المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
نبيل عبد الفتاح
نبيل عبد الفتاح

سياسة الجوائز الأدبية

الخميس 04/يونيو/2015 - 10:36 ص

مظلة من الجوائز الأدبية ومعها عديد التظاهرات الثقافية من معارض للكتب، ومهرجانات سينمائية ومسرحية، باتت تشكل ظاهرة سياسية استعراضية فى عديد من دول الإقليم العربى. غالبُ الدول والنخب السياسية العربية أسست هذه الجوائز لتحقيق عديد من الأهداف السياسية المحمولة على هذا النمط الثقافى الاستعراضى، يمكن لنا رصد بعضها فيما يلى:

1- السعى إلى تشكيل صورة إعلامية لها لإخفاء التوترات والنزاعات فيما بينها وبين بعض من الجماعة الثقافية داخل بلدانها، ومن ثم تحسين صورتها السلبية كقامعة للمثقفين، ولا مبالية بالإنتاج الثقافى الرفيع عموما، ومن ثم السعى إلى نفى الخطاب النقدى لها بأنها تكن كراهية للثقافة والمثقفين، وذلك لأن تكوينهم وتشكيلهم ومصادر وصولهم إلى دوائر النخبة جاء من مواقع لا ثقافية، تدور غالبا حول التكنوقراط، والأجهزة الأمنية والعسكرية، وبعض من بيروقراطية جهاز الدولة، وآخرين جاءوا من مواقع هياكل القوة التقليدية من العائلات الكبرى الممتدة والقبائل والعشائر أو بعض المناطق المؤثرة فى تشكيل خريطة القوة فى البلاد.

2- بناء سياسة الغنائم والموالاة السياسية والأيديولوجية للنخبة الحاكمة الساعية لجذب بعض «المثقفين» إلى دوائر الدعم والتأييد والتبرير لسياساتها ومساندتها إزاء المثقفين النقديين الذين يعرفون بوعى دورهم فى الممارسة النقدية والاجتماعية لسياسات النظام على اختلافها، أو هؤلاء الذين يمتلكون حساسية ورهافة الحس النقدى الرفيع فى ممارسة استراتيجيات التفكيك والتحليل والتفسير والهدم للأبنية الثقافية والاجتماعية والقيمية المتداعية من أجل تأسيس الرؤى والأبنية الجديدة، وتأسيس عالم مختلف مفتوح على الجمال والعدالة والعقل والتسامح والحرية والإخاء والانفتاح على ثقافات العالم بلا قيود، وتحرر المدنى والثقافى من قيود السياسى والدينى الوضعى وآفاقه الضيقة. هؤلاء مثيرون دائما للشغب الفكرى والغليان الاجتماعى، ويقوضون الشرعيات المهيمنة ويسعون إلى تأسيس شرعيات جديدة طالعة من الإرادة الحرة للمواطن الحر، والفكر الطليق من الأصفاد الوضعية وسلطاتها المهيمنة من هنا تبدو بعض الجوائز الكبرى، والمهرجانات والمعارض الرسمية بمنزلة إغواءات لشهوات الصعود والتبريز لبعضهم.

3- الثقافة واستعراضاتها تحولت إلى أقنعة تجميلية لمحاولة لستر فسادات ظاهرة للعيان، وديكتاتوريات وتسلطيات سياسية ودينية ومذهبية مهيمنة حولت الحياة فى مجتمعاتنا العربية إلى جحيم أرضى لا يطاق، حيث الحريات الفردية والجماعية رهينة معتقلات الروح، وأسيرة الخوف السلطوى من فيض ونور وانطلاقات الحرية. الثقافة تحولت إلى «ماكياج» يحاول إخفاء الخطر الداهم للاستيلاء على الإسلام النموذج والمثال وتحويله إلى ديانة فى الأسر لدى السلطات السياسية والدينية والجماعات الإسلامية السياسية، وسعى كل هؤلاء إلى اختطافه وتوظيفه لمصلحة أهداف دنيوية محضة محمولة على دنس الدنيوى والدهرى ومصالحه وآثامه وخطاياه. ينسى هؤلاء القراصنة جميعا أن الثقافة وخطاباتها النقدية التأسيسية والمتجاوزة للقيود السلطوية، هى طوفان مستمر من النور الباهر الذى يبدد ظلمات معتقلات العقل وسجون الروح التى تؤسس لها السلطويات السياسية والدينية المحافظة والمتشددة، وأنها الثقافة - فى أقصى تجلياتها وتطرفاتها هى نديم الحرية وصنو العقل الناقد، واللغة الحرة طاردة الأكاذيب والشعارات والمؤسسة للأمل وللعوالم الجديدة والمبددة للأسى والقنوط واليأس والدافعة للعمل البناء والرؤى المبدعة. من هنا يكمن جوهر الخوف ومنابع الخشية والخطر من الثقافة والمثقف، وعدم استيعاب وقبول أنه لا حرية دون ثقافة، ولا ثقافة بلا حرية. من ثم تبدو الجوائز والمهرجانات فى غالبها محاولة لإقصاء الثقافى من النقدى ومن قدراتها على التفكيك والهدم، والبناء الجديد المتجدد والمتجاوز دائماً للقديم والراهن والمتكلس. من هنا يبدو السلطوى سليل الاستبدادات التقليدية المحافظة والمتطرفة مرعوبا من الثقافى والمثقف ومعه بعض من سدنة الاستبداد من رجال الدين، ومعهم كل هؤلاء الذين يريدون اختطاف الإسلام العظيم دعما وسندا لشرعية استبدادهم وتسلطهم وفساداتهم أو هؤلاء الساعين لقهر الروح وصولاً للسلطة ومغانمها. اتخذت بعض السلطويين الجوائز والمهرجانات والمعارض والأوسمة والنياشين شارة وعلامة ومؤشراً على مكانة بعض النخب والأنظمة وحضورها فى الإقليم، وإخفاء لأسئلة محورية حول فعالية سياساتهم الداخلية والخارجية ومساءلتهم على هدر الإمكانات المتاحة لهم، ونمط علاقاتهم الدولية. اتخذوا من الثقافة والجوائز والمؤتمرات والمهرجانات والمعارض مؤشرات على المكانة الإقليمية، وذلك دونما تأثيرات حقيقية على مناخات وفضاءات الإبداع الثقافى فى كل حقوله ومناحيه داخل هذه البلدان.

4- بعض الجوائز الروائية رمت إلى زيوع وتخليد بعض الشخصيات والرموز بديلا عن تنشيط العمليات الإبداعية ومنتجاتها داخل بُنى الثقافة العربية.

5- خضعت الجوائز وتشكيل لجانها إلى تأكيد ضرورة التوزيع والمحاصصات السياسية للدول التى ينتمى إليها مقدمو الأعمال الساعية للحصول على الجوائز بحيث لا تحتكرها بلد من البلدان، وهو معيار سياسى بامتياز لا علاقة له بجدارة العمل الذى يتم اختياره بين عديد الأعمال المتنافسة.

6- ثمة حضور للميول والذائقات الأدبية لتشكيلات بعض لجان التحكيم، أو انصياع لبعض المعايير النقدية المدرسية / الأكاديمية حينا، أو الانخلاع عنها فى بعض الممارسات التحكيمية التى يغلب على بعضها نمط من الانطباعية أو التحيزات الشخصية أو الوطنية أو المناطقية، أو بعض شبكات المصالح وعلاقات الصداقة والمودة على المعايير النقدية الموضوعية، وهو ما وسم الكثير من النتائج بالجروح وعرضها لانتقادات جادة أدت إلى التقليل من شأنها بقطع النظر عن استمرارية تزايد أعداد المقدمين لهذه الجوائز سعيا وراء القيم المالية الدولارية لها، لاسيما فى ظل التنافس على رفعها بين الدول على نحو ما فعلت قطر أخيرا فى جائزة كتارا والجدل السياسى حول اختيار الفائزين.

7- أدت الجوائز إلى تحول عديد الكتاب والكاتبات من الشعر، والقصة المسرحية إلى الرواية سعيا وراء الجوائز وقيمها المالية وذيوع الأعمال الفائزة، بعيدا عن تقييمات نقدية رصينة ومبدعة لهذه الروايات، كنتاج لكسل بعض النقاد عن ممارسة دورهم النقدى والتحليلى للإنتاج الروائى العربى. انفجار روائى تنحسر عن غالبيته الساحقة البنى السردية المتفردة، واللغة المختلفة، والأخيلة الطليقة والاستثنائية، والعوالم المغايرة.. إلخ، ومع ذلك لايزال بعضهم يجرى وراء الجوائز لا وراء الإتقان والتفرد والرؤى والأخيلة والأبنية الجديدة وغير المألوفة.. ويتصور بعضهم أن النميمة والتقولات والانتقادات الشخصية لبعض لجان التحكيم، تخفى ضعف أعمالهم أو أنها عادية أو دون مستوى نيل هذه الجائزة أو تلك.. عالم من الصخب والثرثرة واللغو يتناسى أن الجوائز والترجمة ليسا هما الطريق إلى العالمية أو بناء المكانة المؤسسة على التفرد الإبداعى.. وللحديث بقية.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟