المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

صناعة الأساطير (2): تحليل نقدي لخطاب محمود عبد الحليم

الأربعاء 18/مارس/2015 - 02:52 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
د.أحمد موسى بدوي
  في مقال سابق، قدمنا تحليلا لخطاب القيادي يوسف ندا، مركزين على أسطورة المظلومية الموصوفة في كتابه  "من داخل الإخوان المسلمين – حقيقة أقوى الجماعات الإسلامية السياسية في العالم" في محاولة للإجابة على تساؤل رئيس هو: ما الذي يُجبر الجماعة على صناعة تاريخ مفبرك؟ والحقيقة أن المداومة على قراءة  تاريخ الإخوان، يكشف لنا المزيد مما خفي من هذه الصناعة، وفي هذا المقال سوف نقدم تحليلا لخطاب محمود عبد الحليم، من خلال البحث في كتابه "الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ، الجزء الأول 1928-1948" مركزين على خطاب البطولة لدى الإخوان، وكيف يمكن تصنيفه.

أولا: وظيفة البطولة في التنظيمات الحركية الدينية
في التنشئة الاجتماعية والثقافية لكوادر (معظم) التنظيمات الحركية الإسلامية، تبرز مسألة البطولة بوصفها أهم مكون يجب غرسه في الكوادر المرشحة لعضوية التنظيم. وتعتمد عملية الغرس هذه على منهجية طريفة تجمع بين ثلاثة عناصر هي (النبوة، البطولة، الإيمان).
تقوم الآلية النفس اجتماعية هنا على التالي: أن بلوغ الإيمان بالدين وإقامة الدولة على منهاج النبوة، لن يتم إلا من خلال تضحيات وبطولات، التركيز هنا على الفاعل (الكادر)، وهو أمر يختلف بطبيعة الحال على التنظيمات الدينية الدعوية، مثل الجمعيات الخيرية الدينية، التي تستبدل البطولة، بالدعوة ونشر الثقافة الدينية، وتقديم الخدمات وفقا للشروط الشرعية.
تظهر مهارة الداعي أو المربي، في الربط بين هذه الثلاثية، ربطا خفيًا، ما يحدث أثرًا عميقا في نفس المستجيب للدعوة، ومن ضرورات هذه الحرفة، حرص المربي على اشاعة هذه العلاقة الثلاثية، بصورة تبدو عفوية، لا قصد فيها، فتكتسب قوة المسلمات، وكلما كان المربي حاذقا في حرفته الممنهجة كلما اشتد ارتباط المستجيب بالداعي، وبالفكرة التي يعمل على نشرها.  
  ولا يخفى على القارئ أن البطولة في التنظيمات الحركية، مع أنها تلعب دورًا حاسما في جذب الأعضاء، فهي تمثل مشكلة وقنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في لحظات الضعف، على معنى أن  غرس صفات البطولة في كوادر التنظيم يقتضي تسمية عدو أو منافس، ويقتضي ذكر معارك وتضحيات وانتصارات. بينما يقتضي عنصر الايمان الذي تبشر به الجماعة أو التنظيم، تسمية الخارجين من دائرة الايمان كليا وجزئيا، وتحديد وسائل الانعزال والاستعلاء.  

ثانيا: خطاب البطولة
الكتاب مزدحم بالقصص البطولية لقيادة الجماعة، وقد اخترنا واحدة من هذه القصص، المرتبطة بشخصية مؤسس الجماعة السيد حسن البنا،  لما لهذا النوع من أثر في تنشئة الكادر الإخواني الجديد، وربما يكون في كشف هذا النوع، فرصة لمن يريد أن يعيد التفكير في مبتدأ الأمور وعواقبها. لأننا لا نستهدف من هذا التحليل النقدي، سوى الكشف عن نقاط الالتقاء والافتراق مع الآليات المستقرة للدعوة الدينية الأصيلة القائمة على الحق والحكمة وعدم الإكراه.
يكتسب كتاب الإخوان المسلمين أحداث صنعت التاريخ أهميته الكبيرة، كونه أول تسجيل لتاريخ الجماعة، بالإضافة إلى أنه أحد أهم الكتب التي يعتمد عليها في تنشئة الكوادر الجديدة داخل التنظيم
نعتمد على منهج التحليل النقدي للخطاب، critical discourse analysis  ، وقد قمنا بتعديلات على هذا المنهج في دراسات سابقة، وانتهينا إلى أنه:" يقوم على افتراض وجود ارتباط بين كل من: النص ومنتجه والمجال الاجتماعي الذي يضمه في مرحلة تاريخية محددة، وأنه يمكن تصنيف نوع الخطاب، من خلال استخراج الحادثات الخطابية – العبارات الجوهرية-  وكشف العلاقات المنطقية التي تربط القضايا المطروحة في النص، ثم النظر في مدى اتساقها مع الحقائق التاريخية، وأخيرا تفسير النتائج  بمرجعية نظرية ملائمة.

ثالثا: من هو محمود عبد الحليم
هو عضو الهيئة التأسيسية لتنظيم الإخوان المسلمين، وأول مؤرخ لتاريخ الجماعة في كتابه الموسوعي المذكور. ولد في مدينة رشيد عام 1977، وتعلم في مدارسها، ثم انتقل إلى الإسكندرية في المرحلة الثانوية، وفي عام 1935 التحق بكلية الزراعة بالجامعة المصرية. وفي نفس العام تقريبا أصبح عضوا بجماعة الإخوان، وهو  سكرتير أول  لجنة أسسها حسن البنا للطلبة داخل التنظيم في نهاية عام 1935، وهو كذلك أول مسئول تنفيذي للنظام الخاص داخل الجماعة، الى أن ترك هذه المسئولية لعبدالرحمن السندي في 1941. اعتقل في يناير 1954، وأفرج عنه بعد ثلاثة أشهر، ثم أعيد اعتقاله بعد حادث المنشية في أكتوبر 1954، وأفرج عنه في 1956، وأعيد اعتقاله في منتصف عام 1965 وأفرج في ديسمبر من نفس العام. وعقب خروجه من السجن، تفرغ لكتابة أشهر الكتب التي تحدثت عن تاريخ الإخوان مستغرقا في ذلك قرابة العشر سنوات، وتوفي عام 1999.

رابعا: كتاب الإخوان المسلمين أحداث صنعت التاريخ
صدر هذا الكتاب في ثلاثة أجزاء، اهتم عبد الحليم في الجزء الأول بعرض المرحلة التأسيسية لجماعة الإخوان المسلمين خلال الفترة (1928 – 1948) ثم قصر الجزء الثاني على تاريخ الجماعة خلال الفترة (1948 -1952)، ثم واصل في الجزء الثالث تسجيل تاريخ الجماعة من قيام ثورة يوليو وحتى وفاة الرئيس عبد الناصر عام 1971. النسخة التي نعتمد عليها في هذا التحليل هي الطبعة الخامسة من إصدار دار الدعوة للطبع والنشر والتوزيع بالإسكندرية عام 1994. ويكتسب هذا الكتاب أهميته الكبيرة، كونه أول تسجيل لتاريخ الجماعة، ولأن صاحبه أحد الكوادر التأسيسية للجماعة، بالإضافة إلى أن هذا الكتاب – كما ترى الجماعة- أحد أهم الكتب التي يعتمد عليها في تنشئة الكوادر الجديدة داخل التنظيم.

خامسا: عرض عينة الخطاب
 1- الحملة الصليبية أو الغارة التبشيرية
يستعرض عبد الحليم تحت هذا العنوان، بطولة حسن البنا – وقت أن كان طالبا بدار العلوم- في التصدي للحملة الصليبية أو الغارة التبشيرية على مصر، وفيما يلي العبارات الجوهرية التي رتبها عبد الحليم لإظهار هذه البطولة على مرحلتين، الأولى تصف المأساة والمتسبب فيها، والثانية تعرض دور البطل المخلص في القضاء عليها. جرت هذه الأحداث في عام 1926.
2- عبارات وصف المأساة والمتسبب فيها
يقول محمود عبد الحليم: (سبق لي أن ذكرت أن الفترة التي قام في خلالها حسن البنا بدعوته كانت فترة حالكة في تاريخ هذه الأمة ... وقد بلغ استهتار الإنجليز بمقدرات هذه الأمة أن تجاهلوا أنها أمة مسلمة ذات مجد وتاريخ، ففتحوا للحملات التبشيرية أبواب البلاد، بعد أن مهدوا لها بنشر الجهل والفقر والمرض، وبعد أن اطمأنوا إلى أن مقاليد الحكم في البلاد أصبحت في يد الفئة التي تدين لهم بالولاء) (58 – 59).
(انتشر المبشرون في أنحاء البلاد في الوجهين البحري والقبلي، ...، بل إن الحكام في المدن والقرى كان بحكم تعليمات رؤسائهم يسهلون للمبشرين وسائل دخول المدن والقرى كما يسهلون لهم وسائل الاتصال بالأهالي وإجراء ما يشاءون من إجراءات بل وإقامة ما يشاءون من منشآت بل واختطاف من يشاءون من أطفال ونساء) (ص59).
(لم تكن وسيلتهم إلى التبشير بالمسيحية عرضا لعقيدتهم، .. وإنما وسائلهم هي استغلال فقر الناس وحاجتهم وجهلهم فيأخذون هذا الطراز من الناس ويأخذون نساءهم وأولادهم وينفقون عليهم ببذخ على أن يظلوا معهم داخل كنائسهم ويقولوا مثلما يقولون ... أما الشباب من أبناء الأغنياء فكانوا يغرونهم بالنساء ... وقد استمر عملهم هذا في جميع انحاء البلاد أكثر من سنة ومع ذلك لم يخرجوا بمحصول يزيد على عشرات الأفراد من هؤلاء الجهلة الفقراء المدقعين ) (ص59).
(كنا نسمع عما يفعلونه بالمحمودية وقراهم من خطف الأطفال وإغراء الفقراء بالمال وإغراء الشباب بالعبث وبالنساء ... أما الصعيد فكان مرتعا خصبا لهم،.. لقد فعلوا فيه الأفاعيل وكانت أسيوط نقطة ارتكازهم ، وكان لهم فيها مستشفى يخطفون الأطفال والنساء من القرى وينقلونهم إليه، ولا يستطيع أهل المخطوف أن يروه أو يعلموا عنه شيئا، كما لا يجدون من يشكون إليه) (ص60).
(كاد الناس يفقدون ايمانهم بالله أمام هذه القوى العارمة المتضافرة ثم لا يجدون من يعترض طريهم، حتى الصحف لم تكن تشير إلى ذلك، مع أنها كانت صحافة حرة، لكن قانون المطبوعات الذي وضعه الانجليز، يعطي لحكام مصر المتواطئين معهم السلطة في مصادرة أية صحيفة أو وقفها أو سحب الترخيص بها إذا هي تعرضت للمؤامرة المدبرة على إذلال الشعب وتكفيره برضاه ورغم أنفه)(ص60).
بعد هذا العرض المأساوي، لابد أن يظهر البطل المخلص، وعلينا أن نتذكر أن حسن البنا في ذلك الوقت (1926) كان طالبا في السنة الثالثة بدار العلوم، على أية حال ننتقل مرة أخرى الى الأحداث كما رواها عبد الحليم في كتابه:
3- دور البطل المخلّص
 (يقول حسن البنا: كاد صدري يحترق من زفرات الألم كما كادت تحترق صدور الناس من حولي، لكني فكرت فلم أجد لهذا الألم معنى إذا لم يتحول إلى عمل) (ص60).
(فكر جسن البنا فرأى أمامه في الأزهر شخصيات يرجى نفعها، كالشيخ يوسف الدجوي، فاتصل بهذه الشخصيات فوجد فيها تحرقا إلى العمل لكن الطريق أمامهم مسدود)(ص60).

خلق قرار مصطفى كمال أتاتورك بإلغاء الخلافة، مناخا جديدا، فالكل ينوح على الخلافة والكل طامع أن يكون الخليفة، وأولهم بطبيعة الحال كان الملك فؤاد الأول نفسه
(ثم لاحت في مخيلته صورة شخصية أخرى لها كيان علمي وأدبي، ...، تلك هي شخصية "أحمد تيمور باشا" ذلك العالم الجليل سليل المجد والصديق الشخصي للملك فؤاد)(ص60).
(استصحب حسن البنا معه عددا ممن استجاب له من هيئة كبار العلماء لمقابلة أحمد باشا تيمور في منزله، ... فاستقبلهم الرجل أحسن استقبال وكان يعرفهم جميعا عدا هذا الشاب الصغير،...، وتقدم هذا الشاب فتحدث عن الموضوع حديث الثكلى عن فلذة كبدها، ووصف الحال التي تظل البلاد وكيف يعبث المبشرون فسادا تحت سمع الحكومة وبصرها بل وفي حمياتها وانفجر في البكاء حتى أبكى الباشا فأبكى الحاضرين.) (ص61).
(وجاءت سيرة الملك فؤاد فقال تيمور باشا إنه صديقي وأثق في غيرته على الإسلام، وتعددت الاجتماعات ونوقشت أفكار ومقترحات وانتهت إلى قرار بأنه أول إجراء لا بد منه أن نصدر مجلة تتصدى لهذه المؤامرة،... وبمجهود تيمور باشا وتدخل الملك فؤاد صدرت (مجلة الفتح) واسندت رياسة تحريرها إلى الكاتب الاسلامي العظيم الأستاذ محب الدين الخطيب)(ص61).
(أخذت مجلة الفتح تفضح مؤامرات الإنجليز، فاضطر الإنجليز إلى الانحناء أمام العاصفة)(ص61).
(ولم تستطع الحملة الصليبية المسعورة بعد ذلك أن تثبت في أماكنها إلا أياما معدودة، فكل يوم تجلو عن البلاد فرقة منهم حتى طهرت منهم البلاد في أشهر معدودات.)(ص62).

سادسا: تحليل الخطاب
إذا تأملت العبارات الخاصة بتصوير المأساة، سوف تخرج بالنتائج التالية: الحملة التبشيرية انتشرت في كل أنحاء البلاد، أن الملك وحكام الأقاليم حتى العمد في القرى جميعهم متواطئون مع هذه الحملات التبشيرية، أن الصحافة لم تقاوم الحملة، لأن الملك يملك بحكم القانون سحب الترخيص من أي صحيفة إذا قاومت هذه المؤامرة المدبرة على إذلال الشعب وتكفيره، أن هذه الحملة الضخمة – بحسب تصوير عبدالحليم لها- لم تخرج بمحصول يزيد على عشرات الأفراد.
أما إذا تأملت عبارات البطولة، وكيف تظهر صورة البطل فيها، سوف تجد أنه يعطي لحسن البنا الدور الأعظم: فهو الواعي بالمشكلة، وهو المبادر - دون غيره-  لإيجاد مخرج لها ( كاد صدري يحترق، فكر حسن البنا، ثم لاحت في مخيلته) وهو البطل المحرك للأمور، الذي يؤجج المشاعر الدينية، فبفضله يتم تجميع هيئة كبار العلماء في الأزهر، وترتيب لقائهم بصديق الملك فؤاد الأول، ثم تأتي ذروة الحبكة بقوله (استصحب حسن البنا معه عددا ممن استجاب له من هيئة كبار العلماء لمقابلة أحمد باشا تيمور) العبارة شديدة الدلالة، فالتصوير هنا يركز على البطل حسن البنا، والمستجيب تيمور باشا والباقي من كبار العلماء، نكرات لا أهمية لهم.
ثم ما النتيجة: الملك فؤاد يأمر بإصدار (مجلة الفتح) برياسة محب الدين الخطيب، لتقوم بمهمة التصدي لهذه الحملة الصليبية، أي أن الملك لم يعد ذلك المتواطئ على الإسلام، كما ذكر في تصوير المأساة. ثم وبكل بساطة، لم تستطع الحملة الصليبية المسعورة بعد ذلك أن تثبت في أماكنها الا أياما معدودة.
نترك خطاب البطولة، ونعود إلى الواقع والتاريخ، بحثًا عن أسباب نشأة (مجلة الفتح) وأهدافها المعلنة والمستترة، لنرى هل كانت نشأتها بسبب الحملة التبشيرية المزعومة في خطاب محمود عبد الحليم، أم أن هناك أسبابا أخرى.
الحقائق التاريخية، تقول إن مصر كانت مشغولة في تلك الفترة 1922- 1926 بشاغل وحيد، وهو سقوط الخلافة العثمانية على يد مصطفى كمال أتاتورك، السقوط الذي ترتب عليه ظهور ثلاث فرق: الأول مناصر للأتاتوركية، والثاني يحاول التوفيق، والثالث يرفضها تماما على أساس أنها وبال على الأمة الإسلامية، وتفتح باب الإلحاد على مصراعيه.
لقد خلق قرار مصطفى كمال أتاتورك بإلغاء الخلافة، مناخا جديدا، فالكل ينوح على الخلافة والكل طامع أن يكون الخليفة، وأولهم بطبيعة الحال كان الملك فؤاد الأول نفسه، بالإضافة إلى الشريف حسين في الحجاز والشام، والملك أمان اللـه ملك الأفغان، والكل يحرك أنصاره ومريديه للدعوة له، ومن خلفهم الانجليز يرغبون في إسناد المنصب لحليف لهم، يسوغ لهم البقاء دون مقاومة في الأقطار الإسلامية التي يحتلونها. وعلى إثر ذلك، قام  الشيخ يوسف الدجوي باستئذان الملك فؤاد في دعوة البلاد الإسلامية إلى مؤتمر لبحث موضوع الخلافة، مهمته اختيار خليفة وعاصمة جديدة للخلافة الإسلامية.
وفي نفس السياق، بدأت الجامعة المصرية الوليدة، تغير الفضاء الثقافي، وتهزه هزًا عنيفا، الأمر الذي قاومته التيارات المحافظة أشد مقاومة، واعتبرت هذه الجامعة بابا من أبواب الإلحاد، بل أن المجلة المذكورة، في عددها الثاني وصفت الجامعة المصرية بالإلحادية خليفة الأزهر المتوفي غير مأسوف عليه (مجلة الفتح، عدد2، ص4) بالإضافة إلى صدور كتاب الشيخ علي عبد الرازق (الإسلام وأصول الحكم) في عام 1925،  ليصب المزيد من الزيت على النار المستعرة.
على أية حال فقد انعقد مؤتمر الخلافة المذكور، بعد عدة تأجيلات في مايو 1926، وفشل المؤتمر في الاتفاق على خليفة وعاصمة للخلافة، وصدر بيان المؤتمر الختامي وفحواه: أن الخلافة الشرعية المستجمعة لشروطها المقررة في كتب الشريعة الغراء، التي من أهمها الدفاع عن حوزة الدين في جميع بلاد المسلمين، وتنفيذ أحكام الشريعة الغراء فيها، لا يمكن تحقيقها بالنسبة للحالة التي عليها المسلمون الآن". إذن فقد انتهى المؤتمر إلى ما سبقهم إليه مصطفى كمال الذي صار عدوا للجميع، والداعي الأول للإلحاد في الشرق والعالم الإسلامي.
على أية حال فإن المشهد السياسي الإسلامي صار مرتبكا إلى أقصى درجة، فالنظم الحاكمة العربية والإسلامية، ترغب في الانفتاح على سبل الحداثة والتقدم الغربين، لكن بعد ما حدث في تركيا، وبعد فشل مؤتمر الخلافة، صارت في موقف لا تحسد عليه، وتخشى من انتقال العدوى التركية، الأمر الذي جعلها تتحالف مع التيارات المحافظة ضد التيارات الحديثة أو حتى التيارات التوفيقية، وتطلق يد هذه التيارات في النيل من كل المفكرين المخالفين لهذه السلفية الدينية السياسية، وبسبب ذلك صدرت مجلة الفتح المذكورة بمباركة من الملك فؤاد في أعقاب فشل مؤتمر الخلافة مباشرة.
ويتضح الأمر أكثر بالاطلاع على الأهداف التي حددها رئيس تحرير مجلة الفتح، في العدد الأول الصادر في يوم الخميس الموافق 20 يونيه 1926. حيث يذكر محب الدين الخطيب سبعة أهداف هي: (احياء ذكريات المدينة الإسلامية، صلاح الأصول الإسلامية للانطباق على مقتضيات كل عصر ومكان، مقاومة الإلحاد ودعوى التجدد الكاذب، عرض أخبار العالم الإسلامي، نقل قطع مختارة من السلف المتعلقة بالروح الإسلامية، بيان أسس التشريع في الملة الإسلامية، تفسير القسم الاجتماعي والاخلاقي من القرآن الكريم والسنة النبوية).

والقارئ للعدد الافتتاحي للمجلة، يجد أنها تسير عكس الاتجاه الذي صورة حسن البنا لمحمود عبدالحليم، فلا يوجد مقال واحد، يشير من قريب أو بعيد للحملة التبشيرية المزعومة، بل على العكس يقدم العدد مقالاً عن مزايا التعليم الأمريكي، وينشر مقالات لثلاثة مستشرقين، ولم يختلف الوضع في الأعداد التالية للمجلة.


سابعاً: خطاب ادعاء البطولة
يتضح مما سبق، أن خطاب البطولة الذي تم تصويره، ووضع حسن البنا في مركزه، لم يكن سوى عملية سردية محبكة، وهو بالتأكيد من نوع  خطاب ادعاء للبطولة، يستثمر الأحداث التاريخية، ويحاول الزج بالبطل داخل هذه الأحداث بوصفه من الفاعلين الأساسيين، والحقيقة أن محمود عبد الحليم، وهو ينقل بأمانة عن حسن البنا، قد فشل في ضبط الحبكة السردية سواء في تصوير الحملات التبشيرية، أو في وضع البطل في مركز الأحداث المقاومة لهذا الحملات، وحتى نتيجة إصدار مجلة الفتح لم يكن لها علاقة بموضوع البطولة من الأساس.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟