المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
نبيل عبد الفتاح
نبيل عبد الفتاح

السياسة والرياضة: ملاحظات أولية

الخميس 11/فبراير/2016 - 12:55 م

هل هناك علاقة بين السياسة والسياسيين والرياضة؟

العلاقة بين السياسة والطبقة السياسية وبين الرياضة تختلف من الدول الديمقراطية المتقدمة ذات التقاليد عن الدول والنظم السياسية الجنوبية من حيث توظيف الرياضة فى السياسة وحدوده، بين كلا النمطين من النظم السياسية.

فى الديمقراطيات الغربية الأكثر تطوراً، الحق فى الرياضة لجميع المواطنين، من حيث توفير الدول المناشط الرياضية المختلفة للجميع بلا تمييز، ووفق اختيارات المواطنين سواء فى الرياضيات الفردية، أو الجماعية، والحق فى ممارساتها، مروراً بالانضمام إلى الأندية الرياضية، أو الصالات الرياضية أو فى رياض الأطفال والمدارس والجامعات والمعاهد على اختلافها. الرياضة إذن جزء من نمط الحياة اليومية فى هذه المجتمعات، ومن الصحة الفردية والعامة للمواطن.

رياضة البطولات - فى جميع المجالات - هى جزء لا يتجزأ من أنشطة الأندية الكبرى، والصغرى التى تعتمد فى تمويلها على بعض الشركات الكبرى التى ترعى هذه النوادى وفرقها ونجومها فى كل أنواع الرياضيات، وذلك كجزء من دعاية هذه الشركات لنفسها بين الجماهير عموماً، أو تعتمد على تمويل بعض كبار رجال الأعمال لهذه النوادى. بعض هؤلاء الأثرياء يتخذ من تمويله ودعمه للنوادى الكبرى الشهيرة لاسيما فى كرة القدم مدخلا لتحقيق شهرة وذيوع جماهيرى يوظفه فى الدخول إلى عالم السياسة ومنافساتها، ووسائل الإعلام الجماهيرية الكبرى لاسيما التليفزيون.

على صعيد الفرق القومية - لاسيما كرة القدم- يقوم بعض السياسيين بتشجيع هذه الفرق لأنها تمثل بلادهم، ومكانتها الدولية، وتحقيق الانتصارات فى المسابقات القارية أو الدولية يعكس وضع الرياضة ومكانتها فى هذه البلدان.

هناك تمايز بين السياسة والرياضة وفرقها وبطولاتها ونجاحاتها، وبين العمل السياسى والحزبى فى الأطر الديمقراطية وقواعد عملها، بحيث لا تؤثر الرياضة فى العمليات السياسية، والمنافسة الحرة بين الأحزاب والسياسيين، ولا تؤثر الهزيمة أو النصر على مآلات العمليات السياسية وشعبية الطبقة السياسية الحاكمة، إلا نادراً و استثناء.

فى النظم السياسية فى إطار دول جنوب العالم، يختلف وضع الرياضة فى العلاقة مع السياسة بين دول تأخذ بالتعددية السياسية والديمقراطية، وبين الدول الشمولية والتسلطية -فى الدول الديمقراطية - ومثالها الهند، والبرازيل والأرجنتين وجنوب إفريقيا على سبيل المثال- لا تزال للرياضة بعض الدور النسبى وبعض التأثير على مكانة بعض السياسيين من حيث الشهرة والذيوع والمكانة خاصة بعض ذوى الاهتمامات الرياضية لبعض الفرق الرياضية، أو القومية فى هذا الصدد. مع رسوخ التقاليد الديمقراطية يتراجع نسبيا هذا الدور للرياضة فى السياسة، وعندما لا تحقق بعض الفرق الرياضية انتصارات قارية، وإقليمية تتحول بعض هذه الهزائم إلى أزمات تستدعى تدخل بعض السياسيين للتعامل مع أسبابها ومشكلاتها وحلولها.

فى الدول الشمولية والتسلطية تلعب الرياضية وكرة القدم عديدا من الأدوار السياسية التى يستخدمها رجال السياسة، ومن هذه الأدوار ما يلى:

1- الدول والمجتمعات التى ترتكز على تكوينات مجتمعية متعددة اللغات، والأعراق، والقوميات، والمناطق، تلعب الفرق القومية وظيفة المساهمة فى بناء الهويات القومية، والتماسك الجماعى، والولاءات الكبرى باسم الوطنية، أو القومية، من خلال قدرة الفرق القومية على استقطاب الولاءات ما فوق الأولية - القبيلة والعشيرة والدين والمذهب واللغة والعرق والمنطقة والشرائح الاجتماعية المتصارعة - حول مفهوم الوطنية.

2- الرياضة عموما وكرة القدم تشكل أحد مصادر التعبئة الوطنية والاجتماعية، وإحدى قنوات استقطاب الاهتمامات العامة للجماهير خارج المجال السياسى، لاسيما فى ظل غياب الديمقراطية أو تعثر عمليات التحول نحوها فى بعض هذه البلدان. من ناحية أخرى يستخدم الحكام الديكتاتوريون والتسلطيون الرياضة وكرة القدم تحديداً فى الترويج لشعبيتهم ومحاولة وقف تدهورها فى بعض الأحيان.

3- فى ظل ظاهرة موت السياسة، أو سياسة اللا سياسة فى مصر، كانت الرياضة هى مجال الاستقطاب الجماهيرى بين بعض الفرق الكبرى، التى تحولت إلى ما يشبه الأحزاب السياسة الكبرى، وذلك بديلا عن العمل السياسى المباشر المحرم خارج نظام الحزب السياسى الواحد، أو الحزب الحاكم فى ظل التعددية الحزبية الشكلية والمقيدة، يلاحظ هنا أن الطبقة الوسطى المصرية اتخذت من انتخابات الأندية الرياضية الميدان الأساسى لها فى الممارسة الديمقراطية، وضمان نتائج ترشيحها وتصويتها فى الحدود الدنيا المأمونة فى مواجهة سياسة تزوير نتائج الانتخابات والاستفتاءات العامة.

4- أحد أبرز اهتمامات الشباب فى ظل التسلطية السياسية وندرة الفرص، الانخراط فى تشجيع الفرق الرياضية لاسيما كرة القدم ثم تشكيل فرق الألتراس كنتاج للعولمة وثورة المرئيات والرقميات،، والتى تحولت بفعل موت السياسة والقمع إلى أحزاب سياسية بل وصلت إلى حد أصبحت أقرب إلى الطوائف ذات اللغة الخاصة، والشعارات، والانضباط التنظيمى الصارم، وقدرة قادتها على الحشد، والتعبئة، وتوظيف الطاقات الجيلية الشابة، فى التشجيع للفريق، والتأثير على إدارة الفرق الرياضية، وعلى مجالس إدارات الأندية والمدربين واللاعبين، والأخطر أنها تمارس ضغوطا ثأرية على السلطة السياسية، والأمن.

5- أن تأييد السلطة للألتراس فى البداية دون التنبه إلى أصول المشكلة السياسية والجيلية أدى إلى تحول الظاهرة إلى سياسية بامتياز، بعد 25 يناير، وسعى بعض القوى السياسية إلى توظيفها لتحقيق أهدافهم.

6- أن ظاهرة الألتراس هى الوجه الآخر الموازى لسعى بعض المنظمات الدينية والسلفية لتديين المجالين العام والخاص، والسياسة فى مصر، وتضييق دائرة الأنشطة الشبابية والجماهيرية فى إطار التدين المذهبى المسيس، ومن ثم وجد غالبهم فى الألتراس ملاذاً وفى كرة القدم مجالاً واسعاً لاستيعاب طاقاتهم.

7 - أن العودة إلى مسار الإصلاح الديمقراطى المأمول، يعنى عودة السياسة، ومن ثم إعادة توزيع الطاقة الجيلية الشابة فى مناشط سياسية واجتماعية وطنية تتجاوز حدود الانتماءات الضيقة للفرق وتحررها من التعصب والتحيز والعنف. المشكلة اجتماعية وسياسية وثقافية بامتياز، وحلولها تكمن فى استيعاب جذورها وأسبابها، والعودة إلى السياسة مجدداً.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟