المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
نبيل عبد الفتاح
نبيل عبد الفتاح

الدولة القومية المصرية والدولة الهشة العربية

الخميس 09/يوليو/2015 - 02:25 م

الدولة القومية المصرية الحديثة التى تشكل أهم إنجازات المصريين منذ تأسيسها فى عهدى محمد على وإسماعيل باشا، لا تزال الأكثر رسوخا وعمقاً فى الوعى الجمعى وفى ثقافة الأمة المصرية، ومن ثم لاتزال تمتلك القدرة على مواجهة حالة عدم الاستقرار والاضطراب والفوضى فى الإقليم، وذلك رغما عن التحديات البنيوية الكبرى وبعض أشكال الضعف فى أدائها، وذلك إذا قورنت بنماذج الدول العربية الهشة، أو تلك التى انهارت فى عالمنا العربي.

أن أخطر ما فى المشاهد السياسية المتغيرة فى الإقليم أنها تشير فى غالبها إلى الضعف البنيوى فى دولة ما بعد الاستقلال فى المنطقة فى إطار مجتمعات انقسامية متعددة المكونات الأولية طوائف وقبائل وأديان ومذهبيات وعرقيات ومناطقيات.. الخ - وتنطوى على صراعات تاريخية، وخرائط تمت صياغتها فى إطار سايكس بيكو.

من هنا حاولت نخب ما بعد الاستقلال أن تؤسس للتكامل الوطنى من خلال استراتيجيات بوقعة الصهر بقوة أجهزة الدولة القمعية القاسية، والإيديولوجية إلا أن أخطر ما فيها تمثل فى أن القمع الرمزى والمادى معا، كان مؤسساً على تغليب انتماءات النخب الحاكمة الأولية العائلية، والقبلية والمناطقية- والدينية والمذهبية والعرقية، أى أن إيديولوجيات دولة ونظم ما بعد الاستقلال مارست سياسات اقصائية للمكونات الأولية لصالح بعضها، الذين تحولوا إلى المكون الرئيس والفاعل فى الحكم وصناعة السياسات والقرارات، والأخطر فى محاور عمليات التوزيع للدخل القومي، والاختيارات التنموية والاقتصادية لإعادة إنتاج هذه النخب السياسية لذاتها ومصالحها فى إطار الدولة التى اختزلت لتغدو دولة / النظام السياسي، ودولة/ النظام الرئيس.. الخ ومجموعة من الأزلام والموالين، ناهيك عن استبعادات جيلية حتى وهنت الدولة/ النظام فى ظل شيخوخة سياسية وفكرية وجيلية أثرت سلباً على جمود وسكونية الدولة وأجهزتها وأفكارها وسياساتها، وهو ما أدى إلى استبعادات جيلية حتى داخل وحول النخب ذاتها من الأجيال الأصغر سناً، على نحو أدى إلى انسداد أبواب الفرص السياسية للصعود والحراك القيادى الأعلى لدى هؤلاء، مما أدى إلى تراكم فوائض الغضب، وفقدان الأمل، والأخطر نقص التجارب والخبرات السياسية والدولتية فى إطار دوائر الحكم وأجهزة الدولة الأساسية.

أن الشروط السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية لتشكيل نموذج الدولة الأمة لم تتوافر حتى هذه اللحظة، وظلت استراتيجيات بناء التكامل الوطنى القسرى برانية ومفروضة من أعلى بقوة أجهزة القمع التى لم تؤسس للوحدة الوطنية، ولا الأمة الواحدة المتجانسة رغما عن تعدد مكوناتها الداخلية، والجيوش لم تختبر عموما والاستثناءات، كان جيش شعب مصر، لأنه كان جزءاً من عمليات بناء الدولة/ الأمة، وأحد محركات التحديث مع المثقف، ورجل القانون، وأجهزة الدولة من محمد على إلى ناصر. لم يتنبه غالبهم أن بناء الأمة الواحدة حول الدولة عمليات مركبة ومعقدة وتحتاج إلى إشراك المجتمع ومكوناته فى هذه العمليات من خلال المشاركة، والعمل والأنصاف والعدل ولو فى حدوده الدنيا من هنا شكلت التجربة المصرية أساساً - والمغربية النموذج المتفرد والاستثنائى فى هذه المنطقة من العالم، وهى أكبر وأرسخ جذوراً من غيرها، ومن ثم لا تستطيع جماعة سياسية دينية أو غيرها أن تهدم هذه الدولة.

أن الإقليم ودوله المختلفة فى أعقاب الانتفاضات الجماهيرية المجهضة فتح المجال أمام موجات تلو أخرى وجماعات إرهابية ترفع الأقنعة الدينية شارة وعلامة للتحرك على الأرض وسط حواضن اجتماعية لم تجد بداً من التعامل معها فى سوريا والعراق، لأن الدولة الهشة أقصت هذه المكونات على أسس مذهبية وتهميش اجتماعى وتنموى ومذهبي، ومن ثم ساهمت هذه المكونات فى تمدد داعش والنصرة وغيرها ومحاولتهم تشكيل شبه دولة على الأرض.

الأخطر أن نخب الدولة الهشة فى عديد أمثلتها- لعبت بالدين كقناع للقمع الرمزى والإيديولوجي، ولفرض التعبئة السياسية والاجتماعية بقوة هذا النمط من القمع، لكن لم يدرك هؤلاء أن الدين والمذهب ليس جزءاً من الملك الوضعى العضوض، وإنما يمكن للآخرين أن يوظفوه فى ذات الوظائف السياسية، أو فى وظائف مضادة للحكم، فى ظل غياب لشرعية مؤسسة على الديمقراطية والمشاركة والتأييد الشعبي. من هنا انتقلنا من الدين إلى المذهب، ثم إلى تشظى التفسيرات والجماعات داخل ذات الدين والمذهب، وتحولت السردية التأويلية الكبرى حول الدين التى اعتمدت عليها النظم الحاكمة إلى شظايا، وتنكسر مثلها مثل السرديات والخطابات الإيديولوجية الكبرى فى عالم ما بعد حديث.

لم يعد الدين حكرا على أحد فى استخداماته السياسية، وهو ما فتح الباب واسعا عن توظيف دهرى للمقدس فى العمليات السياسية والإرهابية ولم يعد إحدى أدوات التوحيد الرمزى الوطني، وإنما تحول إلى إحدى أدوات وآليات توسيع الانقسامات الداخلية والعربية معاً. الأخطر أن بعضهم استخدمه قناعاً لإرهاب الدولة الوطنية داخليا، وآخرون وظفوه قناعا ضدها، وضد المكونات الاجتماعية والدينية والمذهبية الداخلية.

لعديد الأسباب السابقة وغيرها، أصبحت الدولة القومية والأمة المصرية فى الحد الأدنى من تماسكها وتجانسها الداخلي - هى المثال الأبرز على كفاءة وحيوية مصر على مواجهة هذا النمط من الجماعات الدينية السياسية، وأفكارها حتى ولو راقت بعض هذه الأفكار الإيديولوجية لبعض المصريين لعديد الأسباب التى تحتاج إلى مواحبتها عند المنابت والجذور من هنا الدولة المصرية وأجهزتها استنفرت ووراءها الأغلبية الساحقة من الأمة لمواجهة سياسة التغيير الجذرى لنمط حياتها الحديث والمعاصر من أجل بناء يوتوبيا متخيلة تفرض قسريا عليهم باسم تأويل دينى وضعى قديم يراد له أن يكون هو الدين ذاته.

دون فهم لثقافة ورمزية الدولة المركزية النهرية فى الوعى الجمعى للأمة وجذورها التاريخية العميقة - لن يتم فهم العروة الوثقى بين جيش مصر وشعبها - وفق صديقنا الراحل المقيم أنور عبدالملك -، ولن يفهم أيضا دور المثقف الطرف الرئيس فى بناء الدولة والأمة الحديثة، رغما عن اختلاف مساره وتطوره ودوره عن وضعيات المثقف فى التاريخ الأوروبى والعالمى والمصري. كان للمثقف دوره الخاص مصريا حتى قبل دور مثقفى آسيا فى النهضة الراهنة لبعض دولها.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟