المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
نبيل عبد الفتاح
نبيل عبد الفتاح

الموت والألم الكوني .. أين الخطأ؟

الخميس 19/نوفمبر/2015 - 01:13 م

"الموت العنيف، والموت المعولمالكونى"وفق وصف صديقنا الشاعر اللبنانى البارزعيسى مخلوف» فى وصفه الأول عن الموت فى الحرب الأهلية اللبنانية فى أطروحته للدكتوراه فى فرنسا، والوصف الثانى قاله فى تغريدة فى عقب الموت الإرهابىالوحشى الذى حدث فى باريسوالسؤال الذى يطرحه هذا الألم والعذاب الكونى الذىيشيعه هذا الخوف والرعب الذى بات جزءاً من حياة عالمنا المعولم ما الذى يولَّد كلهذا الغضب والحقد والكراهية لدى هذه المجموعات الإرهابية التى توظف الحداثةالفائقة والثوة الرقمية والقدرات التنظيمية الهائلة فى اختراق شبكات التواصلالاجتماعى والرقمي، والأحزمة الأمنية الصارمة فى فرنسا وتجنيد الشباب؟ هلالخطأ كان فى أيديولوجيا التوحش فقط؟ أم فى التأويلات الدينية العنيفة؟ هل فىالسياقات الاجتماعية والثقافية والرمزية والسياسية التى خرج من أصلابها هذا الجحيم منالنيران والدم والأشلاء وعنف اللغة، وهذه البرودة المتشحة بالعنف المفتوح؟ أين الخطأ؟هل فى النظم السياسية الديكتاتورية التى وظفت الدين الإسلامى الحنيف على هواهاومصالحها وتلاعبت به، ومعها مؤسسات دينية دانت ولا تزال لها بالولاء والطاعة؟

أين الخطأ هل فى طرائق المقاربات التفسيرية والتأويلية النقلية التى لا نزال نعيدهاونتلوها دونما فحص أو مراجعة، أو لما تنطوى عليه من تناقضات ومفارقات وأخيلةجامحة، ونضفى عليها بعض أساطيرنا الوضعية؟ هل هى نزعة القداسة التى نضفيهاعلى الأقدمين؟ هل هو عبادة الماضي، والسلف الذى ننعت جميع شخوصه ومروياتهبالصالح؟

أين الخطأ هل فى التعليم الدينى ومناهجه النقلية، واعتماده على الحفظ والتلاوةوالتكرار بلا ملل دون رؤية أو مناقشة أو نقد موضوعي؟

أين الخطأ هل هو تخلفنا التاريخى الذى ولدّ فجوات بيننا وبين العالم، ولم نعدنستطيع أن نجاريه إلا بهذا الانصياع المريض لكل ما هو ماضوي؟ أين الخطأ هل هوخوفنا ورعبنا من أن نتبدد، ونصبح العرب البائدة؟ هل هو رعب التخلف والإحساسبالضياع؟ هل هو العجز المقيم والمستمر عن مواجهة أسئلة الحياة فى كل لحظة منلحظات تخلفنا التاريخى المركب؟ هل هو الخوف من ضياع الهوية والتماسك فىعالم يعصف بالتحولات النوعية فى أنماط الحياة وثورات التقنية واللغة وطرائقالتفكير، وفى انساق القيم، وأنماط السلوك؟ أين الخطأ هل فى نخب سياسية مسيطرةغير قادرة على مواجهة عواصف التغير، وتتعامل معها على أنها مقادير كونية لا رادلها؟ أم أنها حتميات لا نستطيع أن نتكيف ونتعامل معها؟ هل لأنها نخب فاسدةومتهتكة فى استهلالها المفرط والوحشي؟ أم لأنها تفتقر للملكات السياسية وقدراتالحكم، وخيال السياسى الحصيف الصانع؟ هل لأنها نخب تتعامل ببلاده.. معتغيرات العالم المعولم، ولا تتابع ما يحدث داخله وحوله من متغيرات وتحولات؟ هللأنها نخب تفتقر إلى الرؤيا، وتستبدل القمع السلطوى كمعادل لخوفها من العالم، ومنتحولاته، وفى مواجهة مشاكل بلداننا؟

أين الخطأ هل هو غياب الديمقراطية وآلياتها وقواعدها، أو الانقضاض عليها إذا كانتنتائجها مضرة بمصالحها المتخمة بالثراء من المال العام واستباحته ومعه الشعوبالعربية والإسلامية التى تولد هذا النمط من التوحش؟

هل التوحش مقصور على داعش، أم أنه جزء من تكوين الثقافة العربية الإسلامية؟ إذالم يكن كذلك من أين تأتى داعش ومنظروها وقادتها بهذا النمط من التفسيراتوالتأويلات للمقدس والسنَّوى على هذا النحو العنيف؟ هل الأمر يقتصر على العنفالوحشى الذى تستخدمه أنظمة الحكم العربية الفاسدة فقط؟ أم الوحشية باتت جزءاً منحياتنا وإدراكاتنا وسلوكنا ولغة الحياة اليومية، ولم نعد أمام العنف اللغوى كسمت للغةالحياة والاتصال بين الناس، وإنما أصبحنا أمام توحش اللغة، أو الأحرى نمط من اللغةالوحشية حل محل لغة اللياقة والوئام واللطف والأخوة الإنسانية؟

أين الخطأ هل هو من اللغة الوحشية الإقصائية التى تنبذ الآخرين من أبناء أوطانناالمسيحيين العرب، وسواهم من ذوى الأديان والملل والنحل الأخري؟ اليس التجرؤ علىالقيم والعقائد الإسلامية يتمثل فى استباحة دماء وأعراض وأموال وممتلكات المسيحيينوغيرهم كما ظهر فى سوريا والعراق ومع فتيات ونساء الأيزيديين وسواهم؟ أين الخطأهل هو فى انهيار ثقافة التعايش المشترك والحياة المتألفة بين المكونات المتعددةلشعوبنا؟

أين الخطأ هل فى رؤى العالم المشوشة والمضطربة السائدة لدى النخب الحاكمةومعارضاتها؟ وهل هو غيابنا نخباً وجماهيراً على مختلف انتماءاتها الاجتماعيةعنزمن العالم المعولم؟ أين الخطأ هل فى انكسار اللغة الاتصالية والرمزية الجامعةوالموحدة بيننا فى مجتمعاتنا ودولنا وعالمنا العربي؟

أين الخطأ هل فى لغة الكذب وثقافة النفاق، وكراهية العمل والكسل الذى يغشىحياتنا؟ هل فى نفاقنا الدينى والأقنعة الدينية التى نرتديها فى علاقاتنا ببعضهابعضاً، وبذواتنا، وبين داخلنا وخارجنا؟ هل هى الأقنعة التى نحاول أن نؤسس بهالتوازن نفسى حرج بين أقوالنا وأفعالنا؟

هل الأقنعة الدينية محاولة مستميتة لبناء قوة من بنية هشاشتنا الداخلية، هل قوةالهشاشة؟

هل الخطأ فى مؤسسات دينية تجاوز العصر تعاليمها وتأويلاتها ومقارباتها ووعظها،وتحتاج إلى ثورة فى التعليم الدينى ومناهجه ومقارباته؟ هل لأننا تأخرنا فى إجراءمراجعات شاملة لتراث لا يزال بعضهم يقدسه من دون المقدس ذاته تنزها وتعاليا؟!من أين جاء توحش داعش والنصرة والسلفيات الجهادية والقاعدة ونظائرهم وأشباههم،اليسوا من داخلنا؟ من حقل الرداءة التى يمسك بخناقنا؟ لماذا يفرح البعض منا بمايحدث فى داعش ومنها إزاء الآخرين من القتل والعنف والولع بعذابات الضحايا وآلامهمالجنونية التى تفوق الخيال؟ لماذا هذا الحرق الُمعذب، ورمى الضحايا من حالق،وتحرك العربات المدرعة والدبابات على أجساد حية تسحقها وهى صارخة بأقصىالعذاب المميت؟ أين الخطأ هل هو فى الجهل بالدين الإسلامى العظيم وتعاليمه؟ كيفتحولت إنسانية الإسلام السمحاء إلى هذا النمط الوحشى الذى يستعيد تاريخ العذابوالألم والعقاب الوحشى من التاريخ العقابى الكوني؟

هل الخطأ فى ثقافة التكفير وعقله السلفى النقلى الذى يجتاح رجال الدين وعوامالناس وبعض خاصتهم؟ ما كل هذا الاستسهال والخفة فى نعت الآخرين ووصفهمبالتكفير؟ ما هذه النزعة للاستيلاء على سلطات الله العليا ــ جل جلاله وعلت قدرتهوشأنه ــ فى تحديد المؤمن وغير المؤمن به؟ هل هى نزعة لاغتيال الرحمة، ومعانىالتوبة والرجوع إلى الله تعالي؟ هل التكفير بوصفه إعداماً معنوياً وجسدياً لدى هؤلاءالغلاة ذوى الدماء الباردة والقلوب الحجرية إزاء أشخاص أبرياء لا ذنب لهم منالمسلمين أو المسيحيين فى سوريا والعراق وليبيا وباريس وغيرها من مناطق العالم علىاختلافها؟ أين الخطأ؟.. وللمقال بقية.

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟