المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
نبيل عبد الفتاح
نبيل عبد الفتاح

السياسة الرقمية وميلاد الفرد والحرية

الخميس 09/أبريل/2015 - 11:16 ص

العلاقة الخاصة بين الأشخاص والهواتف الذكية وأجيالها الأخيرة، تبدو أحد أكثر المشاهد المألوفة والمركزية فى الحياة اليومية التى أصبح الهاتف الذكى النقال، وألواح الحاسوب المحمولة، هى إحدى علامات اليومي، وتعبيراً مكثفا عن الدور المحورى الذى تلعبه الثورات الرقمية المتتالية فى الحياة الشخصية والجماعية فى مصر والمنطقة العربية، والعالم، بكل تأثيرات ذلك العميقة، والهادئة والناعمة على الوعى الذاتي، والجمعى والبنية الإدراكية لكليهما للذات والعالم الكونى والزمن.

إن أخطر متغيرات عصرنا الجديد هو التحولات التى تتم فى منظومات القيم ما بعد الحديثة، وعمليات الهدم والتفسخ للقيم التقليدية والمهجنة بين التقليدى البطريركى والعائلي، وبين القيم الحديثة التى كانت تعبيرا عن تشوه عمليات الانتقال من المجتمع التقليدي، ما قبل بناء الدولة الحديثة وأثناء تشكلها وتطورها وإعاقاتها.

تمت زراعة القيم الحديثة على قاعدة القيم التقليدية (البطريركية والبطريركية المحدثة)، وذلك لتسويقها وتبرير شرعيتها لدى قطاعات اجتماعية واسعة من المعسورين فى ظل انتشار الأمية.

ترتب على هذه الوضعية التاريخية للقيم عديد النتائج الخطيرة على تطور مصر السياسى والثقافى والدينى آنذاك ولا تزال، نشير إلى بعضه فيما يلي:

1- أن قيم المجتمع الصناعي، ظلت مبتورة ومعاقة ومضطربة لهيمنة بعض القيم الريفية الغلاّبة على تركيبة مجتمع المصنع وبعض العمال والمهندسين والإداريين من ذوى الأصول الريفية.

2- ارتفاع معدلات الهجرة من الأرياف إلى المدن، على نحو أدى إلى ترييف فى مكونات المدن التاريخية فى القاهرة والإسكندرية التى سبق وأن تحولت إلى مدن كوزموبوليتانية.

3- أدت هجرة الأقليات الأجنبية، والمصريين من ذوى الأصول الأوروبية بعد ثورة يوليو 1952، إلى إضعاف المكون الكوزموبوليتى المصرى التاريخي، على نحو ساعد على نفاذ وتمدد عمليات الترييف فى القيم وأنماط السلوك والعلاقة مع الزمن والعالم.

4- أدى مشروع دولة يوليو التسلطية الكوربوراتية والنزوع نحو مشروع تحالف قوى الشعب الكامل، والحزب الواحد إلى نمط من التسلطية الدينية، وتكريس الثقافة السياسية التسلطية. وترتب على ذلك كسر التطور الديمقراطى فى بنية الثقافة السياسية، وفى القيم على نحو أضعف بنيويا وإعاق عمليات التحول إلى الديمقراطية والحريات العامة والشخصية.

 

5- أخطر الأخطار جميعا هو أن غالبية النخبة يتصورون الديمقراطية محض أبنية وإجراءات وآليات ترتبط بالانتخاب للبرلمان ورئاسة الجمهورية والجمعيات الأهلية مفصولة عن الثقافة والقيم والسلوك الديمقراطى وميلاد الفرد والفردية ودمجها فى مناهج التعليم المدنى والديني.

6- أدى التلاعب بالإسلام والمسيحية فى السياسة المصرية، مع تدهور مستويات التعليم - الدينى والمدنى ومناهجهما-، وسطوة عمليات الإرهاب، إلى دعم التسلطية والقمع السياسي، وتكريس ودعم القيم التقليدية، وترتب على ذلك إعاقة عمليات التحول القيمى والسلوكى والتعليمى والدينى لميلاد الفرد والفردانية فى المجتمع المصري، والاستثناءات تشكل الأقلية فى ظل انتهاكات عارمة للخصوصية والمجال الخاص من لدّن الأسرة والعائلة والجيرة وزمُر الرفاق وفى العمل.. الخ.. أن إنتاج وميلاد الفرد كإرادة حرة ومستقلة ولديها القدرة على التفكير المستقل والنقدي، وعلى المبادرة والإبداع، يشكل المعضلة الرئيسية فى التحول إلى العصر الحديث وما بعده، ولا تزال تشكل أكبر الإعاقات البنيوية والسلوكية فى حياتنا نحو القيم الديمقراطية.

هذا الوضع التاريخي/ السياسي/ الاجتماعي/ الثقافي/ الديني، بدأت ملامح التغير تعتريه منذ ثورة الاتصالات والمعلومات، والوسائط المتعددة، ودخول الهاتف المحمول وأجياله المتعددة والذكية وتطوراتها المذهلة والمتسارعة، ويمكن لنا رصد هذه التأثيرات الايجابية فيما يلي:أ - كسر متسارع لبعض مكونات القيم التقليدية، وتجاوز بعضها الآخر، والتشكيك فى شرعية بعضها الآخر ومدى ملاءمته للحياة العصرية. ب - تسارع عمليات ميلاد الفرد والفردانية وإيقاعاتها فى الحياة من خلال اتساع فضاء الحريات على المجال العام الافتراضي، والتعبير بحرية عن الأفكار والآراء الشخصية وعن الأشواق والدخائل الذاتية على تعدد منابعها ودوافعها، وتشكيل العلاقات الخاصة، وانكسار الحجب المفروضة عليها. ج - اتساع الفضاء الرقمى وامتلاؤه بالمواقع الإباحية ساهم فى تغيير النظرة إلى الجسد وإلى تعبيراته الحميمة، وإلى التركيز على دوافعه وتطلعاته وشهواته الذاتية، على نحو ساهم ولا يزال فى كسر متنام لحجب التحريم المجتمعي، ومن ثم إلى بروز تعبيرات فردية عنه فى نظام الزواج والطلاق والتصدع والعلاقات الخاصة بل فى توظيفه فى التعبيرات عن الأشواق والمحرمات على نحو افتراضى والجموح نحو أشكال افتراضية للحب والتعبيرات الجسدانية، وهى أمور مستجدة وغير مألوفة ولم تكن متصورة منذ عقدين. د- تسارع عمليات الفردنة أدت ضمن عوامل أخرى إلى الانتفاضات الثورية، وانكسار الخوف، وهو ما أدى إلى جدل دينى وفقهى عشوائي، بين رجال الدين بعضهم بعضا، وبين غيرهم من الأشخاص، على نحو بات يؤثر على هيبة بعضهم، بل وساهم ذلك فى بروز ظواهر الإلحاد، ونبذ إيديولوجيا الإسلام السياسى العنيف والوحشى لدى داعش- بل والسخرية من بعضهم. هـ - ازدياد الفجوات بين الأجيال، ومعها التغير فى أنماط التفكير، وانعكاس ذلك على مدى قدرة وكفاءة النظام السياسى والنخبة الحاكمة وغيرها على السيطرة الرمزية على ظاهرة ميلاد الفردانية والفرد فى مصر مجددا تحت وقع التطور المعلوماتى وانعكاسات ذلك سياسيا.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟