المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
نبيل عبد الفتاح
نبيل عبد الفتاح

أحزاب هشة ورؤى غائبة!

الخميس 31/ديسمبر/2015 - 11:31 ص

إن نظرة عامة على تفاقم أزماتنا الداخلية، وتراجع الدور المصرى فى الإقليم العربى تشير إلى عديد الأعطاب الهيكلية التى يمكن لنا رصدها فيما يلى:

استمرارية سياسة اللا سياسة، وهى امتداد لغياب تقاليد وقيم سياسية ديمقراطية تعتمد على شرعية التنافس والصراع السياسى بين القوى والأحزاب السياسية التى تعبر عن مصالح قواعد اجتماعية. من ثم تحولت تجربة التعددية السياسية المقيدة منذ بداياتها فى عهدى السادات ومبارك إلى محض هياكل (كارتونية) وإلى أحزاب مقار فى العاصمة، وتدور حول الحزب الحاكم - مصر ثم الوطنى الديمقراطى - وذلك دونما وجود فاعل اجتماعيا، ومن ثم سياسيا. من هنا لم تستطع هذه التجربة أن تراكم خبرات سياسية سواء على مستوى أعضاء الأحزاب، والهياكل الحزبية المختلفة أيا كانت مسمياتها، ونستطيع القول إن غالبُ هذه التجارب كانت تدار بشكل وقواعد بيروقراطية مستمدة من حزب النظام الذى لم يتجاوز دور المساند للسلطة ورموزها خارج نطاق السياسة، وإنما كانت هذه الأحزاب أقرب إلى كيانات هامشية تلعب دورا ديكوريا فى الماكياج السياسى للنظام.

لعبت أيضا سياسة التجربف للكفاءات والخبرات والمواهب المصرية الجادة، أحد كوابح مشاركة هؤلاء سواء فى الحزب الحاكم أو فى أحزاب المعارضة الشكلية، وذلك لعبثية الممارسة الحزبية التعددية والقيود القانونية والسياسية والأمنية والبيروقراطية المفروضة على نشأة هذه الأحزاب، وعلى ممارساتها للعمل الحزبى والسياسى والتنظيمى والحركى وسط قطاعات اجتماعية وجماهيرية. من ناحية أخرى لم يكن التجريف سياسة نظام تسلطى فقط، وإنما امتد إلى داخل هذه الأحزاب، حيث يسيطر رئيس الحزب ومعه زمرته على مقاليد الأمور، والتفاوض مع أجهزة الأمن المختصة حول قواعد اللعبة الانتخابية والمقاعد المخصصة لهذا الحزب أو ذاك فى تشكيلة البرلمان. ترتب على ذلك أن بعضهم من رجال الأعمال كان يوظف الأحزاب وجرائدها دفاعا عن مصالحه الاقتصادية، ولكى تتغاضى أجهزة الدولة الرقابية عن بعض تجاوزاتهم.

أسهمت العصب الحزبية القائدة لغالب الأحزاب السياسية الرسمية فى ممارسة سياسة الموالاة للنظام وأجهزته، وممارسة الإقصاء والاستبعاد السياسى لأجيال شابة داخل هيكلها التنظيمى. من هنا شاع وصف لها بأنها جرائد تصدر أحزابا. من هنا مسئولية غياب العمل السياسى ومراكمة تقاليد سياسية وحزبية هى مسئولية النظام والأحزاب معاً.

 

لا شك أن سياسة اللا سياسة عند قمة النظام التسلطي، جاءت من بعض مؤسسات الدولة البيروقراطية التى تعتمد على العقل «الروتينى» وعدم التجديد والجمود، من هنا تم استبدال العقل السياسى والسياسة بالعقل البيروقراطى والأمنى فى إدارة شئون البلاد بلا رؤية كلية، وذلك من أجل سيطرة الدولة الأمنية والقمعية على الأحزاب السياسية، وعلى القوى السياسية خارج نطاق الشرعية القانونية، التى يتعامل معها جهاز الدولة الأمني. لا شك أن سياسة اللا سياسة البيروقراطية أدت إلى تحميل الأجهزة الأمنية بأعباء تفوق قدراتها وتكوينها ودورها فى إطار الدولة الحديثة وسيادة القانون، لكى تلعب أدوارا سياسية يفترض أنها جزء أساسى من تفكير وأدوار النخبة الحاكمة، وتم استبدال دورها لكى تمارسه الأجهزة الأمنية. من هنا نستطيع تفسير السبب الجوهرى فى غياب العقل والرأسمال السياسى الخبراتى سواء لدى الحزب الحاكم، وأحزاب المعارضة، وشكلية وهامشية دورها وبرامجها الاجتماعية والسياسية، التى تحولت إلى محض علامة على الحزب لاستكمال مقوماته وليس على حضوره السياسى الفاعل. لا شك أن هذه الأسباب هى التى تفسر فى العمق الممارسة «الكاريكاتورية» لأحزاب ما بعد 25 يناير، و30 يونيو، وغياب العقل والفكر السياسى لدى غالب قادة هذه الأحزاب، والأخطر غياب رؤى حول الإصلاح السياسى والاجتماعى والتشريعى، وبناء سياسة خارجية مصرية نشيطة وفاعلة فى الإقليم العربي، وشد عصب المنطقة العربية فى مواجهة تمدد دول الجوار الإقليمى العربى. هذا الغياب للرؤى يعود أيضا إلى الفجوة المعرفية لدى النخب بما يحدث من تطورات عميقة على مستوى النظام الدولى المعولم، وطبيعة التحولات الحادثة فى أركان العالم المختلفة، بل والأخطر عدم استيعاب تجارب التنمية والنهوض فى بعض دول القارات الثلاث فى آسيا وأمريكا اللاتينية وإفريقيا. الأخطر.. أن النخبة الحاكمة بعد 25 يناير و30 يونيو بعيدة عن الواقع المصرى والإقليمى والمتغيرات والتحولات التى تؤثر فى مساراتهما.

من هنا يبدو اعتماد النخبة الحاكمة والحزبية على موروث تقاليد النظام التسلطى وأجهزته واعتمادها على توجيهات بعض أجهزة الدولة الأمنية فى بناء تحالفات هشة داخل التشكيلة البرلمانية الحالية، واستجابة قادة هذه الأحزاب والتحالفات لهذه التوجيهات دونما رؤية لدور البرلمان التشريعى والرقابى فى الإصلاح السياسى والتشريعى والاجتماعى المأمول، الذى يساعد على تطوير أداء البرلمان والسلطة التنفيذية والقضائية. من هنا يبدو المشهد كاريكاتوريا من أحزاب وتحالفات مصنوعة من أجل تأييد السلطة التنفيذية وليس المساعدة على إصلاحها وتطوير سياساتها الحكومية وأدائها، وفى ضرورة استيعاب كل السلطتين لطبيعة التغير الذى حدث فى التركيبة الجيلية والنفسية لقطاعات اجتماعية واسعة، لم تعد تقبل بإعادة إنتاج مجمل الممارسات التسلطية التى كانت سائدة قبل 25 يناير، و30 يونيو وأن قضايا الأمن على أهميتها وأولوياتها، لابد أن تدار على نحو مغاير يعتمد على وجود رؤية وسياسة أمنية تسهم فى دعم الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين، والمساعدة فى الإصلاح السياسى الديمقراطى وقضاياه الأساسية.

إن الاعتماد على الأجهزة الأمنية فى أمور سياسية بامتياز، يعنى أن النخبة الحاكمة والحزبية لم تتغير، لاسيما عقب انتفاضتين، وفى ظل السعى لإعادة إنتاج موت السياسة مجددا، وهو أمر بالغ الصعوبة فى ظل الانقطاع والفجوات الجيلية بين كبار السن، وهم غالب النخبة الحاكمة والحزبية، وبين الشباب لاسيما من أبناء الفئات الوسطى - العليا والوسطى - الوسطى، والوسطى الصغيرة، فى المدن المريفة، وفى الأرياف، وأن ثمة إدراكات مختلفة بين الأجيال كبيرة الأعمار، وبين هؤلاء الشباب من أبناء العالم المعولم والثورة الرقمية واللغة والحساسية الاجتماعية والسياسية المختلفة عن أبناء النظام التسلطى وأجهزته وتقاليده وثقافته. من هنا تبدو الممارسة الحزبية هامشية وهشة ولم تتأثر كثيرا بما حدث بعد 25 يناير و30 يونيو لا على مستوى استيعاب التجربة، أو القطيعة، مع تقاليد النظام التسلطى وقيمه وقواعد عمله. إن الهرولة وراء دعم السلطة التنفيذية سيؤدى إلى تفاقم سياسة اللا سياسة، وسيضعف من دور البرلمان فى التطور الديمقراطى فى البلاد.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟