحل قضايا الصراع بين المصالح القانونية بين الفئات الاجتماعية المختلفة. لا شك أن ذلك أدى إلى تكريس التسلطية القانونية لكى تدعم وترسخ التسلطية السياسية للدولة والنظام وممارسات نخبة الحكم.

3- لا مبالاة السلطة الحاكمة بفلسفة القانون والقيم الأساسية الحاكمة لسياسة تشريعية واضحة المعالم، وإنما ارتكزت التشريعات على اعتبارات لحظية أساسا والاستثناءات محدودة- على نحو أدى إلى تلاحق وسرعة التعديلات للقوانين دونما دراسات فى العمق للقوانين وأهدافها، والمصالح التى ترمى لحمايتها. من هنا سيطرت النظرة الجزئية وغياب رؤية كلية لسياسة التشريع تكرس الحريات وتحميها فى علاقة «المواطن» بالدولة.

4- سيطرة نظام القرار الجمهورى بقانون فى غير مجالاته وشروطه وضوابطه، إلى الحد الذى أصبح انتهاك النطاق المحجوز للتشريع وسلطته، سمت رئيس لإنتاج هذا النمط من القرارات الجمهورية بقوانين.

5- تضخم الآلة التشريعية والقوانين الفرعية على القوانين الأساسية، مع تعقد الإجراءات، وتناقض بعض القواعد القانونية مع بعضها بعضاً، على نحو أثر على استقرار المراكز القانونية، وتزايد النزاعات القضائية حولها.

6- تراجع مستويات الفن القانوني، وتآكل الخبرات كنتاج لضعف مستويات التكوين القانونى لبعض الفقهاء ورجال القانون، وهو ما أثر سلباً على سياسة الصياغة الفنية، والربط بين القوانين والواقع الاجتماعى والاقتصادي. من ناحية أخرى ارتبط ذلك مع تدهور فى مستويات المعرفة بالقانون المقارن، وتاريخ التطور القانونى المصري، وفى الأنظمة المرجعية اللاتينية، نظراً لضعف معرفة من يعدون القوانين فى السلطة التنفيذية باللغات الفرنسية والإيطالية والإنجليزية والألمانية ومبادئ النظم القانونية والقضائية الحديثة وما بعدها.

7 - ضعف الثقافة الدستورية وتراجعها نظراً لأن السلطة الحاكمة كانت تنظر إلى الدساتير على أنها أداة بيدها وليست قيدا على سلطتها من زاوية الحقوق والحريات والصلاحيات الممنوحة لرئيس الجمهورية والسلطة التنفيذية، خاصة أن الدساتير لم تكن توضع على أساس ديمقراطي، وتعكس القيم السياسية التى استقرت عليها النظم الديمقراطية. من ناحية أخرى كانت الدساتير توضع على هوى ومصالح رئيس الجمهورية ونخبة الحكم فى كل مرحلة من مراحل التطور الدستورى بعد 23 يوليو 1952 وحتى فى ظل دستورى ما بعد 25 يناير 2011 الانتقاليين، ومن ثم هناك مناطق غموض وفراغات تؤكد محورية دور رئيس الجمهورية.

8 - لا مبالاة المشرع الانتقالى بالحقوق والحريات العامة والشخصية وتزايد القيود عليها، وهو أمر لوحظ بعد 25 يناير 2011، و 30 يونيو 2013.، والإفراط فى اللجوء للقرارات الجمهورية بقوانين.

9 - اضطراب التشريع فى المراحل الانتقالية، وسرعة إصدار قرارات جمهورية بقوانين دونما دراسة معمقة لها وعدم اتساق بعضها مع النصوص والمبادئ الدستورية العامة التى استقرت مصريا وعلى المستوى الكونى المقارن، وهو الأمر الذى كشف عن خضوع التشريعات لاعتبارات لحظية ودونما دراسات تأصيلية، أو رؤية ناظمة للتشريعات عقب 25 يناير 2011، وبعض التغير الذى حدث فى إدراك المصريين ووعيهم السياسى والاجتماعى شبه الجمعي.

10- شكلت القرارات بقوانين أداة لتكريس العودة إلى سياسة «اللا سياسة» سعيا وراء إعادة إنتاج موت السياسة مجدداً، وهو ما أشاع معنى عاما لدى الأجيال الجديدة، إنها عودة إلى ما قبل 25 يناير 2011 والنظام التسلطى وهو ما كرس الفجوة الجيلية والسياسية بينهم وبين قادة النظام الانتقالى الجديد.

11- أن اضطراب منظومة القرارات الجمهورية بقوانين تعود إلى الغموض وارتباك صياغات النصوص الدستورية فى دستورى 2012، و2014، وهو ما شكل نكوصا عن التقاليد الدستورية المصرية من حيث تراكم الخبرة، وتراجع مستويات الفن الدستورى وعدم مواكبته للتطور المعاصر للمبادئ ودساتير الموجة الجديدة لدساتير ما بعد التسلطية السياسية، والشمولية فى الدول التى نشأت بعد سقوط الاتحاد السوفيتى السابق، وفى بعض دول أمريكا اللاتينية، والأفريقية التى خرجت من أعطاف الحكم العسكرى والشمولى نحو الدساتير والنظم الديمقراطية..

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟