المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
نبيل عبد الفتاح
نبيل عبد الفتاح

تشريح اللامبالاة وأزمة الانتماء الوطنى

الخميس 23/أبريل/2015 - 12:12 م

منذ أوائل الثمانينيات من القرن الماضى، انشغل بعض الفكر المصرى المعاصر بأزمة الانتماء الوطنى فى ظل عمليات التحول الاقتصادى والاجتماعى من مشروع رأسمالية الدولة الوطنية ذى السمات العدالية الذى ينتصر لمصالح غالبية القوى الاجتماعية المعسورة، والفئات الوسطى ـ الوسطى. وحاولنا مع بعض الباحثين والمثقفين أن نقدم تفسيرا لسؤال لماذا تتراجع مفاهيم المصلحة الوطنية، والمصلحة العامة واحترام قانون الدولة؟ لماذا لا يبالى غالبية المصريين باحترام الملكية العامة؟ لماذا لا يحافظون على الحدائق العامة، والمال العام، والمرافق العامة؟ والبنية الأساسية التى يتم إهمالها، أو عدم العمل على المشاركة فى إصلاحها عن طريق الجهد الأهلى الجماعى أو «الفردى»! لماذا تدير مناطق جغرافية كاملة ظهرها للدولة والحاكم والنخبة السياسية الحاكمة فى العاصمة؟ لماذا لا يشارك بعض المصريين فى الانتخابات العامة على المستوى القومى أو المحلى لصالح تزوير السلطة للإرادة العامة للأمة؟

ثمة تفسيرات لنا سبق أن قدمناها على هذه الأسئلة منذ أوائل عقد الثمانينيات وما بعد، يمكن لنا طرحها فيما يلى:

1- إن الدولة الحديثة، جاءت ومعها مؤسسات وقوانين وأجهزة أيديولوجية وأمنية قمعية، كانت تفرض التحديث والمفاهيم المصاحبة له، من خلال قوة القمع الرمزى والإيديولوجى، والمادى الغشوم فى ظل غياب أو شحوب تأييد ومشاركة قطاعات جماهيرية واسعة فى عمليات بناء المؤسسات والأجهزة الحديثة، التى تركزت غالبيتها فى المدن الكبرى. من ناحية أخرى ظلت مناطق عديدة من الأرياف مهمشة وخارج اهتمامات نخبة الحكم والدولة إلا قليلا لاسيما على الصعيد التنموى.

2- اتساع الهوة بين الثراة والفئات الوسطى المدينية وفى الأرياف وبين الغالبية الشعبية المعسورة، ومن ثم شاع إحساس شبه الجمعى لدى هؤلاء أن الحكام، وموظفى الدولة يستأثرون بثمار المشروعات التنموية. من ناحية أخرى تقوم النخبة الحاكمة والأجهزة البيروقراطية بالتمييز ضدهم فى المعاملة، وفى أداء الخدمات والواجبات العامة وفى تطبيق القوانين وذلك لصالح ذوى الحظوة والنفوذ والمكانة الاجتماعية. لا شك أن ذلك راكم الكثير من الاحباطات والإحساس بالظلم والتمييز ضد غالبيتهم، وتزايد هذا الشعور شبه الجمعى لدى هذه القطاعات الاجتماعية، بأن الدولة والنظام السياسى مفروض قهرا عليهم، ولم يختاروهما ومعهم رجال الحكم، والبيروقراطية والأمن، ومن ثم بدت الدولة والنظام وأجهزته لدى بعضهم وكأنهم كائنات برانية مفروضة عليهم بالقوة القاهرة. تراجع هذا الإحساس لفترة تاريخية وجيزة مع المشروع الاجتماعى العدالى للناصرية، وبعد هزيمة يونيو 1967 وحتى حرب أكتوبر 1973، وبدأ فى التقلص عقب سياسة الانفتاح الاقتصادى ودعه ينهب.. دعه يمر.. على نحو أدى إلى جروح فى مفهوم الانتماء الوطنى المصرى.

3- مع هزيمة يونيو 1967 بدأت تلوح مجددا صراعات الهوية المصرية ومكوناتها وسياسة الإزاحة للهوية القومية المصرية التى أسست مع تطور عمليات بناء وتحولات الدولة الحديثة ومؤسساتها ومفاهيمها، والاندماج فى بنية الاقتصاد الرأسمالى الدولى، وأطروحة مصر للمصريين والمشروع شبه الليبرالى، وتطور الحركة القومية المصرية، والكفاح الوطنى ضد الاستعمار البريطانى. بعض من التزاحم حدث مع الناصرية والفكرية القومية العربية، وتم تغيير العلم والنشيد الوطنى ومعها السياسة الإعلامية والتعليمية.. الخ. مع الهزيمة بدأت معركة تفسير أسبابها، وأخذ بعض مناصرى إيديولوجيا الإسلام السياسى، يطرحون أسبابا دينية للنكبة الجديدة، ومعها الفكرة الإسلاموية الجامعة (الأمة الإسلامية)، ومعها الهوية الإسلامية على نحو إطلاقى ولا تاريخى ومفارق للزمان والمكان والأعراق والثقافات والقوميات دونما تأصيل سوسيو- سياسى أو ثقافى. مذّاكَ وبعد المصالحة التاريخية بين السادات وجماعة الإخوان، ثم نمو الراديكالية الإسلاموية السياسية، وميلها الجامح إلى العنف والإرهاب لجأ غالب الجماعات الإسلامية والسلفية إلى سياسة الإزاحة الهوياتية، ومحاولة طمس الهوية القومية المصرية لصالح الهوية الإسلامية أحادية البعُد. لا شك أن هذه السياسة تمددت مع الطروحات المغلوطة والمراوغة لمفاهيم الخصوصية الثقافية، والمفهوم الغامض حول المشروع الحضارى التى استخدمت كجزء من إشاعة البلبلة والضبابية وأرضية للتمدد الإيديولوجى للجماعات الإسلامية السياسية والراديكالية والسلفية.. الخ. أدت حروب الهوية إلى تشوش واضطراب فى مفهوم الوطنية وإحلال الرابطة الدينية محل الرابطة القومية حول الأمة والدولة الحديثة بكل نتائج ذلك الانقسامية على بنية الإجماع والاندماج العرقى المصرى، التى تداعت أسسه مع ازدياد وتمدد النزاعات الطائفية.

4- أدت سياسة قمع المبادرات الجماعية الأهلية والشخصية من خلال الأجهزة البيروقراطية والأمنية إلى تراجع الحس الجمعى بالانتماء الوطنى ورمزياته.

ثمة أسباب جديدة لتراجع الانتماء الوطنى المصرى، وتتصل بالتحولات العميقة فى النظام العالمى وانتقاله إلى ما بعد الحداثة، وصيرورات العمليات العولمية يمكن رصد بعضها فيما يلى:

أولها: بروز أزمة المعنى بعد سقوط السرديات الكبرى بتعبير لويتار- وانكسار النماذج الإيديولوجية الكبرى الملهمة، وذلك لصالح التشظى وانهيار الإمبراطورية الفلسفية الماركسية، وصعود المكونات والأبنية الأولية ورموزها ومعانيها فى عديد من بلدان العالم ومعها هوياتها الأصلية.

ثانيها: تراجع مفاهيم الحركات القومية، والأمة، وأزمة الدولة القومية ومفهوم السيادة الوطنية.

ثالثها: تشيؤ العالم المعولم وأنماط الحياة الاستهلاكية المكثفة، والمشهدية وثورة التطلعات الحسية والاستهلاك المفرط والمحاكاة الساخرة.. لا شك أن هذه التحولات المكثفة والمتسارعة والناعمة، أثرت ولا تزال سلبا فى مفاهيم الحداثة والتحديث والقومية/الوطنية والانتماء ابنة القرنين التاسع عشر، والعشرين والدولة الحديثة، ودولة التعبئة الكوربوراتية، والتسلطيات السياسية والدينية والثقافية والرمزية، أدت هذه الأسباب وغيرها إلى نكوص المصريين إلى ذواتهم الشخصية ومصالحهم الخاصة، وتراجعت قيم الولاء والانتماءات الجامعة قبل وبعد الانتفاضة الثورية المجهضة والعودة إلى الذات الشخصية المنقسمة والمضطربة والمشوشة!! .. والسؤال نكون أولا نكون؟ وكيف؟

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟