المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
السيد يسين
السيد يسين

التحليــل السياســى والتقييــم التنمــوى

الخميس 26/مارس/2015 - 11:08 ص

إذا كنا وصفنا المؤتمر الاقتصادى الذى انعقد فى شرم الشيخ بأنه بنتائجه المبهرة يمثل العبور الثانى بعد أكتوبر 1973، فليس معنى ذلك عدم دراسة ما اتفق عليه من مشروعات كبرى بطريقة موضوعية لا تميل مع الأهواء الأيديولوجية لمن يقومون بالنقد، ولا مع الحملات التشكيكية من الفلول الإعلامية لجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية التى خططت لإفشال المؤتمر وخاب مسعاها، وتريد اليوم أن تلقى بسحابات الشك حول مشروعات المؤتمر وطريقة تنفيذها.

ولعل أول المواجهات الأساسية للدراسة العلمية لنتائج المؤتمر أن تنطلق من مقولة أساسية مبناها أنه ليس بالاقتصاد وحده أيا كانت توجهاته تحيا المجتمعات وتزدهر، ولكن بالسياسة فى المقام الأول، وبالسياسات العامة التى تركز على اعتبارات العدالة الاجتماعية فى المقام الثانى، قبل أن ندخل فى غمار المناقشات الاقتصادية المعقدة!

لو قمنا بالتحليل السياسى لمؤتمر شرم الشيخ ينبغى أن نركز على عدة موضوعات أساسية. لدينا أولا مسألة شرعية 30 يونيو باعتبارها موجة ثورية تعبر عن إرادة الشعب المصرى الغلبان فى الانقلاب الشعبى على حكم جماعة الإخوان المسلمين الديكتاتورى، وبالتالى فإن 30 يونيو ليست انقلابا عسكريا على أساس أن القوات المسلحة المصرية بقيادة «السيسى» دعمت الإرادة الشعبية.

 

وقد تمسكت بعض الدول الأجنبية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية بأن ما حدث هو انقلاب عسكرى وليس ثورة شعبية، وبالتالى أوقفت المساعدات الأمريكية لمصر على أساس أن هناك قانونا أمريكيا يلزم الإدارة الأمريكية بعدم التعاون مع الدول التى قام بها انقلاب عسكرى. وقد تبع هذا الاتجاه الأمريكى دول الاتحاد الأوروبى والتى ظلت لفترة طويلة حبيسة هذا التوصيف الجائر.

مؤتمر شرم الشيخ بالحضور الكثيف للملوك والرؤساء ووزراء الخارجية وفى مقدمتهم وزراء خارجية فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا ومعهم وزير الخارجية الأمريكى يمثل بلا شك اعترافا دوليا واسعا بأن 30 يونيو ثورة شعبية وليست انقلابا عسكريا. ومعنى ذلك اعتراف بالنظام السياسى الجديد الذى -طبقا لخريطة الطريق- سن دستورا توافقيا جديدا، ونظم انتخابات رئاسية شفافة أسفرت عن انتخاب االسيسىب رئيسا للجمهورية بمعدلات قياسية، والعمل يجرى لعقد الانتخابات البرلمانية وبالتالى تكتمل حلقات النظام السياسى.

ولو حللنا خطابات الرؤساء العرب والأجانب لاكتشفنا تقديرهم لقيادة الرئيس «السيسى» ودوره المؤثر فى تحقيق التنمية المستدامة لجماهير الشعب من ناحية، والجسارة فى مواجهة الإرهاب، ليس دفاعا فقط عن الأمن المصرى أو العربى، وإنما عن أمن العالم الذى ذابت -بحكم العولمة الاتصالية- الحدود بين الدول.

غير أن الاعتراف بشرعية نظام 30 يونيو كانت الخطوة الأولى والتى تبعها التأكد من فعالية النظام السياسى وقدرته على توفير الأمن. ويبقى الاعتراف الثالث والأهم وهو الثقة التى أدلتها الجماهير المصرية العريضة للرئيس «السيسى»، والتى ظهرت فى الإقبال غير المسبوق من عامة الشعب للاكتتاب فى تمويل مشروع قناة السويس الجديدة. ونعرف أنه حين تسود الثقة فى أى مجتمع بين القيادة السياسية والجماهير فإن التنمية يمكن أن تتحقق وتفتح الطريق أمام الارتفاع بنوعية الحياة للجماهير العريضة، مما يمثل جوهر التقدم الإنسانى.

 

إذا كان هناك شبه إجماع على شرعية النظام السياسى الجديد وفاعليته فإنه من المتصور أنه فى مجال التقييم النقدى من الصعوبة بمكان تحقيق هذا الإجماع. وتفسير ذلك ببساطة أن ميدان التنمية زاخر بالنظريات المتصارعة والتى تختلف اختلافات أساسية فيما يتعلق بتعريف التنمية ذاتها، واتجاهاتها، وطرق تنفيذها وأولوياتها ونجاحها أو فشلها فى مجال التوزيع العادل للثروة، وتحقيق اعتبارات العدالة الاجتماعية.

لذلك لم يكن غريبا أن تقوم بعد المؤتمر مباشرة مناظرات متعددة فى مجال التقييم التنموى، بعضها يمكن رفضها منذ البداية على أساس أنها مناظرات عقيمة لا تهدف إلى تحقيق الصالح العام وإنما تشبع هوى أصحابها فى تشويه النظام السياسى الجديد، أو فى الحديث الفارغ من المضمون عن فشل المؤتمر.

ولكن هناك مناظرات ظهرت نعتقد أنها بالغة الأهمية، وهى تتعلق بعدد من الموضوعات الجوهرية، أولا: هل هناك خريطة تنموية متكاملة طرحتها الإدارة المصرية على المؤتمر أم أن ما طرح هو مشروعات متفرقة لا تجمعها وحدة واحدة. ثانيا: هل هذا المؤتمر سيصب فى النهاية فى مصلحة المستثمرين ورجال الأعمال عربا كانوا أم أجانب أم أنه سيستفيد من المشروعات المواطنون البسطاء الذين يعانون الفقر والبطالة وتدنى نوعية الحياة؟ ثالثا: أين هى المشروعات الصناعية الكبرى وهل ركز المؤتمر فقط على المشروعات العقارية التى ستخدم النخبة وليس سواد الشعب؟ ورابعا: أين هم المستثمرون المصريون، ولماذا لم يظهروا بمشاريعهم فى المؤتمر؟ وخامسا: وأخيرا وقد يكون أولا هل هناك حاجة فعلية لإنشاء عاصمة إدارية جديدة سيلتهم إنشاؤها عشرات المليارات من الجنيهات، أم أن هذه الميزانيات الخرافية كان أولى إنفاقها على تحسين الخدمات فى القاهرة ومواجهة العشوائيات؟

وفى تقديرنا أن كل هذه الأسئلة مشروعة، وعلى الإدارة المصرية أن تجيب عنها بمنتهى الوضوح والشفافية وباستخدام المؤشرات الكمية والكيفية.

الأسئلة السابقة لا يصلح فى الإجابة عنها إلا الخبراء، ولذلك فليكن شعارنا «الهواة يمتنعون»! وكذلك الذين لا يعرفون المعلومات الأساسية سواء عن الاقتصاد المصرى، أو عن المشروعات التى أسفر عنها المؤتمر.

 

ولكن لنعرف مقدما أن مسائل التنمية والتخطيط العمرانى من المستحيل أن يحدث بصددها إجماع! فنحن أمام ميادين علمية واقتصادية وتكنولوجية زاخرة بالمدارس المتصارعة، ولكل مدرسة توجهاتها النظرية ومنهجها فى النظر للأمور، وأولوياتها، وقبل ذلك كله فلسفتها الأساسية التى عادة ما تتعلق بالسؤال الرئيسى لمن تذهب عوائد التنمية للنخبة المحظوظة أم للجماهير العريضة؟

وقد أتيح لى أن أقرأ بتمعن تقييما تنمويا للمؤتمر لافتا للنظر حقا، أحدها للاقتصادى البارز الدكتور اأحمد أبو النورب والذى أدلى بتصريحاته إلى مجلة اروز اليوسفب فى عددها رقم 4527 الصادر فى 21 مارس 2015 والذى وصفته بأنه «مهندس الاقتصاد الأمريكى»، والتقييم الثانى لمخطط عمرانى مصرى شهير هو المهندس «حسب الله الكفراوى» وزير الإسكان السابق وصاحب المشروعات الكبرى والذى انتقد فى العدد نفسه إنشاء العاصمة الجديدة على أساس أن المشروع لم يدرس دراسة كافية. وهذه الملاحظات تحتاج فى الواقع إلى تحليل مضمون دقيق لأنها تلقى بأضواء قوية على ما تم فعلا فى المؤتمر، وعلى جدوى إنشاء عاصمة مصرية جديدة. ولنا جولة مستقبلية مع الآراء البالغة الأهمية التى وردت فى هذه التقييمات الجادة لمؤتمر شرم الشيخ الذى شهد إنجازات بارزة اعترف بها الجميع.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟