المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
نبيل عبد الفتاح
نبيل عبد الفتاح

المثقف والبيروقراطى والسياسى

الخميس 10/سبتمبر/2015 - 01:17 م

العلاقة بين المثقف والسلطة ورجل الدولة اتسمت بالعديد من التوترات والاحتقانات الملتهبة طيلة أكثر من ستة عقود ولاتزال منذ ثورة يوليو 1952 وحتى اللحظة الراهنة، فى حين أن هذه العلاقة لم تكن على هذا النحو من الحدة منذ بناء الدولة الحديثة - محمد على وإسماعيل باشا - وحتى تأسيس النظام شبه الليبرالى، ويعود ذلك فى تقديرى إلى عديد من الأسباب يأتى على رأسها ما يلى:

1- أن مسارات علاقة المثقف المصرى بالدولة والسلطة لم تكن هى ذات الطرق التى اتخذتها فى عديد من المجتمعات الأوروبية، منذ قضية درايفوس الشهيرة، وحتى التحولات ما بعد الحديثة الراهنة. فى الحالات الأوروبية تشكل مصطلح مثقف كدلالة وعلامة على استقلالية مكانة وحضور ودور المثقف إزاء الدولة والسلطة والمجتمع، ومن ثم تشكل حقل المثقف والثقافة فى إطار هامش من الاستقلالية مع بعض التوترات إزاء قضايا ذات طابع فكرى أو إنسانوى، وفى نطاق الدور الرسالى للمثقف إزاء مجتمعه والقطيعة معه في عديد الأحيان.

2- فى المثال المصرى، تشكل المثقف الحديث من حركة البعثات الأوروبية التى أوفدتها الدولة لتكوين النخب المدنية الجديدة، ومن ثم كان الهدف الرئيس هو الدور المأمول هو العودة للعمل فى إطار بناء تشكيلات ومؤسسات الدولة والمشاركة فى إدارتها.

من هنا كان المثقف أحد أبناء الدولة الحديثة، وطرفاً رئيساً فى تأسيسها مع رجل الدولة/ الحاكم ثم الطبقة السياسية التى تشكلت مع عهد إسماعيل والبدايات البرلمانية، ثم تأسيس النظام شبه الليبرالى.

3- فى ظل بعض الحيوية السياسية التى سادت المرحلة شبه الليبرالية والمجتمع شبه المفتوح وثقافة المدينة الحديثة، كانت العلاقة بين المثقف والسياسى فيها قدر ما من الاحترام المتبادل، لأن بعض أركان الطبقة السياسية كانوا من المثقفين الذين انخرطوا فى بعض الأحزاب السياسية لاسيما الوفد، والأحرار الدستوريين، وذلك فى ظل هيبة وتقدير لدور المثقف فى الدفاع عن الحريات والدستور والاستقلال وتحرر مصر من الاستعمار البريطانى.

4- المثقف لعب دوره فى التغيير الاجتماعى، وفى السعى لتأصيل التجربة الليبرالية لاسيما فى مجال الحقوق الدستورية والحريات السياسية العامة والشخصية، وفى الوقت نفسه كان جزءا من الفاعلين فى إطار أجهزة الدولة البيروقراطية من خلال عمل بعضهم فى دواليب عملها اليومى، وأيضا كان دور السياسى بارزا، وعلى رأس هؤلاء الباشوات على مبارك، ومحمد قدرى صاحب مرشد الحيران في معرفة أحوال الإنسان، وفتحي زغلول، ولطفى السيد ومحمد حسين هيكل، وطه حسين، ومصطفى عبد الرازق وآخرون.

كان بعض المثقفين جزءا من بيروقراطية الدولة ـ محمد عمر صاحب سر تأخر المصريين ـ ومثقف فى إنتاجه الفكرى ودوره العام . من ناحية أخرى كان السياسى يدير السياسة، ومن ثم كان الجيش والشرطة جزءاً من أجهزة الدولة، وأحد بناتها، وفى الوقت نفسه من الحركة الوطنية المصرية من الحركة العرابية حتى ثورة يوليو، لكن فى إطار دورهما التقليدى فى الدفاع عن الأمن العام والوطن.

5- مع تغير طبيعة الدولة المصرية ونظامها شبه الليبرالى إلى الدولة التسلطية بعد ثورة يوليو تغيرت العلاقة بين بعض المثقفين والسلطة، واتسمت بالتوتر والصراع، فى ظل نظام تعبوى يؤسس للحشد والتعبئة السياسية والاجتماعية وراء مشروعه الاجتماعى، ومن ثم كان لديه تصور عن دور المثقف كأداة من أدوات الحشد الإيديولوجى وكموظف فى إطار أجهزة الدولة الإيديولوجية والبيروقراطية، وذلك لتحقيق المشروع الاجتماعى والسياسى للناصرية وطنياً وإقليمياً. رفض بعض المثقفين الليبراليين والماركسيين هذا الدور كنتاج لرؤيتهم التحليلية للتسلطية السياسية، وقمع الحريات العامة، وتضخم وتغول الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، والقيود على حريات الرأى والتعبير من ثم دخل هؤلاء فى صراع مع النظام أدى إلى ممارسة القمع على بعضهم ودخولهم إلى السجون والمعتقلات.

6- بعض مثقفى اليسار والقوميين وبعض الليبراليين شاركوا بفعالية فى تأييد المشروع الاجتماعى لناصر، وفى إطار أجهزة الدولة الإيديولوجية والبيروقراطية، ووجدوا بعضاً من تطلعاتهم فى هذا المشروع العدالى والوطنى. ومن ثم لعبوا دورا مهما فى التغيير الاجتماعى، وفى التأصيل الفكرى للمشروع الناصرى والتبشير الجماهيرى بمكوناته.

7- فى ظل حكم السادات وموت السياسة انفجر الصراع بين غالب المثقفين اليساريين والناصريين للتغير فى طبيعة وسياسات النظام، ومحاولاته توظيف الإسلام فى الصراع السياسى والثقافى فى المجتمع المصرى، ولأنه لم يكن يقدر دور ومكانة المثقف سواء كفاعل فى بناء الدولة الحديثة، وطرف رئيس فى إطارها، وأيضا لأنه كان يعتبرهم خصومه، ومن ثم كان أكبر نقاد النظام والرئيس هم المثقفين، ولم يقف معه سوى عدد قليل من الموالين.

8- فى عهد مبارك حاول استرضاء بعضهم وإدخاله إلى حظيرة وزارة الثقافة، إلا أن دور بعضهم فى نقد النظام على عديد الصعد الاجتماعية والسياسية والثقافية كان بارزاً، وتراجع دور مصر الثقافى والسياسى فى الإقليم، بالنظر إلى عدم تقديره لدور المثقف التاريخى، ولم يستوعب حضوره الفاعل فى الدولة والمجتمع، ومن ثم كان المثقف مهمشاً خارج إطار السلطة الثقافية الرسمية.

9- فى المراحل الانتقالية تراجع دور المثقف كنتاج للعودة إلى سياسة اللا سياسة أو موت السياسة، وأصاب بعضهم الإحباط والقنوط والإحساس باللاجدوى، كنتاج للممارسات الفظة للإخوان والسلفيين واعتدائهم على الحريات العامة والشخصية وفقدانهم الرؤيا والمشروع، وكان بعضهم جزءاً من تحالف 30 يونيو، إلا أن الوضع الراهن عاد إلى حالة التوتر والاحتقان والالتباس كنتاج لغياب رؤيا كلية حول مشروع سياسى ديمقراطى واجتماعى عدالى، وأيضاً لأن وزارة الثقافة تعانى البيروقراطية وبعض الفساد الهيكلى، وغياب الكفاءة والسياسة الثقافية، واللا مبالاة بدور الثقافة فى السياسة الرسمية للدولة والنظام. من هنا ثمة احتقانات، وتوترات وتراجع عن المشهد السياسى العام بالتباساته واضطراباته. فى هذا الإطار على الجميع عدم تناسى دور المثقف التاريخى فى بناء الدولة والسياسة ومؤسساتها فى مصر، ولايزال وأنه لا تطوير للسياسة والبلاد والمؤسسات والتنمية من دونه.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟