المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
نبيل عبد الفتاح
نبيل عبد الفتاح

لا سياسة ولا سياسيين

الخميس 02/أبريل/2015 - 10:53 ص

هل يمكن أن يكون هناك سياسيون بلا سياسة؟ أو سياسة بلا سياسيين؟ إن ما يثير السؤال المزدوج، هو هذا الفراغ المسكون بالخواء وغياب الرؤى والأفكار والمشروعات السياسية الذى ظهر جليا ما قبل وبعد 25 يناير والمراحل الانتقالية الثلاث.إن ما يثير السؤال مجدداً ما شاهدناه من بعض من شغلوا مواقع القمة فى هرم السلطة ولم يكونوا من أفضل الكفاءات والمواهب المصرية، وكان مستوى بعضهم متواضعا إلى درجة تبعث على القنوط واليأس والسخرية.عدد من الأسباب يقف وراء موت السياسة كرؤى ومشروعات وصراع ومنافسة منظمة على تخصيص القيم والمصالح والرموز، ولكن أهمها، هو طبيعة تشكيل الدولة والنظام التسلطى ونخبة الضباط الأحرار والتكنوقراط والبيروقراطية التى اعتمدت سياسة الإدارة، وجمود مصادر التجنيد للنخبة واستبعاد من هم خارج هذه الدائرة، وهو ما أدى إلى موت السياسيين إلا قليلاً.

من موت السياسة انبثقت سياسة اللا سياسة، ومنها نشأت ظاهرة الموظف الذى يعمل فى مواقع سياسية وهو ما هيمن على الدولة والنظام السياسى ولا يزال، ونادراً ما ظهر السياسى لأسباب بنيوية، وتراجعت الكفاءات فيمن يشغلون مواقع هى سياسية بامتياز، ومن ثم يبدو الخواء والضحالة الفكرية والسياسية تعود إلى العديد من الأسباب يمكن ايراد بعضها فيما يلى:

1- ضعف مستويات التجنيد النخبوى على مستوى التكوين المعرفى والوظيفى، اعتماداً على معيار الموالاة والزبائنية داخل النظام وأجهزته الأمنية والاستخباراتية.

2- النكوص عن المتابعة العميقة والدقيقة للسياسات العولمية والإقليمية التابعة ومتغيراتها على صعيد النماذج السياسية، وأساليب ومهارات الحكم.

3 - لا مبالاة وإهمال غالبهم متابعة سياسات ونماذج التنمية وتجاربها الجديدة فى دائرة القارات الثلاث، وعوامل نجاح بعضها والحيوية الجديدة داخلها.

4 - محدودية المعرفة التاريخية العالمية والعربية والمصرية فى تكوين طبقة الموظفين العاملين بسياسة الإدارة، وهو ما أدى ولا يزال إلى ضعف الحس التاريخى فى مقارباتهم للأمور.

5 - غياب الرؤى المستقبلية لدى أغلبهم فى الحكم، ومن ثم فقدان القدرة على بلورة بدائل محتملة فى التعامل مع الأزمات أيا كان حقلها.

6 - عدم متابعة دقيقة ومدروسة للتغيرات الداخلية فى التركيبة السكانية، والتعليم والصحة والثقافة.

 

7 - ضحالة المكون الثقافى الرصين والرفيع فى تكوين «الموظفين السياسيين» لاسيما الأجناس الأدبية وسردياتها، والفنون التشكيلية والموسيقى الرفيعة.. الخ.

8- تدهور المعرفة وانحطاط الحساسية اللغوية، ودقة التعبير وتراجع مستويات البلاغة السياسية لدى طبقة «الموظفين السياسيين».

9- غياب العمق المعرفى والبحثى فى خطاب الموظفين، وهو ما يشير إلى انفصال بين سياسة اللا سياسة، وبين البحث العلمى والدراسات المتخصصة للمشكلات، وهو ما أدى ولا يزال إلى مقاربات تتسم بالعمومية المفرطة والغموض والتكرار وعدم القدرة على اختراق عمق المشكلات وعوامل تشكلها وتطوراتها وتعقيدها.

10- عدم تبلور رؤية تجديدية أو إصلاحية للعلاقة بين الدينى والسياسى فى المجال العام والمغالاة فى التوظيف السياسى والإيديولوجى للإسلام فى خدمة أغراض التعبئة والترويض الجماهيرى، وفى تشويه الخصوم الإيديولوجيين والفكريين.

11- الخلط بين مجال الناشط الحقوقى، وبين السياسى، وتحول الحقوقى إلى ناشط سياسى وغياب التكوين والخبرة والمعرفة السياسية لدى غالبهم على نحو أدى إلى غلبة المقاربة الحماسية والشعاراتية فى وصف وتحليل المشكلات الهيكلية للدولة والنظام والمجتمع، مما أسهم فى إشاعة العنف اللفظى واستخدام البرامج التلفازية ساحة للاستعراض الشعاراتى وأداة للحضور فى قلب مشاهد السياسة الانتقالية وأسهمت النزعة الاستعراضية فى تحول غالب مقدمى البرامج المرئية إلى نشطاء وخايل بعضهم دور الزعيم السياسى وحاول تمثيله عبر الصخب وبلا سياسة، وهو ما أدى إلى التحلل من الأطر الاحترافية والوظيفية والقيمية الإعلامية.

12- خلط بعض النشطاء الجدد ما بين السياسى وتكوينه ومهاراته وخياله، وبين المدرسيين فى مجال العلوم السياسية، وهو ما أدى إلى تحول المجال العام الإعلامى إلى ساحة للإفتاء السياسى باسم التخصص فى كل القضايا على نحو أدى إلى تمدد خطاب التفسيرات الجاهزة التى لا تفسر شيئاً! هذه الظاهرة كشفت عن الخلط بين دور الباحث الذى يعمل ضمن دوائر السياسة كخبير، وبين السياسى كمفهوم ودور وخبرة وممارسة.

13- تراجع مفهوم الرسالة / المهمة فى تطوير الدولة وتجديد الأمة المصرية، والارتقاء الحضارى بالوطن والمواطن لدى طبقة الموظفين السياسيين التى هيمنت على تكوين النخبة أكثر من أربعين عاما مضت، ولاتزال!.

إن موت السياسة، وسياسة اللا سياسة أدت إلى موت السياسى، وصعود «الموظف السياسى»، والناشط والخبراء فى اللا خبرة الذين يملأون فضاءنا لغواً وصخباً وفراغاً وتفاهة والسؤال: ما العمل؟.

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟