المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
السيد يسين
السيد يسين

زيارة جديدة لنبوءات قديمة!

الخميس 30/أبريل/2015 - 11:02 ص

فى عام 1995 نشرت نصا عنوانه «قراءة استشرافية لخريطة المجتمع الكونى الجديد» ضمنته كتابى «الوعى التاريخى والثورة الكونية، حوار الحضارات فى عالم متغير» (القاهرة: مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الطبعة الثانية 1995) وهذا النص كان محاولة لاستشراف شكل العالم بعد التغيرات الكبرى التى لحقته.

ونحن الآن فى العام 2015 أى أنه مضى على هذا الاستشراف المستقبلى عشرون عاما كاملة! وهى فى نظر زمان العولمة التسارع- تعتبر نصا قديما يجوز أن تكون نبوءاته قد تجاوزتها الأحداث العالمية والإقليمية والمحلية المتسارعة.

ولذلك فكرت أن أطرح أبرز هذه النبوءات لكى نحكم على مدى صحتها وموضوعيتها فى ضوء ما تم فعلا من وقائع، وما حدث من ظواهر سياسية واقتصادية وسياسية.

كنا فى النص القديم قد تتبعنا أنماط القراءات المتعددة التى برزت على الساحة الفكرية واستطعنا أن نميز بين ثلاث قراءات أساسية:

القراءة الأولى من منظور العلاقات الدولية، حيث يحاول من خلاله الباحثون استخدام مناهج وأدوات التحليل التقليدية فى تحليل التغيرات التى لحقت بنمط توازن القوى. وبعض المحاولات الإبداعية هجرت هذه الأدوات التقليدية، وتبنت بعض المنهجيات الحديثة المستقاه أساساً من أدبيات حركة ما بعد الحداثة، لتلقى أضواء غير مسبوقة على مشكلات الأمن القومى.

والقراءة الثانية من منظور التحليل الثقافى الذى يركز على رؤى العالم المتغيرة، وعلى أنماط القيم، وأنماط التواصل بين المجتمعات وعمليات التفاعل بين الثقافات.

والقراءة الثالثة من منظور فلسفة التاريخ.

وقد قام بمحاولة التعرف على الملامح الأساسية للمجتمع العالمى «معهد نومورا» اليابانى فقد شكل جبهة علمية أطلق عليها «نادى طوكيو للدراسات الكونية» تضم أربعة مراكز بحوث غربية شهيرة وهى: معهد بروكنجز الأمريكى، ومعهد العلاقات الدولية الفرنسى، ومعهد تشاتهام هاوس الإنجليزى، ومعهد الدراسات الاقتصادية الألمانى.

وهكذا تحولت أنظار الباحثين إلى «طوكيو» لمتابعة هذه الدراسات الاستشرافية البالغة الأهمية، والتى هى فى الواقع فكر استراتيجى عالمى جديد، يتفاعل فيه الفكر الغربى مع الفكر اليابانى الاستراتيجى الذى يطمح إلى السيطرة على الاتجاهات الاستراتيجية البازغة.

 

لقد قدم النص القديم خريطة واضحة المعالم لبنية المجتمع العولمى الجديد، وكذلك لمجموعة من السيناريوهات المستقبلية لهذا المجتمع وضعها «نادى طوكيو للدراسات الكونية».

والخريطة العولمية المرسومة فى التقرير تقوم على ركائز ثلاث رئيسية: المؤشرات المتغيرة للمجتمع الكونى، والفواعل المتغيرة فى المجتمع الكونى، وبنية المجتمع الكونى البازغ.

أولاً: المؤشرات المتغيرة للمجتمع الكونى

يعرض التقرير عشرة مؤشرات متغيرة للمجتمع الكونى -لن يتسع المقام للتفصيل فى كل منها ولذلك نقنع بمجرد الإشارة إلى أبرز الأفكار المتعلقة بكل مؤشر.

المؤشر الأول انهيار الإيديولوجية: الشراكة العولمية والعلاقات الثلاثية الأطراف: بعد نهاية الاستقطاب الإيديولوجى الحاد بين الرأسمالية والشيوعية، يمكن القول بأن الأعوام الماضية شهدت انهيارا سريعا فى التركيز على الإيديولوجية فى المجتمع الكونى. وبالرغم من أن أنماطا متعددة من الليبرالية والعقائد الدينية ستستمر فى القيام بأدوار إيديولوجية، إلا أنها لن تكون هى العوامل التصادمية الرئيسية فى المجتمع العالمى.

وقد أدى انهيار الإيديولوجية -والذى حدث نتيجة انهيار الاقتصادات المخططة- إلى تغيرين بنيويين رئيسيين: الأول منهما فى مجال نماذج الشرق والغرب، والشمال والجنوب والتى بنى عليها العالم فى العقود الماضية. فإن الشرق أصبح مجموعة من الأقطار التى تسعى للحصول على رأس المال والتكنولوجيا من دول الغرب، وهكذا أصبح «الشرق شبيها بالجنوب» فى سعيه لموارد التمويل العالم العالمية Global Partnership.

والتغير البنيوى الثانى سيبدو فى ازدياد المكونات التنافسية بين الولايات المتحدة الأمريكية الاتحاد الأوروبى، واليابان، وستكون العلاقة مزيجا من التنافس والاعتماد الاقتصادى المتبادل فى نفس الوقت. والعلاقة بين هذه المتغيرين البنيويين ونعنى الشراكة الكونية والمنافسة الثلاثية ستتسم إلى حد كبير بكونها مباراة صفرية. بمعنى أن مكسب طرف ما، هو خسارة للطرف الآخر.

وهناك ثلاثة سيناريوهات لشكل هذه العلاقة المعقدة، فقد تحل هذه المنافسة الضارية من خلال حلول سلمية، أو قد ينجم عنها انقسامات سياسية وثقافية بين الشرق والغرب، أو قد يحدث تقارب بين الاتحاد الأوروبى واليابانى.

المؤشر الثانى: هو بزوغ سوق عولمية اقتصادية.

المؤشر الثالث: هو زيادة تعقيد البعد العسكرى.

المؤشر الرابع: يتعلق بالديمقراطية من ناحية تزايد أشكالها والاختلافات بينها وضعف قواعدها وخصوصا فى العالم الثالث وفى الدول الاشتراكية السابقة، مما قد يفتح الباب أمام صور من القومية المتطرفة.

 

المؤشر الخامس: هو التعددية الثقافية، والتى قد تأخذ أشكالاً عدة من المقاومة ضد موجات العولمة الثقافية التى تنزع إلى توحيد أساليب الحياة فى العالم.

المؤشر السادس: يتعلق بصعود قيم حقوق الإنسان والديمقراطية والبيئة.

المؤشر السابع: هو السيادة البازغة للطبقة الوسطى فى المجتمع العالمى.

ويتعلق هذا المؤشر بالتوقيع المستقبلى لنمو حجم ودور الطبقة الوسطى فى البلاد النامية، للسير على نفس خطى التطور الذى شهدته الطبقة الوسطى فى البلاد الصناعية فى الخمسينيات والستينيات.

المؤشر الثامن: يتعلق بتوقع حركات كبرى للسكان فى العالم. وهذه الحركات ستتم نتيجة ظروف متعددة. وهذه الحركات ستنطلق عبر ثلاثة روافد أساسية:

من الجنوب إلى الشمال، ومن الاتحاد السوفيتى السابق ودول أوروبا الشرقية إلى الدول الغربية، والحركة الثالثة من الأقطار التى تشهد كوارث كالمجاعات والحروب والكوارث الطبيعية، والتخريب البيئى إلى الأقطار المجاورة.

وقد يترتب على ذلك تصاعد موجات العنف القبلية والإثنية. وإذا وضعنا هذه الروافد الثلاثة لحركات السكان متجاورين، فمعنى ذلك أننا سنشهد فى العقود القادمة، أكبر تحركات للسكان منذ إنشاء الدول الحديثة.

المؤشر التاسع: هو عالمية العلم فى مقابل قومية التكنولوجيا، سيصبح العلم والتكنولوجيا وليست الإيديولوجية هما المحرك الأساسى للمجتمع الكونى. ونتيجة لثورة الاتصالات أصبحت كونية العلم حقيقة واقعة بحكم سهولة الاتصال بين العلماء فى مختلف أنحاء العالم.

المؤشر العاشر: والأخير يتعلق بالزيادة الدرامية فى الأنشطة الدولية غير المشروعة، وأبرزها السوق السوداء فى السلاح والتجارة غير المشروعة فى الأسلحة الذرية التكتيكية. وتجارة المخدرات، وبالإضافة إلى ذلك احتمال زيادة معدلات الإرهاب.

لو نظرنا نظرة نقدية لهذه المؤشرات لوصلنا إلى نتيجة أساسية مبناها أن هذه المؤشرات العشرة تحققت فى الواقع جميعا، مما يعطينا الثقة على قدرة العلوم الاجتماعية على التنبؤ الدقيق بمسارات المجتمع العالمى.

ربما التحفظ الوحيد أن العبارة التى وردت فى المؤشر العاشر وهى احتمال زيادة معدلات الإرهاب، ثبت خطؤها البين لأن الاحتمال أصبح حقيقة واضحة، بعد أن أصبح الإرهاب هو الظاهرة التى تملأ الدنيا وتشغل الناس!

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟