المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
السيد يسين
السيد يسين

أبعـاد الثقافـة الاســـتراتيجية بعــد الثـــورة

الخميس 12/مارس/2015 - 11:03 ص

ناقشنا فى المقالات السابقة موضوع الأمن القومى المصرى فى ظل مفهوم الثقافة الاستراتيجية، وهذا المفهوم حديث بدأ استخدامه فى تحليل العلاقات الدولية منذ عقود قليلة، وهو يثير قضية أساسية وهى أهمية الثقافة السائدة فى صياغة سياسات الأمن القومى.والنظرية التقليدية للأمن القومى تقوم أساسا على التحديد الدقيق لمصادر التهديد التى توجه للدولة وطرق مواجهة هذا التهديد.ولا يعنى ذلك بالضرورة أن مصادر التهديد ستظل ثابتة لا تتغير إذا ما تم تحديدها فى لحظة ما. بعبارة أخرى فإنه نظرا لعوامل دولية وإقليمية وسياسية معقدة قد تغير النظر إلى مصادر تهديد الدولة.وعلى ذلك يمكن القول إن نظرية الأمن القومى العربية التقليدية ظلت لعقود طويلة ثابتة على أن مصدر التهديد الرئيسى هو دولة إسرائيل. غير أن هذه النظرية تغيرت تغيرات جوهرية بعد حرب أكتوبر 1973 وتوقيع مصر اتفاقية «كامب دافيد» مع إسرائيل ثم إبرام معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية. وهكذا لم تعد إسرائيل بالضرورة هى مصدر التهديد الرئيسى، وإن ظلت مصدرا محتملا للتهديد، بعبارة أخرى قد تتغير الثقافة الاستراتيجية عبر الزمن نتيجة عوامل معينة.

ولكن يمكن القول إن ثورة 25 يناير وصعود جماعة الإخوان المسلمين إلى السلطة السياسية ممثلة فى الأكثرية التى حصل عليها حزب «الحرية والعدالة» من ناحية وتولى رئيس الحزب «محمد مرسى» رئاسة الجمهورية بعد ذلك أدى إلى تغير جوهرى فى اتجاهات الثقافة الاستراتيجية المصرية.

وذلك لأن الثقافة الاستراتيجية المصرية طوال عقود طويلة قامت على أساسين القيادة الوطنية من ناحية، وتقديس حدود الدولة من ناحية أخرى، والدفاع عنها بصورة مطلقة.

وهذا التغير الجوهرى المؤقت الذى لحق بالثقافة الاستراتيجية المصرية يرد فى الواقع إلى المشروع السياسى الذى تبنته جماعة الإخوان المسلمين طوال تاريخها منذ نشأتها عام 1928، ومحاولتها تطبيقه بعد أن وصلت إلى مطلق السلطة فى مصر.

ومفردات هذا المشروع الأساسية هى قلب الدولة المدنية وتحويلها إلى دولة دينية أولا لكى تصبح مجرد ولاية من ولايات الخلافة الإسلامية التى سيتم إقامتها، وثانيا لا مانع عند هذه الجماعة لو حُكمت مصر بقيادة غير مصرية مادامت ستكون قيادة إسلامية، فكأنها غلبت عنصر الدين على عنصر الجنسية. وقد عبر عن هذا الاتجاه المنحرف «مهدى عاكف» المرشد الأسبق لجماعة الإخوان المسلمين حين صرح قائلاً «لا يعنينى أن يكون رئيس الجمهورية المصرية ماليزيا أو أندونيسيا مادام سيكون مسلما». والمفردة الثالثة الخطيرة من مفردات المشروع الإخوانى هو عدم تقديس الحدود الوطنية، وعلى ذلك كان هناك مشروع قيد الإعداد يتم بمقتضاه التخلى عن جزء من شبه جزيرة سيناء وإقطاعه لحركة حماس التى هى فرع من فروع جماعة الإخوان المسلمين لتقيم عليه ولاية إسلامية.

مما سبق يتضح مدى الخطورة التى مثلها حكم جماعة الإخوان المسلمين فى العام الذى قضته فى الحكم، والذى كان -لو استمر سيؤدى إلى انقلاب فى الثقافة الاستراتيجية السائدة وبالتالى فى مجال الأمن القومى المصرى.

وإذا كنا خلصنا فى المقال الماضى إلى أن «مدنية الدولة» ينبغى أن تكون هى جوهر الثقافة السياسية المصرية ضمانا لعدم خلط الدين بالسياسة وما يؤدى إليه من تلاعب بالقيم الأساسية للأمن القومى، فإنه لابد لنا فى الواقع أن نسعى لكى نقنن نظرية الأمن القومى المصرى فى صلب الدستور حتى لا يتاح لأى فصيل سياسى ينجح فى الانتخابات أن يغير من هوية الثقافة الاستراتيجية المصرية.

ويقتضى ذلك فى الواقع -بالإضافة إلى التركيز على مدنية الدولة- تأكيد «عروبة مصر» باعتبارها جزءا لا يتجزأ من العالم العربى، بما يفرضه ذلك عليها من التزامات تتمثل فى ان تكون القوات المسلحة المصرية أحد الأجنحة العسكرية القوية فى تكوين قوة دفاع مشتركة لمواجهة مصادر التهديد الخارجية والداخلية وأبرزها الإرهاب المعولم.

غير أن تقنين نظرية الأمن القومى فى الدستور شرط ضرورى وإن كان ليس كافيا لأنه لابد من ضمانات دستورية تلزم النخب السياسية الحاكمة والمؤثرة بقواعد هذه النظرية، وضمان عدم الخروج على أطرها الحاكمة مهما تغيرت الحكومات.

ويقتضى ذلك فى الواقع تنمية ثقافة «الوطنية» من ناحية، وثقافة «المواطنة» من ناحية أخرى، وذلك من خلال إحياء الذاكرة التاريخية المصرية فى مجال المعارك البطولية التى خاضتها القوات المسلحة المصرية منذ نشأتها دفاعا عن حدود الوطن غير القابلة للتعديل أو التنازل، وكذلك فى مجال المسيرة الوطنية ضد قوات الاحتلال الأجنبية التى سبق لها أن احتلت بلادا عربية متعددة.

ولا يمكن أن يتم ذلك إلا فى إطار سياسة ثقافية متكاملة تركز على النقد السياسى لتيارات الحركات الدينية المتشددة التى لا تؤمن وفقاً لعقائدها- لا بحدود الوطن ولا بقيم الوطنية المصرية، بل هى على استعداد للتضحية بها فى سبيل تحقيق «الأممية الإسلامية» التى تؤمن بها هذه الجماعات.

وترسيخ الاستراتيجية لا ينبغى أن يقف عند حدود تقنين قيمها ومبادئها فى الدستور، أو العمل على تربية المواطنين على قيمها من خلال سياسة ثقافية متكاملة، بل لابد استكمالا لهذا الجهد الضرورى من القيام بمسوح ثقافية شاملة لدراسة القيم والمعايير السائدة فى الثقافات الفرعية فى المجتمع المصرى.

وذلك لأنه لدينا ثقافات فرعية تتمثل فى المجتمعات البدوية فى شبه جزيرة سيناء وفى الواحات مما يفرض علينا ضرورة التفاعل الحى الخلاق مع هذه الثقافات الفرعية، وإبراز القيم الايجابية التى تتضمنها، وأهمها قيم الدفاع عن حدود الوطن فى ضوء تضافر كل القوى الوطنية فى مجال حماية البلاد من مصادر التهديد المختلفة.

وأخيرا لابد لترسيخ قواعد الثقافة الاستراتيجية من توثيق العلاقات بين النخب المدنية والنخب العسكرية، ولعل نموذج «كلية الدفاع»، حيث تتشارك القيادات المدنية والعسكرية فى الدراسة يعد أحد النماذج القيمة فى مجال توثيق العلاقات المدنية العسكرية.

وقد أثبتت القيادات المدنية التى تخرجت فى «كلية الدفاع» وأتيح لها دراسة الاستراتيجية بشكلها الشامل أن تلعب دورا محوريا فى حروب مصر المختلفة بحكم وحدة الثقافة المدنية والعسكرية، والتى لابد من تحقيقها إذا ما أردنا أن نحقق أهداف النهضة المصرية المرتقبة.

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟