المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
نبيل عبد الفتاح
نبيل عبد الفتاح

جمال الغيطانى: إغفاءة الصحو والحضور والقيام

الخميس 22/أكتوبر/2015 - 11:53 ص

يساورنى سؤال مسكون بالشغف ما الذى كان يستدعيه صديقى وأخى الكاتب والمبدع الكبير الراحل جمال الغيطانى، عندما كان فى مرحلة برزخية بين الحياة والتهيؤ للسفر الطويل إلى الأبدية؟

هل استدعى تاريخه الشخصى أم تاريخ بلاده؟ هل استدعى طقوس الرحلة فى كتاب النهار؟ أم طالعته حركاتها الجليلة المنحوتة كسيمفونية للخلود، وكل حركة/ خطوة هى عالم بأكمله؟ أم كان يستدعى كل هذا الجلال الذى يحيط به شعبه هذا الحدث/ الحقيقة مثل الحياة؟ هل طالعته طقوسه المعتقة بتاريخ الحزن الذى يستدعى فى لحظة الحقيقة الحاسمة؟ أم كان يتساءل كعادته معى أين تذهب اللحظات؟

هل راودته الآيات المقدسة حول مسألة الحياة الأولى ومساراتها فى الحياة الثانية نحو الخلود، وفى طريقه إلى فضاءات الحرية والجنات التى تجرى من تحتها الأنهار على نحو ما يأمل من آمنوا بالقيم الفضلى، وسعوا بالإبداع لتحويل حياة الإنسان إلى الأجمل والأبهى، من خلال إبداعاته السردية وكصانع للثقافة حاول أن تكون للناس جزءاً من خبز الحياة اليومية ومائها؟

هل استدعى تاريخه الشخصى، وكفاحاته وصلابته وشغفه بالمعرفة والصور والألوان والحجر والموسيقى والتصوف فى سعيه للكشف عما وراء أسئلة الوجود والعدم؟ هل راودته أسئلة الشك والإيمان، وهو يسعى بعقله ووجدانه إلى كشف ما وراء الأسئلة الأبدية؟ هل خايلته هذه الرحلة فى الروح والعقل الوثاب الذى رفده بالمعرفة والوعى والبصيرة؟ ماذا كان يفكر رجل البصائر والمصائر فى هذه اللحظة بين عالمين؟

هل تذكر قيمة الصداقة والمحبة، وكان من عشاق الصداقة المدلهين الأوفياء للمعنى العميق وراءها؟ هل جاءه صديقه نجيب محفوظ ليتلو عليه آيات الحكمة والمعرفة والإبداع؟ أم كان يستذكر معه جلساتهما معا وحواراتهما الممتعة الصاخبة بالضحكات الفلسفية الساخرة، المفعمة بالحياة وحسُ الخلود ومعانى الأبدية وسكونها المقدس؟ أم أنبأه بأن الابتسامات والضحكات واستدعاءات الذكريات تعيدها حية ضاجةُ بالحياة فى لحظات السكون الأبدى؟ ما هى منامات وصحو ووعى الخلود الأبدى إلى أن يرث الله الأرض وما عليها وهو خير الوارثين؟ هل كان يتحاور مع أصدقائه ومحبيه الذين غادروه إلى عالم الغيب والشهادة؟ هل استشرف من خلالهم أسرار هذا العالم المُلغز الذى تعرف على بعض من فضاءاته وحرية الحرية داخله من قراءاته للمقدس ومكابداته الشخصية سعيا وراء اليقين والإيمان! هل استرجع رحلته فى متون الأهرام وكتاب النهار، وبحثه فيما وراء الرسوم المنحوتة على جدران المعابد المصرية القديمة؟

 

هل اجتاحته موسيقى الخلود ونغماتها وظلالها المسحورة فيما وراء أحجار المعابد والنصوص المقدسة التى تسرد الحياة والخلود والمعرفة ونهضة مصر فى أزمانها المترعة بالتألق والانتصار والألم والسعادة؟

ما الذى استدعيته يا صانع الحكايات والقصص والروايات المتألقة بالإبداع والكتابات التى تنتفض بأسئلة النهضة والتقدم لبلادك؟ هل استدعيت فيوض الرؤى التى صاحبتك فى معارج الانتقال من حالة لأخرى من حالات كشف الذات والوجود، واشراقات المعرفة، والوصول؟

يا حارس الظلال والمدينة والحكايات والصداقات والمحبة والحكمة هل خايلتك روح المدينة الأم القاهرة وأحياؤها التاريخية ومصر الفاطمية، ومآذنها وقبابها؟ هل ذهبت بروحك إلى شارع المعز وجوامعه وأبنيته وأزقته التى عاشت فى قلبك وذاكرتك وأيامك حيّة وومتلئة بخبرة الوجود والحكمة؟

هل تنادت إلى سمعك الموسيقى وهى تناسب من بين الحجارة فى المساجد العتيقة، التى تكتنز إيمانات وراء أخرى، وتضرعات إلى الله مصحوبة بموسيقى التبتلُ والتعبد وتراتيل التوحيد للواحد الأحد، مرجع المحبة والجمال الأسمى؟ هل صاحبتك أصوات السماء وشيوخها الكبار وهى تتلو آيات الذكر الحكيم من أبو العلا محمد، ومحمد رفعت، وعبد الباسط عبدالصمد، وأبوالعينين شعيشع ومصطفى إسماعيل، ومحمود الحصرى؟ هل تناهت إلى سمعك الذواق المرهف كل أجيال دولة التلاوة العريقة التى حملت أصواتها عمق الإيمان المصرى وطبقاته وموسيقاه عبر التاريخ محمولة على أصواتهم؟ هل انكشف لك الصوت ما وراء الصوت؟

هل انفتح أمامك يا صديقى الراحل ما وراء التراتيل وأناشيد التبتل من أصوات طه الفشنى، وسيد النقشبندى، ونصر الدين طوبار وياسين التهامى وأحمد التونى وسواهم من سلاطين المنشدين، وسقاة الأرواح البهية ومعهم خضرة محمد خضر وجمالات شيحة.. الخ؟ يقينى أنهم كانوا معك يؤنسون وجودك ومعهم كل من أحببت فى الحضرات الصوفية، حيث الوجد والكشف والانكشاف والصعود والتجلىّ وانبثاق الحقائق الكونية صافية يحوطها ألق السكينة والسلام الأبدى؟

هل كنت تستعيد جلساتك لسماع موسيقى موتسارت وبيتهوفن وتشايكوفسكى وبرامز، وباخ، وكل من ابدعوا وصاغوا الروح الإنسانية؟ هل جاءك الفلاسفة يقرأون عليك نصوص المعرفة والوعى والوجود والعدم من هيجل وماركس وانجلز، وكانط وهايدجر، وميرلوبونتى، وسارتر، وماركوزه وليوتار، وسواهم من العقول الفذة؟ هل رأيت يا صاحب التجليات لوحات العظام من الرسامين، ونحت المبدعين الذين سعيت لاقتناء الكتب الحاملة لابداعاتهم أينما ذهبت إلى أوروبا وأمريكا ودروب العالم ومكتباته العريقة، فى آسيا وإفريقيا.. الخ؟ يا صاحب العين والبصيرة الحادة الذكية هل طالعت كتب «وألبومات» كبار المصورين الفوتوغرافيين فى مكتبتك العامرة بالفنون والآداب؟ هل قرأ عليك كبار الشعراء العالميين من كل العصور قصائدهم كى تمتلئ كعهدك بالجمال وفرح الشعر وسعادة الشفافية وأناقة اللغة الشاعرة؟ هل قرأت كتاب الحب، وأنت من عشاقه المعاميد؟ هل رأيت قصصك فى العشق تجرى حية أمام عينيك وفى قلبك؟ هل استعدت خطاباتك وهمسك وتلاوتك لأناشيد القلب الخافق؟

هل كنت تقرأ كتابات ونصوص قصائد الأجيال الجديدة الطالعة كى تنتقى قطاف المواهب الجديدة وبشائر مواهبها كعهدك؟ ما صورة مستقبلنا الآتى الذى رأيت فى صحو المنامات البرزخية؟

يا سيد الحكايات أى من القصص والروايات استدعيت، من أعمالك المضيئة؟ أى من سرود الآخرين خايلتك من كتابات الكبار من بلزاك وتشيكوف ودوستوفيسكى، وكامى، وهيمنجواى وبيكيت وآلن روب جرييه، وماركيز وايزابيل الليندى، وتوماس مان، وبيرل باك وهرمان هسه وويليام فوكنر وفرنسوا مورياك، والبيركامو، وشولوخوف، وميغيل أنخل استورياس، وياسونارى كواباتا، والياس كانينى، و وول سونيكا، وتونى موريسون، واكتافيو باث وجونترجراس وهارولد بنتر، وماريو بارجاس يوسا، وباتريك موريانو، ودوريس ليسينغ، ونيبول، وآخرين.

هل صاحبوك وقرأوا بعضا من نصوصهم احتفاء بك أيها العزيز الغالى؟ حملت معك إجاباتك وحكايات اغفاءة الحياة وصحو الوجود البرزخى والقيام أيها العزيز الحامل لمفاتيح المدينة وظلالها وموسيقاها وحجرها وقلبها وذاكرتها وتاريخها؟ مع السلامة أخذت جزءاً من روحنا معك إلى مملكة الأبدية؟

قم لقد نديت باسمك لقد بعثت

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟