المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
نبيل عبد الفتاح
نبيل عبد الفتاح

أزمة الانفصال بين القرار السياسى والبحث الاجتماعى

الخميس 07/أبريل/2016 - 12:58 م

لا توجد سياسة فاعلة وناجحة وقادرة على اختراق المشكلات المعقدة دون اعتمادها على معطيات البحث العلمى والاجتماعى، وهو ما تعانيه الدولة والنظام والنخبة السياسية الحاكمة منذ عديد العقود فى مصر، وذلك لأن السياسات الاجتماعية والقرارات السياسية وآليات العمل والتدابير هى حزمة متكاملة، ولكى تكون فاعلة فى تحقيق الأهداف المراد تحقيقها لابد أن نعتمد على عديد من الشروط السياسية والعلمية، يمكن إيجاز بعضها فيما يلى:

1- وجود طلب سياسى فعال من قبل النخبة السياسية الحاكمة على المعرفة والإنتاج البحثى فى مختلف المجالات الاجتماعية والسياسية والثقافية.

2- أن تعتمد عمليات صنع القرارات السياسية على التعاون والتكامل والتنسيق بين أجهزة الدولة المعلوماتية ولو عند حدودها الدنيا فى مراحل الاستقرار السياسى والأمنى والاجتماعى، وعلى أعلى مستويات التكامل والتنسيق فى المهام فى لحظات الأزمات الكبرى والاضطرابات، لأن الفشل فى إدارتها سوف يؤدى إلى مشكلات كبرى قد تعصف ببعض أجهزة الدولة.

3- القدرة على التجدد الفكرى والسياسى لدى قادة النظام وأجهزة الدولة، وليس الاعتماد فقط على بعض الرأسمال الخبراتى للبيروقراطية، الذى يتسم بالجمود والركود.

4- وجود سياسة علمية فى مجال العلوم الاجتماعية تعتمد على خطط بحثية مستمرة للتعامل مع المشكلات البنائية الكبرى، وما يتفرع عنها من مشكلات.

5- وجود مؤسسات ونظم وتقاليد لإجراء استقصاءات للرأى العام واتجاهاته لمعرفة الاستمرارية والتغير فى آراء المواطنين إزاء النظام والنخبة وشرعية وجودها السياسى ومصادر تأييدها داخل التركيبة الاجتماعية والعمرية والسياسية فى البلاد، وذلك كى تستطيع النخبة الحاكمة أن تتكيف مع هذه التغيرات فى توجهات الرأى العام، وتعرف أسباب تناقص التأييد السياسى والاجتماعى لها ولسياساتها ويمكنها إعادة النظر فى بعض توجهاتها واختياراتها، وترميم الشروخ فى نظام الشرعية السياسية لصالحها، ولا تعتمد فقط على التقارير التى تقدمها الأجهزة الأمنية والاستخباراتية فقط، لأنها تكون محكومة باعتبارات وضوابط وظيفية، ومصالح، وتوجهات القائمين على كتابة هذا النمط من التقارير، ورغبتهم فى عدم إزعاج صانع القرار الأول فى النظام الحاكم فى بعض الأحيان، وهو أمر عانت منه الدولة والنظام والنخبة والسياسة المصرية كثيراً، بسبب حجب بعض المعلومات المهمة عن رئيس الجمهورية، أو تقديمها دون تقدير وزنها النسبى وخطورتها.

6- ارتباط سياسة البحث العلمى فى مجال العلوم الاجتماعية بالاستقلالية فى أداء الأعمال المنوطة بها، وفى اختياراتها لموضوعات البحث.

7- ضرورة إتاحة مصادر المعلومات الدقيقة أمام جهات البحث المختصة من قبل أجهزة الدولة والحكومة دون حجب لبعضها تحت منطق أمن المعلومات مادامت لا تمس الجوانب العسكرية أو الأمنية أو الاستخباراتية ذات الحساسية والماسة بالأمن القومى.

8- إسناد بعض مهام إعادة تأهيل وتكوين بعض كوادر الدولة وأجهزتها من الأجيال الشابة والمتوسطة الأعمار إلى بعض مراكز ومؤسسات البحث الاجتماعى والسياسى والاستراتيجى فى إطار خطة منظمة ومستمرة لتجديد مناهج تفكيرهم ومعلوماتهم وطرائق تعاملهم مع الظواهر والمشكلات الاجتماعية والسياسية الجديدة مصريا وعربياً وكونياً. أما الأجيال الأكبر سنا من قيادات الدولة يمكن اللجوء إلى ورش العصف الذهنى بين الحين والأخر، وعلى نحو منتظم لتوليد التجدد الفكرى إزاء ظواهر جديدة مصرياً، وفى الإقليم، وعلى المستوى الكونى، ومدارس الفكر الاستراتيجى والاجتماعى السائدة فى التجارب المقارنة. لا شك أن ذلك سيؤدى إلى خلق تفاعل بين العقل العلمى، وبين العقل العملى/ البراجماتى، ويؤدى إلى تجسير الفجوات بين رجال الفكر ورجال العمل السياسى والبيروقراطى، ويشكل أطرا لتشكيل وتكوين سياسى لعناصر داخل أجهزة الدولة لتطوير أساليب تفكيرها وطرائق مقارباتها للعمل فى كل سلطات الدولة، وتجاوز الفجوات التى تتسع بين التكوين الوظيفى والخبراتى ضعيف المستوى فى عديد الأحيان لدى بعضهم، وبين التطور داخل التخصصات المختلفة وبين هؤلاء، وبين المتغيرات الجديدة.

إن هيمنة سياسة اللا سياسة كما سبق لنا الإشارة مراراً والتى تسود النخبة المصرية، أدت إلى إهمال دور البحث العلمى والاجتماعى فى عمليات صنع السياسات واستراتيجيات العمل، وآلياته، وتدابيره طيلة عديد العقود فى ظل التسلطية السياسية، والأخطر إهمال قيمة المعرفة العلمية، والبحث الاجتماعى والسياسى للدولة والنظام والمجتمع وترتب على ذلك نتائج سلبية مختلفة يمكن الإشارة إلى بعضها فيما يلى:

1- استمرارية الأجهزة البيروقراطية فى تسييد نمط من المناورة والمداراة فى تعاملها مع الظواهر والمشكلات والأزمات الاجتماعية والسياسية والإدارية، وذلك تهرباً من المسئولية الإدارية بل والجنائية فى بعض الأحيان، بل وقدرتها على احتواء أية سياسة أو برامج لتجديد العمل الإدارى فى قطاعات الدولة على اختلافها، وفى إحباط أى محاولات إصلاحية.

2- سيطرة الكسل الذهنى، وضعف الخيال الإدارى، وتراجع العمل الجاد والمسئول فى قطاعات الدولة وأجهزتها البيروقراطية، ونقص الحرفية والتخصص الوظيفى، فى ظل ترهل الإدارة، ولا عمل كثير يجرى من داخلها، مع تصاعد ضغوط الموظفين للحصول على المزايا والمكافآت، وسطوة الفساد الإدارى فى تعاملهم مع المواطنين.

3- تدهور مستويات اللغة السياسية والخطاب السياسى الرسمى والبيروقراطى، وغلبة العفوية والسذاجة واللغة العامية، والتفسيرات الساذجة للظواهر والمشكلات لدى بعض الوزراء ورجال الحكم فى أعلى المستويات.

أن الانفصال بين السياسة والقرار والبحث العلمى والاجتماعى، شكل ولايزال أحد أسباب تدهور مستويات النخبة السياسية الحاكمة، ومعارضاتها، بل وفى بروز نقص فى المعرفة والوعى السياسى والاجتماعى والثقافى بما يحدث فى مجتمعنا، وفى الفجوة بيننا وبين ما يجرى فى الإقليم، وتحولات العالم الكونى المتغير.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟