المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
نبيل عبد الفتاح
نبيل عبد الفتاح

أين السياسى .. أين المثقف فى مصر الآن؟

الخميس 17/سبتمبر/2015 - 11:16 ص

السؤال المستمر فى أوقات الأزمات الكبرى للدولة والمجتمع، وفى مراحل الانتقال السياسى أين المثقف؟ يغيب سؤال أين السياسي؟ ولماذا لم يظهر إلا نادراً منذ 23 يوليو 1952؟ لماذا لا تهتم السلطة السياسية الحاكمة بسؤال المثقف ودوره، والثقافة ومكانتها فى حياتنا إلا من خلال بعض الأداء الوظيفى الاستعراضى فى قلب المشاهد الديكورية المصاحبة لطقوس آبهة الحكم وهيبته الشكلية؟!

يمكن القول إن التكنقراطى والبيروقراطى الحديث ولدَّا مع البعثات ليكونا ضمن عملية بناء الدولة، وتأسيس أجهزتها الإدارية الجديدة، إلا أن البعثات لم تكن منتجة فقط للتكوين العلمى والتقنى والإدارى للمبعوثين، وإنما أسهمت فى إضفاء بعض التكوين الثقافي، والانفتاح على أنساق من القيم والسلوك الاجتماعى والرؤى الجديدة، وهو ما جعل بعضهم يحمل فى أعطافه صفة المثقف والدمج بينها وبين الطابع الوظيفى لتخصصه المهني. المثقف ولد عقب التطور من وظيفة الفقيه الدينى المتخصص فى العلوم الإسلامية الشرعية، والكاتب وفق خالد زيادة-، من خلال البعثات فى العلوم الإنسانية وعلى رأسها القانون الوضعى الحديث، الذى كان أحد أبرز المداخل للتحديث المادى والسلطوى للقيم والحداثة الفكرية فى مجال الانتقال من منظومات القانون التقليدى الشرعى والعرفي- ونظام المكانة إلى نظام العقد والقواعد والمراكز القانونية الحديثة، وما تنطوى عليه من قواعد للسلوك الاجتماعى والاقتصادى فى إطار العملية التاريخية لدمج الاقتصاد المصرى فى إطار بنية الرأسمالية الدولية لاسيما مع تجارة القطن. من خلال الهندسة القانونية والاجتماعية، والمدارس الحديثة المدنية، ولدّ المثقف الحديث، كطرف فاعل فى بناء الدولة ومؤسساتها كما سبق أن أشرنا.

من هنا كان دوره مزدوجا كأحد بناتها ومديريها، وفى إشاعة الوعى النقدى وإنتاج الأفكار الجديدة، ومحاولة أقلمتها فى بنية الثقافة المصرية، من ناحية أخرى لعب دورا بارزاً فى الدعوة للاستقلال الوطني، وفى القراءة النقدية للتراث وتقديم رؤى مغايرة لما استقر عليه العقل النقلى التقليدى وموروثه وآلياته الذهنية والتأويلية للتراث. استمر هذا الدور فى ظل ثورة يوليو، وتعرض بعض المثقفين للسجن والاعتقال والتدجين فى ظل النزعة التسلطية، وحاول بعضهم كالسادات ومبارك- اعتقال الدور النقدى للمثقف فى إطار الموالاة للحكم والحاكم، ونجحوا مع بعضهم وفشلوا مع بعضهم الآخر المتمرد من اليساريين والمستقلين وبعض الليبراليين الذين تم تهميشهم واستبعادهم، وتم تحويل وزارة الثقافة وهيئاتها إلى أطر احتوائية لبعضهم، وإلى تحويل وظائف أجهزتها نحو الأداء الاستعراضى حول العاصمة والحكم دون اهتمام بالوظيفة الأساسية لها، التى تتمثل فى تقديم الخدمات والسلع الثقافية على تعددها للمواطن المصري.ومن ثم تم خنق الثقافة المصرية واختزالها فى احتواء بعض المثقفين الموالين، وفى الاهتمام بتقديم السلع الثقافية إلى النخبة فى العاصمة وأحيانا فى الإسكندرية، وعلى الرغم من بعض المشروعات الناجحة كالمشروع القومى للترجمة وتنشيط بعض الأنشطة فى مجال الفنون التشكيلية، وفى المسرح التجريبي- المهرجان والترجمات المهمة-، وبعض أداء المجلس الأعلى للثقافة وبعض مكتبة الأسرة لا كلها، فإن المثقف النقدى اعتصم بدوره ورسالته فى نقد الدولة والحكم والنخبة، والمجتمع، سعيا وراء التجديد والتغيير الاجتماعى والثقافى والسياسي، وهو ما ظهر جليا فى عهدى السادات ومبارك، من هنا لعب قلة من المثقفين هذا الدور باقتدار ورصانة وعمق، وذهب بعضهم من الأجيال الجديدة وهم قلة إلى نشر إبداعاتهم فى دور نشر خاصة، وإلى النشاط فى إطار بعض المراكز والتجمعات الثقافية الخاصة، بعيداً عن المؤسسة الثقافة الرسمية. قام بعض من هذه القلة بدور رائد وطليعى ونقدى بامتياز فى تمهيد الأرض للحدث الانتفاضى فى 25 يناير، وفى انتفاضة نقدية صارمة لمحاولات تغيير نمط الحياة والفكر الحديث، ومناهضة عمليات تديين الدولة والحياة فى بلادنا. فى عقب 30 يونيو، يبدو أن ثمة فجوة تتسع بين المثقف والسياسة، بعد عودة ظاهرة موت السياسة، واستعادة نخبة الدولة والحكم لميراث وتقاليد التسلطية السياسية، على نحو أدى إلى إعادة إنتاج إدراك سلبى للمثقف والثقافة يتمثل فى أنهم هامشيون، ولا دور مهم لهم فى العملية الانتقالية الثالثة، إلا الموالاة، وهو ما يمثل إعادة إنتاج لتقليد وإدراك تسلطي، ومن ثم النظرة إلى المثقف ودوره النقدى بوصفه مثيرا للاضطراب، ومنتجا للشكوك والغليان الاجتماعى ضد السلطة، ومن ثم تهميشه وازدراءه وهو ما ظهر فى اختيارات بعض وزراء الثقافة.

غياب السياسي، يعود إلى أن التسلطية، وثقافاتها وقيمها السياسية شبه القمعية، ومؤسساتها لا تنتج السياسة والسياسيين، وإنما تعتمد على الأداء البيروقراطى والتكنقراطي، ولأن موت السياسة طيلة أكثر من ستة عقود، أدى إلى التخبط والفشل المستمر وعدم معالجة المشكلات والأزمات الهيكلية فى جذورها، لمصلحة المواءمات واحتواء الأزمات، والتخفيف من احتقاناتها فقط، ثم تتفجر! غياب الرؤية السياسية هى ابنة اللا سياسة وموتها المستمر، ومن ثم ظهر خلال المراحل الانتقالية أن النخبة الحاكمة، والساعين إلى الانخراط فيها، يعانون من ضعف التكوين الاحترافي، ومحدودية الثقافة.

مات السياسى مع موت السياسة، وصعد البيروقراطى والتكنقراطى وخطابات اللغو والثرثرة واللا رؤي. غاب السياسى عن حياتنا لأن السياسى ابن التعددية والحريات العامة والشخصية، والتنافس والصراع السلمى على السلطة وليس من خلال التعددية السياسية الشكلية والمقيدة، وتمثيلها كمسرحية لا تنطلى على أحد! السياسى ابن السياسة، ولا سياسة بلا مثقف ولا تطور للدولة والمجتمع دون ثقافة رفيعة وشعبية لأن الثقافة فى قلب الظواهر والمشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتقف وراء عديد الاختلالات البنيوية فى حياتنا وقيمنا وسلوكنا، وأنماط تفكيرنا اللا علمى فى الغالب الأعم، ومن ثم لا سياسة ولا تطور دون الثقافة والمثقفين. 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟