المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
نبيل عبد الفتاح
نبيل عبد الفتاح

يبدو أننا نجنى الثمار المرة لظاهرة موت السياسة فى مصر، وغياب المدارس السياسية الحزبية ومؤسسات التنشئة داخلها،

الخميس 21/أبريل/2016 - 02:59 م

يبدو أننا نجنى الثمار المرة لظاهرة موت السياسة فى مصر، وغياب المدارس السياسية الحزبية ومؤسسات التنشئة داخلها،

وهو ما يتجلى فى الأزمة التكوينية للخطاب السياسى العفوى الشفاهى، وضحالة الخطاب المكتوب بنية ومرجعية ولغة وإشارات وعلامات، على نحو أصبح بذاته عنوان أزمة العقل السياسى المستقيل، وأحد مصادر إنتاج الأزمات للنخبة الحاكمة والمعارضة، من فرط تناقضاته، وما يثيره من إشكاليات واضطراب فى الفكر والممارسة. فى المرحلة شبه الليبرالية كانت الأحزاب السياسية والمجتمع شبه المفتوح والحيوية الثقافية والانفتاح على مدارس الفكر السياسى والفلسفى الأوروبى، وثقافة المدينة الحديثة، يشكلون محركات التطور السياسى وتجلياته فى رقى الخطاب السياسى للنخب الحزبية الحاكمة والمعارضة معاً، وارتفاع مستويات الحوار والجدل العام نسبياً داخل الأحزاب وخارجها، وفى المستوى الرفيع للخطاب البرلمانى والتشريعى كما يبرز فى مدونات البرلمان والجدل الدستورى والقانونى رفيع المكانة والمقام أثناء نظر القوانين الأساسية أو الفرعية، ومن أبرز الأمثلة على ذلك الأعمال التحضيرية للقانون المدنى المصرى الجديد، أو مناقشاته داخل البرلمان، وغيره من القوانين التى تم تعديلها وإصلاحها فى أعقاب اتفاقية مونتريه 1937 الخاصة بالاستقلال القضائى وإلغاء الامتيازات الأجنبية. يعود تطور الخطاب السياسى والتشريعى آنذاك لعديد الأسباب على رأسها ما يلى

1-
الحياة السياسية النشطة رغم بعض القيود عليها، كنتاج لدور الأحزاب كمدارس للتنشئة السياسية، والتفاعل والتناغم بين الحركة القومية الدستورية، وبين ضرورات تأصيل مكونات ومعانى الدولة الديمقراطية الدستورية، على النسق الغربى، والكفاح من أجل الاستقلال والتحرر من نير الاستعمار البريطانى البغيض، لاسيما فى إطار الوفد المصرى حزب الحركة الوطنية وقياداته الشعبية وكوادره المتميزة، وكذلك حزب الأحرار الدستوريين وقياداته النخبوية الرفيعة


2-
التكوين المعرفى الرصين للنخب السياسية الحاكمة والمعارضة، ووجود بعض المفكرين الكبار ضمن تشكيلتهم، ومنهم على سبيل المثال محمد حسين هيكل، وطه حسين، وعباس العقاد، ليس هذا فحسب بل وفى إطار سلطات الدولة الأخرى كالقضاء، حيث كان تكوين القاضى المصرى يتسم بالجدية والعمق وروح الاجتهاد والتجديد، والإطلاع على القانون والقضاء المقارن كفتحى زغلول باشا، وعبد العزيز فهمى باشا ومحمد نور بك النائب العام وآخرين كثرُ. وثقافة بعض الأفنديات من موظفى الدولة من أمثال محمد عمر مؤلف سر تأخر المصريين


3-
الحداثة السياسية والقانونية والهندسات الاجتماعية والمعمارية والتخطيطية العمرانية الحديثة، أسست مع ثقافة المدينة الكوزموبوليتانية بيئة حاضنة للسياسة الحديثة فى مواجهة بعض أبنية القوة التقليدية ونمط السيطرة الأبوى لأن السياسة الحديثة هى ابنة المدينة وثقافتها


من هنا تشكل السياسى الحديث فى مواجهة الأشكال ما قبل الحديثة لبناء القوة التقليدى وقادته الأبويين. من هنا يمكن القول ألا سياسة بلا سياسيين، ومن ثم لا سياسيين بلا سياسة، وتطور ديمقراطى ومؤسسات حديثة ودولة القانون الوضعى العصرى


كان الحزب السياسى الواحد علامة على سياسة التعبئة والهيمنة الإيديولوجية والرمزية، وغياب التعددية السياسية، وسطوة أجهزة القمع الأمنى والرمزى، ومن ثم كان نمط الحزب ابن موت السياسة لا سياسى بامتياز، وإن كان هناك بعض السياسيين داخلهم على سبيل الاستثناء. إلا أن التجربة الحزبية الشكلية والمقيدة على عهدى السادات، ومبارك، لم تنتج سياسيين بالمعنى الدقيق للكلمة فى ظل سطوة الأجهزة الأمنية التى تحول دورها إلى مجالات هى أدخل فى السياسة وأدوار السياسيين، بل ظهر بعض رجال السياسة داخل جهاز الأمن أكثر مهارة من قادة حزبيين موالين لا علاقة لهم بالسياسة، ومن هؤلاء ممدوح سالم، وحسن أبو باشا وآخرين، لخبراتهم السابقة، ولأمساكهم بملفات سياسية بامتياز. انهار نظام مبارك لأن السياسة ماتت، وكان الموالون ورجال السلطة هم جزء من البيروقراطية الأمنية وبعض التكنوقراط وفى لحظات الأزمات الكبرى، كان يتم اللجوء إلى الكبار ولو كانوا خصوماً أو معارضين من أمثال حامد سلطان، ووحيد رأفت وآخرين. كان الخطاب السياسى المنطوق وراءه بعض الكبار من الكتاب والخبراء، أما الخطاب الشفاهى فكان يحكمه غرور القوة ورعونتها والعفوية الساذجة وضعف التكوين والحس والخيال واللغة السياسية للحاكم ونخبته العاجزة والتى طالها الضعف المعرفى والفساد السياسى والمالى، وهو ما كان يظهر فى خطاب قادة الأغلبية فى البرلمان، وفى وسائل الإعلام، حيث الضحالة العلمية وعدم معرفة ما يجرى فى البلاد من تغيرات، وفى العالم والإقليم من تحولات كبرى


أن الخطابات العفوية الساذجة والمتناقضة والمولدة للأزمات تتزايد فى البرلمان، وفى الحكومة وغيرها من المواقع السلطوية، وفى الصحف ووسائل الإعلام المرئية وغيرها هو ما يشير إلى مخاطر جمة تحيق بنا، ويتطلب الأمر مراجعات كبرى حول مستقبل الخطاب والتطور الديمقراطى ودولة القانون والعلاقات بين الأجيال وضرورة البدء فى مواجهة الفساد، وبناء التوافقات الوطنية، واحترام حرية الرأى والتعبير وغيرها من الحريات العامة والشخصية. الحوار حول هندسة الدولة الحديثة وقانونها وحرياتها ومؤسساتها مهم حيثُ لم تعد أجيال المستقبل الشابة -أبنة عالمها الرقمى واتصالها الدائم بما يجرى فى دنيانا- قادرة على استيعاب نمط الخطاب السياسى السلطوى القديم القائم على احتكار الوطنية والمعرفة والخبرة، بينما الخطاب والسياسة التسلطية تفاقم من أزماتنا الكبرى. من فضلكم لحظة تأمل ودرس لما يجرى داخلنا وحولنا.. اللهم قد بلغت اللهم فأشهد

 

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟