المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
نبيل عبد الفتاح
نبيل عبد الفتاح

إمبراطورية الكسالى والقبح!

الخميس 12/نوفمبر/2015 - 10:08 ص

هل هناك علاقة بين تمثالين نصفيين مشوهين للأستاذ عباس محمود العقاد فى أسوان ونفرتارى ملكة ملوك الكون والتاريخ فى جامعة المنصورة، وبين هطول الأمطار الجارفة والسيول وانهيار وعدم كفاءة البنية الأساسية وتصدع بعضها؟ هل هناك ارتباط بين القبح النحتى ورداءته وبين فائض الأزمات الممتدة والمتكالبة، والعجز الفاضح عن مواجهتها فى منابتها وأصولها وتطوراتها؟

ما علاقة الجمال الغائب فى حياتنا فى العمارة والنحت وتماثيل الميادين العامة، وبين تخلفنا التاريخي؟ هل طرح سؤال الجمال فى التخطيط العمراني، وطرز البناء والنحت والتشكيل والسينما والموسيقى والثقافة يعد ترفاً فى ظل ضعف الموارد الاقتصادية والمالية وشحها؟

نعم ثمة ارتباطية بين غياب الجمال وفوضى العمارة وعشوائية البناء، وقبح وتشويه قطع النحت النصفية للعقاد ونفرتاري، وغرق الإسكندرية وانهيار الطرق فى سيناء من جراء هطول الأمطار والسيول. وهو ما يتمثل فى هيمنة الرداءة وضعف الكفاءة وعدم التخصص والمتابعة والدراسة العلمية الموضوعية للواقع الموضوعى فى كل مجالاته ومناحيه، والأخطر سيادة الفهلوة فى التفكير والخيال والسلوك فى الدولة وأجهزتها والمجتمع معاً، وكلاهما مسئول عن هذا الضياع المسكون فى الحزن الجماعى المعتق والإحساس بالعجز والحياة عند الحافة وغياب الأمل، ووهن الإرادة تجاه التحديات وضرورات مواجهة الذات «الفردية» والجماعية معاً، وطرح أسئلة الوجود ذاته كدولة وشعب وأمة تنكسر موحداتها وقيمها الجامعة إلى شظايا محمولة على الكراهية للذات الجماعية ومراوغاتها وأكاذيبها إزاء ذاتها والعالم والواقع الموضوعى حولها، ذات تؤلم ذاتها، والأخطر تبحث دائماً عن الأسباب خارجها قبل أن تسائل نفسها!. كل هذا القبح فى تمثالين نصفيين لكاتب وملكة نادرة الجمال والحضور، من اللذان قاما بالنحت؟!، وأى غياب للموهبة والمهنية والكفاءة لديهما؟ أين تعلما ومن سمح لهما بالتخرج وما هى معاييره، وهل كان كفئاً أم كان على مثالهما! من الذى كلفهما بهذا العمل التشويهى القبيح؟

إنها العلاقة بين الثقافة والتخصص المهني، لأن من لا ثقافة له، ولا كفاءة مهنية يفشل فى عمله الوظيفى والمهني، لأنه يفتقر إلى الرؤيا الكلية التى تحتضن عمله التخصصى أيا كانت كفاءته ومستواها، وجزء من هذه المهنية والكفاءة دقة العمل وصورته الجمالية التى هى جزء لا يتجزأ من بنيته، سواء أكان عملاً نحتياً فالقطعة ذاتها كإبداع جمالى أيا كان شكله وصورته وكتلته وفراغاته- لا تتباين مع قاعدة التمثال الكامل أو النصفي، لأن كليهما يعتمد على رؤية جمالية وبصرية ودراسة للكتلة والفراغ والنور والظل.. الخ. من هنا إذا كان العمل جميلاً والقاعدة رديئة وقبيحة، يبدو ظل القبح على صورة وشكل التمثال، لأن الجمال لا يتجزأ.

ثمة عروة وثقى بين اختيارات القبح وبين سوء العمل والإدارة والتنظيم وشيوع الفوضى وانعدام أو ضعف الكفاءة المهنية. من الجليّ علاقة الفشل فى مواجهة السيول السنوية فى سيناء وبعض محافظات الصعيد وبين فساد أجهزة الإدارة المحلية ومن يقودها، فساد فى الضمائر والذمم وأخلاقيات العمل، والأخطر انعدام الكفاءة وغياب التخصص والرؤية العلمية المتخصصة فى مواجهة مشاكل مستمرة وتاريخية وتحدث كل عام فى مواقيت متشابهة أو متقاربة، ويحدث تخريب الطبيعة غير المدروس علمياً! ويبدو العجز السنوى عن مواجهتها، ويطرح العقل الغائب والمغيب والقبيح ذات الخطاب اللا علمى والغبى تبريراً عن أحداث ومخاطر تحدث كل عام، ويعاد إنتاج ذات الكلام والممارسات التى لا تواجه جذور المشكلات، وإنما السعى لاحتوائها وتخفيض نسبى لآثارها المدمرة، ويتبدد المال العام سنويا فى دهاليز الفساد الرسمى ودوائر المحليات دون متابعة جادة أو مواجهة حاسمة إزاء رؤوسه والموالين له من كبار الموظفين العموميين ومتوسطيهم وصغارهم.

والسؤال الذى نطرحه: لماذا تحدث هذه الممارسات دونما مراجعة من الحكام والقيادات البيروقراطية؟ هل لأنها جزء من ظاهرة انعدام أو ضعف الكفاءة وغياب الموهبة والملكات السياسية والتكنوقراطية؟ بالقطع الإجابة نعم جهيرة تم تجريف المواهب والكفاءات وذوى الخبرة، بل وصل الأمر إلى ظاهرة وأد الأجنة الموهوبة فى مهادها التى يتبين أنها قد تشكل خطراً على الإمبراطورية البيروقراطية المصرية التى تتناسل بإفراط شديد بلا معرفة أو رؤية أو خبرة أو كفاءة، نمط من إمبراطوريات الكسالى والرشوة واختلاس المال العام.. الخ والاستثناءات محدودة، ويتم استبعادها وتحطيمها. تقاليد وأساليب فى العمل الإدارى استعصت على الإصلاح أو التحديث منذ أيام الثورة الإدارية المزعومة التى أطلقها السادات إلى استكانة كل التشكيلات الوزارية فى عهد مبارك لتزاوج رأس المال والسلطة وتناسلوا فساداً، وتوحشاً وبمنجهية ولم يسائلهم أحد عن هذا الفشل الذريع والمستمر ومن أين لهم هذا؟ ومن أين المليارات ومئات الملايين التى حصلوا عليها من الجهاز المصرفى بلا ضمانات والأراضى المملوكة للدولة واستخدامها فى غير ما خصصت له فى مقابل الرشى المالية والعينية للبيروقراطية وكبار الرؤوس عند قمة الجهازين السياسى والبيروقراطى؟ كيف لا يقرأون ولا يتابعون التطورات فى تخصصاتهم، وأن يديروا الوزارات ومؤسسات الدولة وجهازها المحلي؟ المشكلة لا تكمن فى السيول والأمطار السنوية والعقلية القدرية التى تتظاهر بالتدين الشكلى والطقوس وجيوبها مفتوحة للمال الحرام، وإنما فى ظاهرة عدم الكفاءة وغياب الثقافة والمعرفة والرؤيا وسيطرة الكسل شبه الجماعي، والنزعة للتبرير المستمر لإضفاء مشروعية على عدم العمل وعلى الرشوة وأشكال الفساد الإدارى والاجتماعى بل والدينى من بعضهم.

مجتمع بات يحفز على الفوضي، والشكاوى بلا حدود، وعدم المسئولية، وتحول بعضهم إلى خبراء ومفتين فى أمور هم أكثر الناس جهلا بها، وعلى صعيد الإعلام تبرز اللا كفاءة وانعدام الحرفية والقيم المهنية، وضحالة التكوين، وغياب الثقافة وكراهية الجمال سمت عام فى أجهزة الإعلام الرسمى والخاص - فى الصحف والإذاعة وقنوات التلفاز على اختلافها -، ولا أحد يسأل أحداً رغم ما يشيعه هؤلاء من ثقافة القبح والجهالة. من هنا القبح يتكامل مع بعضه بعضاً، ويتساند ويتعاضد فى كل المجالات، فتمثال العقاد ونفرتارى تعبير عن إمبراطورية القبح واللا كفاءة وغياب المعرفة والذوق. المسألة المصرية باتت أكثر خطورة وتعقيدا عن ذى قبل، وتحتاج إلى رؤية شاملة ومواجهة صارمة وحاسمة داخل الدولة، وفى المجتمع معاً. فمن لها؟!

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟