المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
نبيل عبد الفتاح
نبيل عبد الفتاح

اختطاف الإسلام

الخميس 26/نوفمبر/2015 - 04:37 م

العنوان يبدو صادماً، لكنه ليس جديداً وهو يشير إلى ظاهرة تاريخية تفاقمت منذ عقد السبعينيات من القرن الماضي، ومفادها أن بعض المنظمات السياسية الإسلامية، وبعض المؤسسات الدينية، وبعض آحاد الناس، ودعاة الطرق والأنظمة الشمولية والتسلطية فى المنطقة، يسعى كل منهم إلى احتكار النطق باسم الحقائق الإسلامية - العقائد والطقوس والقيم الفضلى - وتوظيف فهمه الأيديولوجى وتوظيفاته السياسية بوصفه هو الإسلام الصحيح. ومن ناحية أخرى اعتبار من هُم خارج هذه الدائرة يدورون بين أوصاف التحريف، والغلو والتطرف والانحراف عن الصراط الإسلامى المستقيم، أو نعت الآخرين بالكفر أو الذيغ عن العقائد والشرائع المستقيمة. من هنا استخدم بعض الباحثين تعبيرات من قبيل اختطاف الإسلام، أو الإسلام فى الأسر أو إسلام ضد إسلام - وفق الصادق النيهوم -، وفى مواجهة هذه الظاهرة المستمرة التى حملت معها تشظى وانقسامات ونزاعات بينية داخل بنية الإسلامى السنى الأكثري، ظهرت عديد الدعاوى إلى تحرير الإسلام من أصحاب المشروعات السياسية الذين يوظفون الإسلام على نحو اجتزائى وانتقائي، أو بناء على شعارات عامة وغامضة من أجل تمرير وتسويغ مشروعاتهم السياسية حول السلطة والثروة والحكم.

تجلت ظاهرة اختطاف الإسلام من قلب عمليات تقديس الماضى وتدنيس الحاضر العربى الإسلامي، هذه النزعة الماضوية التى أحيطت بهالات من التمجيد، والنقاء من خلال آلية ذهنية ترمى إلى نزع هذا الماضى من سياقاته التاريخية والثقافية والفكرية والاقتصادية.

كل توظيف للإسلام فى مشروع سياسى دهرى محكوم بسياقاته الزمانية والمكانية وبمصالح وأهداف محددة، ومن ثم هو توظيف يعلى من شأن تعميماته فوق الزمان والمكان وأسئلة البشر، ويعيد طرح أسئلة الماضى وإجاباته وفتاويه وخطاباته الوضعية المقدسة، مشروعات تتدثر بالوضعى المشوب بالقداسة والمطروح فى أهابها. إن تحليل خطابات بعض هذه المنظمات الإسلامية السياسية ذات التوجهات العنفية والإرهابية تشير إلى أن طروحاتها حول الإسلام تتسم بعديد من السمات يمكن طرح بعضها فيما يلي:-

1- غلبة التأويل الدينى الوضعى على المقدس من خلال اقتطاع التفسير عن زمنيته ومكانه، وظروفه المحيطة وموقعه من أعمال وتفسيرات وتأويلات المفسر أو المؤول، وما إذا كان فقيهاً أو مفتياً أو داعية، وعدم فهم التمايزات والتداخلات بين الوظائف الدينية للمفتي، وشارح السيرة النبوية المشرفة، والداعية، أو مفسر النص المقدس والمتعالى بتنزيهاته وعلوه عن البشرى والوضعي.

2- نزعة الهروب من مواجهة تحديات وأسئلة وهموم وتعقيدات الحاضر الإسلامى العربى فى كل بلد من البلدان فى الإقليم العربى، إلى بعض من الماضى المقدس لدى هؤلاء أى إلى سياق تاريخى إسلامى، يتم من خلال هذه الآلية الذهنية اقتطاعه من مواضعاته وظروف إنتاج هذا الرأى أو ذاك فى مسألة من المسائل الإسلامية، التى أثيرت فى الماضى والرأى أو الإفتاء حولها والمرتبط بهذه الظروف والشروط والسؤال أو الأسئلة فى إطارهم.

3- كل جماعة تستعير نصوصها الإفتائية وشروحها على الحواشي، وتجعلها مركزاً لتسويغ شرعية أعمالها من الوجهة الأصولية وتسند المسئولية الدينية على هؤلاء الفقهاء.

المسئول هنا هو صاحب الرأى والفتوى - فى تاريخ الفقه الإسلامى - ومن ثم ابن حنبل وابن تيمية هما المسئولان أمام الله تعالى - علت قدرته وشأنه - عن مشروعية هذا العمل الذى يقترفونه، وليس مرتكبى هذا العمل الوحشى الدموي، ومخططيه ومنفذيه. إنها آلية ذهنية ونفسية ترمى إلى إشاعة الطمأنينة، ونفى الشعور بالإثم الدينى وإحالته على الفقيه والمفتي.

4- إقامة الحدود بين المنظومة / البنية الفقهية المستعارة من الفقه القديم، وبين غيرها من المنظومات الفقهية السياسية الجهادية، وتحويلها إلى أيديولوجيا سياسية، وذلك لبناء التمايز بينها وبين غيرها من السلفيات الجهادية، فى ظل تبعية مفتى الجماعة وفقيهها إلى رئيس التنظيم أو أميره - «الخليفة» أبو بكر البغدادى مثالاً ومن ثم اعتماد التنظيم فى عملياته الإرهابية - الاستشهادية فى منظورهم - على تسويغات المفتى / الفقهية الشرعية. ليس هذا فحسب بل فى تنظيم التوجهات العامة للتنظيم داخله، وفى تراتبيته القيادية وفى إدارته للحياة اليومية فى المناطق التى يسيطر عليها.

5- النزعة التكفيرية المعيارية التى تشرع القتل لذوى الآراء المخالفة فيما بين المسلمين ذاتهم، أو إزاء ذوى الأديان الأخرى المسيحية واليهودية أو البوذية أو الهندوسية أو البهائية وسواهم من الأديان غير السماوية. وثمة استسهال فى إطلاق أحكام التكفير على المغايرين فى الرأى أو المذهب على نحو ما يتم إزاء الشيعة .. إلخ.

6- تحاول المؤسسات الدينية الرسمية فى العالمين العربى والإسلامى احتكار تمثيل الإسلام بدعوى أنها وسطية، وأنها تخرجَ أهل العلم الدينى المتخصصين فى أصول الدين، ويتناسى رجال هذه المؤسسات أن يدافعوا عن منطق المؤسسة التى غالباً ما تتبع أجهزة الدولة الأمنية والتسلطية والشمولية ويبررون لها سياساتها وقراراتها، بينما لا يقدمون إنتاجاً فقهياً تفسيرياً وتأويلياً وإفتائياً يتسم بالتجديد فى الرؤى والإجابات عن أسئلة الحاضر، وإنما يعيدون إنتاج بُنى الأفكار الفقهية القديمة، ولا يختلف بعضهم فى توجهاتهم عن الذهنية النقلية التى تقدس الماضويات الوضعية فى الآراء والأفكار بل وبعض أساليبها اللغوية والسردية والشفاهية القديمة دونما تجديد يذكر. من ناحية أخرى يتناسى الكثيرون أن الإسلام دين بلا واسطة بين الله سبحانه وتعالى وبين عباده المؤمنين، ومن ثم شرعية المؤسسة الدينية ومفهوم رجل الدين المحترف هو شأن وضعى تماماً، ولا يعطيه أى سلطة على إيمانات المسلمين، أو التفتيش فى ضمائرهم وأفكارهم ودخائلهم.

إن ظاهرة اختطاف الإسلام، هى التى تجعل صورنا وعقائدنا وطقوسنا لدى الآخرين مشوهة ومشبعة بالكراهية والعداء لكل ما هو إنسانى فى عالمنا ، وهو أمر يحتاج إلى مراجعات فى العمق لتاريخينا الفقهى والإفتائى والفكرى الوضعى. وللحديث بقية.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟