المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
نبيل عبد الفتاح
نبيل عبد الفتاح

الثقافة فى مواجهة الفوضى والتطرف

الخميس 21/يناير/2016 - 12:52 م

العقل السياسى البيروقراطى السائد ـ إذا جاز التعبير وساغ ـ غالباً ما لا يهتم كثيرا بالثقافة ودورها ووظائفها فى إحداث التغيير الاجتماعى،

وفى إشاعة العقلانية والجمال والحقيقة النسبية، وفى إرهاف السلوك الإنسانى، وفى تشكيل الفردية والمساهمة الفاعلة فى إنتاج الفرد كشخصية ومشيئة وإرادة وفعل إنسانى مستقل ومسئول وفاعل فى الحياة الاجتماعية وفى السياسة وفى ،العمل والأسرة وزمر الرفاق والأصدقاء.

عدم الاهتمام واللا مبالاة من السياسى البيروقراطى والتكنقراطى والأمنى والعسكريتارى يعود إلى عديد الأسباب، نذكر منها تمثيلا لا حصرا ما يلى:

1- أن تكوين البيروقراطى لا تداخله الثقافة إلا نادراً واستثناء، وغالبا المثقف/ «البيروقراطى» نقيضان لا يجتمعان إلا قليلاً وإذا اجتمعا معاً فى شخصية، فغالبا ما يتصارع الثقافى مع البيروقراطى فى طرائق التفكير والحساسية وطريقة معالجة الظواهر والمشكلات المختلفة.

2- التكنقراطى الذى يعمل فى المجال السياسى غالبا ما تسيطر عليه الذهنية الوظيفية والفنية، ومن ثم لا يأبه أغلبهم بدور الثقافة داخل الدولة، أو فى المجتمع بل أحيانا يرونها عائقاً فى مواجهة عملهم الفنى. والأخطر أن بعضهم ممن يعملون فى المجال الثقافى لا يراعون طبيعة هذا العمل ورحابته واحتياجه إلى الخيال التكنقراطى والثقافى والجمالى، ويميلون إلى المعالجات الفنية للأمور، وهو ما يظهر فى بعض ممارسات هؤلاء فى وزارة الثقافة وهيئاتها المختلفة.

3- العقل الأمنى والعسكريتارى الذى يعمل فى إطار النخبة السياسية الحاكمة، غالبا ما يهتم بالأمور والمعالجات السريعة للمشكلات لاسيما السعى إلى احتواء آثارها حتى لا تتفاقم الأمور، ويسعون إلى الإنجاز السريع، ومن ثم غالبا ما يدركون دور الثقافة على أنه معيق لأعمالهم ومثير للشكوك، والجدل، والغليان الاجتماعى، وليس بوصفها حلاً فى العمق للمشكلات ضمن حزمة من أدوات أخرى، وثمة استثناءات تاريخية كالدكتور ثروت عكاشة أحد أبناء ثورة يوليو 1952 وقلة آخرين!

إن النظرة إلى الثقافة كإحدى أدوات معالجة مشكلاتنا تبدو وكأنها إحدى أدوات إرباك العمل فى دولاب أجهزة الدولة، والصورة المدركة عن الثقافة لدى غالبُ مكونات النخبة السياسية الحاكمة تختلط بصور المثقف حيث التمرد ورفض المواضعات السائدة، والجدل، والخيال، وذهنية النقد المستمر للسياسات والحلول التى يقدمها العقل السياسى البيروقراطى والأمنى.. الخ.

يمكننا أن نضيف العقل الدينى السياسى النقلى والراديكالى وموقفه من الثقافة والمثقفين، لأن العقل النقلى -السلفى والرسمى التقليدى والعقل النقلى الإسلامى السياسى الراديكالى- جمعيهم يساندون ثقافتهم الدينية التقليدية ويدافعون عنها، من خلال محاولة حجب العقل النقدى والثقافة الحداثية، أو ما بعدها، لأنه يتعامل مع النصوص الدينية والفقهية والتأويلية والإفتائية من خلال استخدام المناهج الحديثة ذات المنظور النقدى، كما استقر فى التقاليد الفكرية الغربية، سواء فى التقليد الحداثى الذى يهيمن عليه سلطة العقل، أو العقل ما بعد الحداثى ونزعته للمحاكاة الساخرة ونسبية الحقيقة، أو المنهج التاريخى الذى يتعامل مع الظاهرة الدينية -على صعيد الفقه والتأويل والإفتاء والدعوة- بوصفها ظاهرة تاريخانية تدرس فى سياقاتها وفاعليها وقضايا وأسئلة وأجوبة هى ابنة إطارها الزمكانى. هذا المنهج التاريخى، والسوسيولوجى، والهيرمناطيقى الذى يتعامل مع النصوص من خلال المنهج التأويلى أو من خلال المقاربات الفلسفية مثير للقلق والاضطراب فى قلب الدوائر الدينية على تعددها، وهى مقاربات تخيف العقل الدينى/ السياسى النقلى الذى ورث أساليب فى التفكير تعتمد على المحفوظات والتلاوة، والتكرار، لأن العقل النقلى / عقل تكرارى، ويحاول أن يستخدم مصادر أصول الفقه على النمط الذى ساد لدى الفقهاء الأوائل وتابعيهم وتابعى التابعين. هذا الإرث العقلى المحفوظ لا يدرس فى سياقاته وأمكنته وأزمنته وأسئلته من منظور تحليلى، ومن ثم يبدو فى الخطابات النقلية وكأنه فوق الزمان والمكان والمصالح المرسلة لأهل زماننا.

فى هذا الإطار تبدو الثقافة والمثقف وحيدين ومستهدفين من هؤلاء الفاعلين على تعددهم، وغالبهم ضد سلطة المثقف والثقافة، لأنها تشكل تهديداً وقلقاً وتوتراً من خلال العقل والروئ والإنتاج النقدى الذى يؤسس لاستقلالية كليهما إزاء مؤسسات وسلطة المحرمات الاجتماعية والسياسية والدينية الوضعية، والهوامش التى يؤسسها المثقف بينه وبين سلطة السائد- معرفة وسلطات وأفكار وقيم وسلوكيات. الخ- ومن ثم يتحرك فكراً وسلوكاً فى إطار حرية العقل والفكر والتعبير. غالباً ما تتحسس السلطات القائمة أيا كانت هرواتها وأسلحتها المادية والرمزية، واتهاماتها بالتكفير الدينى، وعدم الوطنية والعمالة للجهات الخارجية لتشويه المثقف وحصاره.

فى ظل هذه الأوضاع المضطربة والعدائية وعجز العقل السياسى البيروقراطى والدينى والأمنى والتكنقراطى عن مواجهة مشكلات معقدة، يبدو دور الثقافة والمثقف من الأهمية القصوى بمكان، لأنه وحده القادر على كشف وتعرية التناقضات، وإبراز جذور المشكلات وطرح الحلول الاستراتيجية.

مواجهة ظواهر تفكك الدول، وهشاشة هياكلها، سياسية وثقافية بامتياز لأنها دول لم تستكمل شرائط تأسيسها التاريخى والاجتماعى والرمزى لأنها أسست على الغلبة ـ العائلية والطائفية والمذهبية والمناطقية والانقلابية - ومن ثم الخروج من المجتمع المنقسم إلى المجتمع المؤسس على الاندماج هو عمل سياسى وثقافى واجتماعى واقتصادى، وقاعدة تأسيس التكامل الوطنى ورمزياته ثقافية بامتياز. الطائفية والمذهبية المسيسة هى غطاءات لأبنية قوة ومصالح تتخفى وراء هذا الستار الرمزى، وكشف وبيان صراع المصالح وراءه وحوله هو ثقافى، وعمل نقدى بامتياز. العنف ذو الوجوه الدينية والطائفية والتكفيرية هو تأويلات وضعية وبشرية تخفى مصالح هذه الجماعات، وتفكيك بنية العنف التكفيرى، هو من مهام العقل النقدى للمثقف.

من هنا تبدو الثقافة ـ عموماً والنقدية خصوصا ـ والمثقف أحد أبرز أسلحة المواجهة لفقر التعليم المدنى والدينى وضحالته وسطحيته، وهى المدخل لإعادة تجديد الدولة وتحديث هياكلها وأنظمة العمل داخلها، والأهم الارتقاء بمستويات المعرفة والوعى والسلوك الإدارى، وبناء العقل السياسى الوثاب. من هنا الثقافة هى الحل.

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟