المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
نبيل عبد الفتاح
نبيل عبد الفتاح

السؤال الغائب: لماذا تقدموا ولماذا تخلفنا؟

الخميس 01/أكتوبر/2015 - 12:03 م

بدأ طرح سؤال لماذا تخلفنا ولماذا تقدموا؟ مع مشروع محمد على باشا، ثم تطويره على الصعيد الثقافى السياسى والقانونى الحداثى مع إسماعيل باشا، ومنذ نهاية القرن التاسع عشر، وحتى النصف الأول من عقد السبعينيات من القرن العشرين، ظل جوهر السؤال واحداً، وإن تغيرت المفاهيم والمصطلحات المستخدمة فى التعبير عن التخلف التاريخى والبنيوى فى الدولة والمجتمع والعقل المصري، وفى الفكر الدينى الوضعى السائد الذى تشكل حول الإسلام السنى والأرثوذكسية المصرية، وشكل ولايزال أحد عوائق تحرير العقل والفكر والقيم وأنماط السلوك الاجتماعى التواكلية، التى تكرس ثقافة اللامسئولية، والأنامالية، والنظرة الجبرية للظواهر المرتبطة بالإرادة والفعل الإنساني، وبما فيها الظواهر الطبيعية، على نحو أسهم فى إضعاف العقل والثقافة العلمية، والمناهج النقدية.

أخذ الفكر المصرى والعربى ينتقل من سؤال لآخر والجوهر مستمد من سؤال لماذا تقدموا؟ ولماذا تخلفنا؟ إلى أسئلة التقدم، والتخلف، والتقليد والحداثة والأصالة والمعاصرة إلى السعى لبناء نموذج حضارى مختلف، إلى مشروع أسلمة المعرفة وغيرها من الأفكار/ الموضات والمشروعات التى ارتبطت مع ثورة عوائد النفط المالية، ولاتزال الإجابات ذاتها تدور حول أزمات الدين والتطور الحضاري، والتعليم، والتقنية، والنظام الاقتصادي، والقيم الاجتماعية المرتبطة بوضعية التخلف.. إلخ! من الشيق والمثير معاً أن الفكر المصرى تراجع عن طرح سؤال التقدم والتخلف منذ وثيقة المتغيرات التى أطلقها أنور السادات لمواجهة تظاهرات الحركة الطلابية الوطنية، فى يناير 72-1973 التى قادها جيل السبعينيات المجيد، أحد أهم حلقات الوطنية المصرية قاطبة، والذى خرج من أعطافه أهم مفكرى مصر على الساحة المصرية والعربية.

والسؤال لماذا لم يعد سؤال تخلفنا التاريخى وارداً ولا جزءاً من شواغل المفكرين ورجال الدولة المصرية، وأجهزتها الأيديولوجية، ولا الباحثين؟

يبدو أن ذلك يعود إلى عديد الأسباب التى نذكر منها تمثيلاً لا حصراً ما يلي:-

1- أن مفهوم التقدم تراجع فى الفكر الاجتماعى النقدى المعاصر لمصلحة صعود مفاهيم كالتحديث، وما بعد الثورة الصناعية الثالثة، والثورة الرقمية، وثورة المعلومات والاتصالات، والحداثة الفائقة، وما بعد الحداثة، والعولمة وثورة الألسنيات .. إلخ وهذه المصطلحات والمفاهيم وغيرها تحمل فى أعطافها نظريات، وتحليلات، وتطبيقات فى عديد من فروع المعرفة فى العلوم الاجتماعية. وظل التركيز على اللهاث وراء هذه المفاهيم الجديدة ومحاولة الانخراط فى الممارسة البحثية والذهنية فى إطارها بوصفها موضات فكرية وفلسفية، ومن ثم غاب عنا السؤال الرئيسى والأسئلة المتفرعة عنه - لماذا تخلفنا؟ ولماذا تقدموا؟ أياً كانت الصياغات المفهومية الجديدة لهذا السؤال المركزى المستمر، والذى غادرناه إلى عالم من البحوث الجزئية والمتخصصة.

2- أدت سياسة الاعتماد على التمويلات الخارجية وتأثيرها على قوائم الأعمال البحثية إلى فرض موضوعات تنتمى إلى بعض الاهتمامات الخارجية، كقضايا حقوق الإنسان على أهميتها بالنسبة لنا إزاء القمع السلطوي، والمجتمعى على المرأة، وحقوق الطفل، والأقليات، وحريات التعبير والإبداع.. إلخ.. وذلك على نحو أدى إلى انشغال الآلة البحثية والأكاديمية - على ضعف وركالة وضحالة بعضها - بالتركيز فى ممارساتها على هذه الموضوعات وتفضيلها، وإلى سعى بعضهم فى الانخراط فى دوائر المؤتمرات والندوات الإقليمية والدولية، أو ما أصبح يطلق عليه من بعضهم سياحة الندوات والمؤتمرات وورش العمل. من الملاحظ أن إنتاج غالب هذه الآلة هى النزوع التبشيرى وإعادة إنتاج المقولات الشائعة دونما طرح لأسئلة وإشكاليات وفروض بحثية جديدة يمكنها أن تنشط عمليات البحث والتفكير النقدي.

3- تراجع دور بعض المثقفين لمصلحة دور الباحث الأكثر تخصصاً فى بعض فروع العلوم الاجتماعية أو السياسية، وتركيز بعضهم على موضوعات بعينها، بالإضافة إلى تمدد دور وسلطة بعض المتخصصين فى العلوم السياسية، وشيوع وتشوش بعض نظرياتها ومصطلحاتها ومفاهيمها فى الكتابة الصحفية، وفى الخطاب الإعلامي.

4- سيطرة الإنتاج الكتابى المرتبط بالموضوعات اللحظية، والأقرب إلى الموضة الفكرية ومشكلات اللحظة الراهنة على الموضوعات ذات البُعد التاريخي، والأسئلة المرتبطة بها.

5- سطوة الأجهزة الإعلامية المرئية والمكتوبة والمسموعة، ومن ثم هيمنة المعالجات السريعة والمبسطة - إن لم نقل السطحية - ومعها لغة إعلامية أقرب إلى لغة الشارع أو الجمهور تجمع بين الفصحى المتدهورة والعامية الشائعة، فى تناص يهدف إلى الرواج، ومن ثم غابت المعالجات التأصيلية العميقة للقضايا والمشكلات التى تواجهنا.

6- إن الأسئلة الكبرى، ومعها السرديات والأيديولوجيات الكلية تراجعت بل سقطت على المستوى الكونى فى ظل الشرط ما بعد الحديث، ومجتمع الاستهلاك والتقنية الفائقة، ومن ثم غابت وغامت بعض هذه الأسئلة التاريخية المركبة لمصلحة الأسئلة الفرعية، والأكثر تحديداً.

7- أدى موت السياسة وغياب السياسيين فى مصر إلى سطوة رجال أجهزة الدولة من البيروقراطيين والتكنوقراط، وهؤلاء تشغلهم الأسئلة الجزئية البسيطة، ولغة الأرقام - غير الدقيقة فى غالبها - والإجابات البسيطة التى ترمى إلى احتواء المشكلات ومنع اشتعالها أو إطفائها، وليس إيجاد حلول لها فى إطار رؤى كلية سياسية وثقافية واجتماعية فى إطار الطموح إلى تنمية متسارعة ومستدامة والجرى وراء الدوائر الأكثر تطوراً فى عالمنا، وذلك فى ظل الطابع المحلى للتكوين «العلمى» والمعرفى لهذه النخب التى تدير التخلف، ومن ثم غياب العلاقة الوثيقة مع تطورات المعرفة والخبرة العلمية فى دوائر الشمال، أو فى آسيا الناهضة. فى حين أن الأجيال التى انشغلت بسؤال لماذا تخلفنا ولماذا تقدموا؟ كانوا على صلة بما يجرى فى الأطر الغربية من إنجازات وثقافات، ومعرفة متخصصة!

8- أدى غياب السياسى لصالح البيروقراطى ورجال أجهزة الدولة إلى تراكم المشكلات وتعقدها وبات محاولة التخفيف من احتقاناتها هو هدفهم الأسمى، لاسيما فى ظل رئاسات محدودة الثقافة والمعرفة وضحلة الرؤية، راحت ضحية اللامعرفة واللا طموح الذى يتجاوز مجرد السيطرة على السلطة والمجتمع من خلال آليات القمع الداخلي.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟