المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
نبيل عبد الفتاح
نبيل عبد الفتاح

ثقافة الفوضى ومراياها

الخميس 17/ديسمبر/2015 - 03:04 م

من فضلك أنظر حولك وحاول أن تصف المشاهد والصور المتلاحقة التى تجرى أمامك ووراءك؟ من فضلك حاول أن تتأمل الخطابات الشفاهية - الكلام - الذى يدور بين أفراد الأسرة والعائلة، وبين الجيران، وفى مجال العمل، أو فى المركبة العامة، أو سيارات الأجرة أو فى المحال الخاصة أو العامة! أنصت قليلا وحاول أن تفهم وتحلل ما الذى يدور؟ هل تفهم ما الذى يقال؟ هل هى لغة تواصل مفهومة وتؤدى إلى المعانى المطلوب إيصالها من المتكلم إلى المستمع؟ لا أتحدث هنا عن المعلومات المغلوطة أو ضعف الثقافة العامة أو انعدامها؟ أتحدث عن حالة الفوضى اللغوية العامية والفصيحة!

أرجوك أنظر إلى عمليات هدم بعضهم أعمدة الوحدات السكنية الداخلية من أجل تغيير شكل المنزل أو توسيعه واسأل هل هذا قانونى وهندسى؟ أم مخالف للقانون وللقواعد الفنية والهندسية؟ ويشكل تهديداً لأمن السكان فى لحظة ما، زلزال، أمطار غزيرة وسيول.. الخ؟!

أرجوك أنظر إلى الشارع واحتلال الباعة الجائلين لنهر الطريق وطريقة تعاملهم مع المارة، ولاحظ هذا العنف وفرض قانون الأمر الواقع على قانون الدولة؟!

 

من فضلك أنظر إلى كسل الموظفين العموميين واكتظاظهم ولغوهم وقيام بعضهن بإعداد المواد الغذائية التى سوف يقمن بطهيها فى منازلهن بعد مغادرتهن أماكن اللغو والثرثرة وأحاديث الشكوى والتفاهة، وتساءل هل هكذا تكون الوظيفة العامة؟ وأنظر إلى كل العيون الساعية إلى الرشوة كى تؤدى عملها، وتساءل وهل هكذا تكون أجهزة الدولة الإدارية وعملها وقواعده؟!

أسئلة بسيطة وتبدو بديهية ويومية ولا صدىَّ عليها إلا أننا إزاء ضعف لأجهزة الدول بل مفهومها ومعناها لدى الجمهور، وهى تشير إلى ظاهرة بل ظواهر خطيرة على الدولة والمجتمع والموحدات التى تربط معنى الدولة وسيادة القانون والضمير الفردى والجماعى، وتحللهم، وشيوع ما نطلق عليه ثقافة الفوضى والفساد!

والسؤال: ما الذى نقصده بثقافة الفوضى؟

إن ثقافة الفوضى هى أنماط الفكر والقيم والسلوك التى تجرى خارج قانون الدولة وقواعده وقيمه وتعبر عن تهتك معاييره، وازدواجيته وعدم تعبيره عن الواقع الموضوعى، أو توازنات المصالح بين الفئات الاجتماعية المختلفة. هو قانون اللا ضوابط والانفلات وتدافع وصراع المصالح، والعنف، وثورة الدوافع الشخصية والأنوميا - الاغتراب - وعدم التحقق، وغياب سياسة الأمل، والوصول إلى الحقوق بالإرادة والقوة والنفوذ والمال والتهديد. هى خروج على قانون الدولة لصالح قوانين الفوضى وأشكال التكيف معها فى علاقات الجمهور بعضه بعضاً. ثقافة الفوضى ليست مقصورة على الأفراد والجماعات، وإنما هى تعبير عن وهن النظام وضعفه وعدم فعاليته، وعجز مفهوم دولة القانون على النفازية وحكم العلاقات الاجتماعية والروابط القانونية وتنظيمها، وضبط الصراعات والتنافسات بين الأفراد والمجموعات والفئات الاجتماعية. ثقافة الفوضى يدخل فيها صراعات سلطات الدولة وأجهزتها المختلفة على المصالح والصلاحيات والنفوذ وستر الفساد الوظيفى داخلها.. الخ! إنها ثقافة تؤدى إلى تحويل اللا نظام واللا معيارية إلى نظام خارج أطر الدولة وقوانينها، وفرض بعض مطالب وضغوط بعض الفئات على النظام الذى قد يسكت عنها، أو يتبناها على نحو تتداخل معه ثقافة الفوضى فى إطار ثقافة الدولة وأجهزتها على نحو ما نرى فى كثير من الدول والحالات.

والسؤال البديهى - تبا للبداهة - ما هى أسباب هيمنة ثقافة الفوضى والفساد؟

عديد الأسباب على رأسها تمثيلا لا حصراً ما يلى:

1- عدم فعالية وكفاءة الأنظمة القانونية للدولة وعدم إصلاحها وتجديدها لتناسب واقعا متغيرا، وعدم عدالة تمثيلها للتوازنات بين المصالح الاجتماعية المتصارعة، وانتصارها لمصالح القلة المسيطرة اجتماعيا وسياسياً لاسيما رجال الأعمال، وكبار موظفى الدولة ذوى الأجور والمكافآت الضخمة فى مقابل ضعف أجور غالبية العاملين والفجوة الواسعة بين الحد الأعلى والحد الأدنى للأجور.

2- تفكك وضعف الموحدات القومية الكلية الجامعة لمكونات الأمة المصرية وفئاتها العريضة، وغياب الرؤى السياسية والاجتماعية والاقتصادية وسياساتها الجامعة لكافة المكونات المجتمعية.

3- صحوة الثقافات والرموز الدينية والمذهبية والعرقية والمناطقية على حساب الجوامع الرمزية المشتركة لمكونات الأمة الواحدة.

4- غياب سياسة الأمل، والتى أدت ضمن أسباب أخرى إلى انتفاضتى 25 يناير، و30 يونيو، وعدم استيعاب هذا الدرس التاريخى من النخبة السياسية، وأجهزة الدولة التى لم تستوعب جيداً طبيعة ما حدث وأسبابه ومآلاته المستقبلية.

5- تشكيك وجحد بعض جماعات الإسلام السياسى لقانون الدولة الحديثة، ولمبادئ المساواة والمواطنة وقبول الآخر الوطنى، لصالح ثقافة التمييز الدينى والنوعى - الجنوسى - بين الرجال والنساء.

6- قدرة بعض الجماعات والأفراد على فرض قانون الأمر الواقع على خلاف قانون الدولة وهو ما يشيع فى الخروج على قوانين المرور، والاستيلاء على المال العام - أراضى الدولة والبناء عليها دون ترخيص، وعدم مراعاة الشروط الصحية والمعمارية والهندسية -.. الخ، واحتلال الباعة الجائلين نهر الطريق، وسطوة قانون الرشوة لدى بعض الموظفين العموميين إلى آخر أشكال الفساد الوظيفى.

ثمة أسباب أخرى خارجية على رأسها: واقع الاضطراب والفوضى فى الأقليم، والتشظى وتفكك البنُى التقليدية والحداثية فى إطار عام المابعديات، وبروز الواقع الافتراضى وتحول الأفراد إليه هرباً من قسوة ووطأة ظروف الواقع الفعلى ومشاكله وضغوطاته.

إن ثقافة الفساد تسهم فى إضعاف الدولة وتحوير سياساتها من مجال التنمية وسياساتها إلى مجال مواجهة آثار ثقافة الفوضى، وتؤدى إلى زيادة معدلات الفساد، وهدّر الإمكانات، وتحول العنف اليومى إلى ثقافة عامة. من هنا تبدو المخاطر الداهمة لهذه الثقافة على الأمن، والاستقرار والتوازنات الاجتماعية فى ظل عودة ظاهرة موت السياسة وظاهرة اللا تراكم المعرفى والخبراتى، وضعف الخيال السياسى المهيمن على عقل غالبُ النخب السياسية. والنتيجة لا تنمية ولا تطور إلا بمقاومة ثقافة الفوضى. ولله الأمر من قبل ومن بعد.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟