المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
السيد يسين
السيد يسين

رفـض الحداثــــة وفشــــل التحديــــث

الخميس 21/مايو/2015 - 10:03 ص

سألنى أحد الخبراء المهتمين بمشكلة التطرف الدينى فى المجتمعات العربية ما هو جذر المشكلة، وهل تعود إلى تعدد الفرق الإسلامية وانتهاج بعضها كالخوارج والمعتزلة مناهج معينة فى تفسير وتأويل النصوص الدينية الإسلامية، مما جعلها تبدو كما لو كانت خارجة عن الاجماع؟

وكان ردى أنه لا داعى أن نخوض بعيدا فى التاريخ الإسلامى، فذلك يقتضى أن نكون معدين أكاديميا للخوض فى هذا التخصص الدقيق، الذى يستلزم الإلمام بفروع علمية متعددة، لأنه يكفينا أن نعود إلى عصر احتكاك المجتمعات العربية بالحداثة الغربية والذى يمكن تجاوزا تأريخه بالحملة الفرنسية على مصر بقيادة «نابليون».

فقد استطاعت الحملة بتفوقها العسكرى ومعاملها العلمية وخطابها الحداثى أن تغزو المجتمع المملوكى المتخلف. ومن هنا نشأت الإشكالية الرئيسية فى الفكر النهضوى الحديث وهى لماذا التخلف وكيف نكتسب أسباب التقدم؟

وفى الرد على هذا السؤال المحورى كان لابد لرواد النهضة العربية الحديثة فى المشرق والمغرب أن يولوا وجوههم تجاه أوروبا باعتبارها كانت تمثل نموذج الحداثة بما تتضمنه من نظم سياسية متقدمة، ونهضة اقتصادية تكنولوجية وتقدم علمى.

عند هذه اللحظة التاريخية الفارقة بدأت المواجهة بين المجتمع العربى الإسلامى وبين الغرب. وانقسم الإصلاحيون العرب بين ثلاثة تيارات كبرى رئيسة وصفها بدقة المؤرخ المغربى المعروف «عبد الله العروى» فى كتابه «الأيديولوجية العربية المعاصرة». وقد ميز فيه بين ثلاثة أنماط من الوعى هى وعى الشيخ (إشارة إلى الشيخ «محمد عبده» ووعى الليبرالى (إشارة إلى المفكر المصرى المعروف «أحمد لطفى السيد) وداعية التقنية (إشارة إلى المفكر الاشتراكى «سلامة موسى»).

الشيخ «محمد عبده» صاحب الكتاب المعروف «الإسلام والعلم» ذهب إلى أن القراءة الصحيحة المستوعبة للإسلام يمكن ان تجعله معاصرا، وبالتالى لسنا فى حاجة إلى أن نحتذى النموذج الحضارى الغربى. أما «احمد لطفى السيد» أحد رواد الفكر الليبرالى العربى فقرر ضرورة القطع مع التراث واحتذاء النموذج الغربى فى السياسة والاقتصاد والثقافة. ويبقى «سلامة موسى» الذى كان لا يقيم وزنا لتراث المجتمعات الزراعية على حد قوله، ودعا إلى التصنيع والتكنولوجيا.

 

عبر الزمن انتصر المعسكر الليبرالى بعد أن خلف الشيخ «محمد عبده» تلميذه «رشيد رضا» وكان محافظا وتقليديا، أصبح من بعد أستاذا للشيخ «حسن البنا» مؤسس جماعة الإخوان المسلمين والذى كان أول من حول الإسلام من دين يؤمن به الناس إلى حركة سياسية جماهيرية منظمة، ليس ذلك فقط بل حولها إلى حركة مسلحة بعد أن كون التنظيم السرى الذى قام باغتيال السياسيين والقضاة. فقد قام باغتيال «النقراشى» باشا رئيس وزراء مصر فى الأربعينيات، وكذلك اغتيال المستشار «الخازندار» القاضى الذى سبق له أن أصدر أحكاما على الإرهابيين.

وانزوى تيار التصنيع والتكنولوجيا إلى أن جاءت ثورة 23 يوليو بمشروعها التنموى الشامل، الذى ركز على إقامة المصانع وتطبيق مبادئ العدالة الاجتماعية.

ويمكن القول إن الدولة العربية الوطنية التى نالت استقلالها فى الخمسينيات فى مصر وتونس والمغرب والجزائر وليبيا والعراق وسوريا ولبنان تحولت من النظام الديمقراطى إلى النظام السلطوى الذى رفض فكرة الديمقراطية كما دعا لها النهضويون الأوائل، وركزت بدلا من ذلك على تحديث المجتمع، بمعنى نقل المجتمع التقليدى العربى إلى مجتمع حديث من خلال التصنيع فى المقام الأول.

ولو تأملنا التاريخ المصرى الحديث لأدركنا أنه منذ نشأة جماعة الإخوان المسلمين عام 1928 بدأ بالتدريج أفول الفكر الليبرالى الذى سبق له أن قبل مسلمات الحداثة الغربية الفكرية، وأبرزها أن «العقل هو محك الحكم على الأشياء وليس النص الدينى» وانقلبت المعادلة لتصبح أن النص الدينى هو محك الحكم على الأشياء، ومن هنا بدأ التطرف الدينى الذى كان يهدف أساسا إلى إسقاط الدول المدنية العربية وتأسيس دول إسلامية على أنقاضها تطبق الشريعة الإسلامية وفق منهج متزمت تمهيدا لاسترداد نظام الخلافة الإسلامية.

ويشهد التاريخ المصرى خصوصا والتاريخ العربى عموما أن صفوف المفكرين الليبراليين تراجعت أمام زحف المتطرفين الدينيين من ناحية وأمام سيطرة الساسة السلطويين العرب الذين أبطلوا خطاب النهضة على ما تتضمنه من ممارسة ديمقراطية وحرية للفكر والتعبير وتركيزها على التنمية السلطوية.

فى ضوء هذا الاستعراض السريع لمجمل التاريخ الثقافى العربى الحديث يمكن التأكيد أننا لن نستطيع مواجهة التطرف الدينى -والذى تحول إلى تنظيمات إرهابية مدمرة- إلا إذا استرجعنا مرة أخرى روح خطاب النهضة الأصلى الذى لم ير غضاضة فى تبنى مبادئ الحداثة الغربية والتى قامت على أساس احترام الفردية والاعتراف بحقوق الفرد السياسية والاقتصادية والثقافية، والعقلانية التى تعنى أن العقل وليس النص الدينى هو محك الحكم على الأشياء، والديمقراطية التى تعطى الحكم للشعب من خلال ممارسة حقيقية تركز على قيم الديمقراطية فى المقام الأول التى تقوم على أساس القبول الطوعى لمبدأ التداول السلمى للسلطة، والحوار، والحلول الوسط وليس على أساس آليات الديمقراطية التى تتمثل فى صندوق الانتخابات.

وقد طبقت هذه الديمقراطية المزيفة فى مصر بعد ثورة 25 يناير وأدت بعد خلط الدين بالسياسة خلطا معيبا إلى سيطرة جماعة الإخوان المسلمين على مجمل الفضاء السياسى المصرى بعد سيطرتهم على مجلسى الشعب والشورى ورئاسة الجمهورية. وقد مارسوا فورا طبقا لمشروعهم وهو أخونة الدولة وأسلمة المجتمع- إقصاء جميع القوى السياسية المعارضة.

ولم ينقذ مصر سوى الانقلاب الشعبى فى 30 يونيو بدعم جسور من القوات المسلحة وإصدار دستور جديد وتولى «السيسى» رئاسة الجمهورية بعد انتخابات شفافة أدت إلى حصوله على ثقة الشعب بمعدلات قياسية.

وهكذا يمكن القول ردا على سؤالنا المبدئى كيف نقضى على التطرف الدينى والإرهاب الإجرامى للجماعات التكفيرية أنه ليس هناك من سبيل سوى القبول المطلق لمبادئ الحداثة العالمية وليس الغربية، بمعنى أنها هى المطبقة فى كل الدول المتقدمة الآن.

والمبدأ الأول أن العقل وليس النص الدينى هو محك الحكم على الأشياء، بمعنى الفصل التام بين الدين والسياسة وليس بين الدين والمجتمع، لأنه سيظل نسقا اجتماعيا رئيسيا يمد الناس بالقيم الأخلاقية التى توجه سلوكهم الاجتماعى.

ومن ناحية أخرى لابد من تطبيق «الديمقراطية التشاركية» التى تكفل تمثيل الشعب تمثيلا حقيقيا وليس الديمقراطية النيابية الزائفة التى وصلت إلى منتهاها.

ومن ناحية أخرى لا يمكن تحديث المجتمعات العربية بغير نظرية متكاملة لا تفصلوا بين الحرية السياسية والعدالة الاجتماعية، فى سياق التطبيق الدقيق لمبدأ «المواطنة» الذى يعترف لكل الأقليات غير العربية بحقوقها الثقافية والسياسية، وفى ظل الإعمال الدقيق لسيادة القانون.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟