المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
نبيل عبد الفتاح
نبيل عبد الفتاح

الاضطراب التشريعى الانتقالى!

الخميس 27/أغسطس/2015 - 09:02 ص

غابة من القوانين الأساسية والفرعية، تتشابك وتتعقد منذ تأسيس النظام القانونى الحديث، وثورة يوليو 1952 وحتى المرحلة الانتقالية الثالثة. ثمة سرعة وتسرع فى إنتاج التشريعات دونما دراسة موضوعية لنصوصها، وللجوانب الفنية والنفقات السياسية والاجتماعية والدينية لبعض هذه القوانين، وبعد صدورها بعيداً عن حوارات مجتمعية جادة وبين الجماعة القانونية عموما، ثم يتبين أنها تنطوى على عديد الأخطاء والمثالب فى الصياغة العامة المفرطة.

ناهيك عن أنها تؤدى إلى تغول السلطة التنفيذية وأجهزتها الأمنية والبيروقراطية على نحو يؤدى إلى انتهاك بعض الحقوق والحريات العامة والشخصية للمواطنين. أخطاء وابتسارات فى الماكينة التشريعية فى المراحل الانتقالية التى تحول فيها رئيس الجمهورية إلى المشرع الاستثنائى دون رقابة برلمانية أو شعبية تؤثر على توجهات عملية تقنين القيم السياسية والأمنية والمصالح التى يرمى التشريع إلى حمايتها لاعتبارات وطنية، وعامة وتتجاوز الفئات التى ينظم القانون أعمالها ومصالح العاملين فيها، على نحو بات يشكل خطراً فى التوافق الوطنى بين الفئات الاجتماعية المختلفة، ويؤدى إلى تفكيك التماسك الاجتماعى، ومن ثم يشيع التوتر وتتوسع مصادر الغضب السياسى، على نحو يساعد على تزايد مصادر الأخطار الأمنية.. الخ. تصدر قوانين المرحلة الانتقالية معطوبة فى بنياتها وصياغاتها، ومحملة بالاستثناءات لوزارات، وأجهزة يبدو أنها تتصور نفسها فوق مبدأ سيادة القانون وأن ما يجرى على بقية العاملين أو المواطنين لا يطبق فى شأنها. إن الانفجار التشريعى عموما فى تاريخ النظام التسلطى ما بعد ثورة يوليو، وفى أعقاب المراحل الانتقالية المستمرة منذ 25 يناير 2011، وحتى 30 يونيو 2013 وما بعد، هو ظاهرة هيكلية فى إنتاج التشريعات واللوائح التنفيذية لبعض القوانين، على نحو لم يستطع حتى رجال القانون ـ من فقهاء ومحامين وقضاة- أن يتابعوا الآلة التشريعية السريعة الحركة والإنتاج! فما بالنا بالمواطنين المخاطبين بأحكام القانون.

ما أسباب ظاهرة الانفجار القانونى، والتدهور فى مستويات الفن والمهنة التشريعية فى المراحل الانتقالية؟.

إن تأصيل التردى فى المستويات الفنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية لعملية إنتاج القوانين يتطلب نظرة ولو سريعة على تطورات الأزمة الممتدة منذ ثورة يوليو 1952 وإلى المراحل الانتقالية الثلاث، وذلك على النحو التالى:

 

أولاً: شكلت المرحلة شبه الليبرالية 1923- 1952، مرحلة ازدهار تشريعى بعد اتفاقية مونتريه فى 8 مايو 1937، حيث وضعت التقنينات الأساسية على النسق اللاتينى الحديث، من حيث تحديد الحقوق والالتزامات فى التقنين المدنى، وفى تحديد بنية قانونى العقوبات والإجراءات الجنائية، والقانون التجارى والبحرى، وقانون الأسرة وفق الشرائع الدينية.. الخ. من أبرز معالم السياسة التشريعية هى اعتمادها على المذهب والفلسفة الفردية، ومن ثم شكلت التقنينات الحديثة هندسة قانونية واجتماعية حداثية لها جذورها فى الفكر القانونى الوضعى. ودعم هذا التوجه والإنتاج التشريعى المتميز المستوى الرفيع لتكوين الجماعة والمهن القانونية، ناهيك عن دور بعضهم ـ كالمحامين وبعض الفقهاء - فى السياسة المصرية، مما أعطى لعملهم القانونى بعدا سياسيا رفيعا على نحو ما يشهد عليه دورهم فى العمل البرلمانى أو التشكيلات الوزارية المتعاقبة. كانت القوانين تعبيراً عن دراسات للفقه والقانون المقارن على المستوى الدولى، ولم تكن فقط محض رغبات للنخبة الحاكمة، وذلك على الرغم من أن التشريعات هى تعبير عن مصالح القوى المسيطرة عموما، والاستثناءات هي التوازن بين المصالح المتنافسة، أو انحياز الدولة فى بعض الأحيان للمصالح العامة للقواعد الاجتماعية العريضة. إن النظام البرلمانى كان يعطى مساحة رئيسة لأعضائه فى المبادرة بمشروعات القوانين، والرقابة على السلطة التنفيذية، ومناقشة جادة لمشروعات القوانين الحكومية.

ثانياً: السياسة التشريعية بعد ثورة يوليو 1952 وحتى 25 يناير2011

نستطيع القول إن التاريخ التشريعى طيلة هذه المرحلة اتسم ببعض من الفوضى والانفجار القانونى، وبروز التناقضات وعدم التجانس فى البنية التشريعية الكلية والفرعية، وذلك لعديد الأسباب منها: 1- إدراك نخبة الضباط الأحرار والتكنوقراط لمعنى القانون ودوره وتمثله للمصالح حيث غلب عليه الإدراك الأداتى للتشريع بوصفه أحد أدوات الجبر والإلزام والقسر وأنه يؤدى فى ذاته إلى التغيير الاجتماعى والسياسى.

2- هيمنة التقديرات الأمنية على وضع القوانين من حيث التوازنات بين المصالح المتعارضة، فى ظل تراجع أدوار البرلمان وتشكيلاته المتعاقبة، وسيطرة السلطة التنفيذية فى مجال تقديم الأغلبية الساحقة لمشروعات القوانين وتزايد دور القرار الجمهورى بقانون فى الحياة القانونية للدولة.

3- سيادة نظام الطوارئ فى غالب مراحل تطور النظام التسلطى، والقيود المفروضة على استقلال القضاء والقضاة.

4- تراجع مستويات تكوين الجماعة القانونية منذ منتصف عقد السبعينيات وحتى الآن.

5- فشو النزعة التجريمية والعقابية فى القوانين كنتاج لغلبة النزعة الأمنية.

 

6- الانفصال بين التشريعات ومصالح الفئات الاجتماعية العريضة، وبروز فجوات بين القوانين وبينهم مما جعلهم يفرضون قانون الأمر الواقع.

7- شيوع الفساد فى الوظيفة العامة، مما أدى إلى التلاعب بالقوانين وإعاقة تطبيقها فى الواقع.

8- بروز ظاهرة ترزية القوانين وفق أهواء ومصالح الحكم المستمرة أو العارضة.

ثالثاً: السياسة التشريعية فى المراحل الانتقالية

1- اتسمت هذه المراحل الثلاث بالفوضى، وسرعة إصدار التشريعات من قبل المشرع الانتقالى - المجلس العسكرى- البرلمان الإخوانى و السلفى- رئيس الجمهورية-، وذلك دونما رؤية لطبيعة العمليات الانتقالية السياسية والاجتماعية، وإصدار القوانين دون درس لنفقاتها السياسية والاجتماعية، وتزايد النظرة الأمنية المقيدة للحريات العامة ومصالح الفئات الاجتماعية الشعبية فى وضع القوانين.

2- تزايد الأخطاء فى الصياغة الفنية والاصطلاحية واللغوية للقوانين، ومن حيث تحديد المصالح المحمية والمخاطبين بالقوانين، وظهور الأعطاب فى بنية التشريع فى أعقاب إصداره، كنتاج لتدهور مستويات المهنة القانونية.

3- غياب رؤية كلية للقيم القانونية والاقتصادية والاجتماعية التى تحدد السياسة التشريعية وطبيعة انحيازاتها للمصالح الأجدر بالرعاية فى المرحلة وتضاغطاتها.

من هنا نستطيع فهم حالة اضطراب السياسة التشريعية، وعدم قدرة صناعها على بلورة المصالح الجديرة بالحماية والرعاية التشريعية، والقدرة على المساهمة فى تحقيق الاستقرار والسلام الاجتماعى والسياسى فى البلاد فى ظل استقطابات اجتماعية وسياسية ذات طابع انقسامى، ومن ثم نحتاج إلى سياسة تشريعية إبداعية وإصلاحية قادرة على مواجهة متغيرات وتحولات لحظة سياسية واجتماعية مضطربة وضاغطة وعاصفة.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟