المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
نبيل عبد الفتاح
نبيل عبد الفتاح

أزمة الخطاب البرلمانى الجريح

الخميس 28/أبريل/2016 - 10:14 ص
أحد أبرز تجليات موت السياسة، وسياسة اللا سياسة إذا جاز التعبير وساغ - يتمثل فى الخطاب البرلمانى السياسى

والرقابى والتشريعى الذى يتسم بعضه بالركاكة والسطحية فى مقاربة المشكلات السياسية والقانونية، على نحو يؤدى إلى تفاقم الاحتقانات، وتراجع شعبية السلطة التشريعية وغالبُ أعضائها لدى قطاعات اجتماعية واسعة، وليس النخب السياسية والثقافية فى البلاد، ومن ثم إلى تآكل شرعيته، وهو أمر يحتاج إلى وقفة للمراجعة والتبصر وإعادة النظر فى الأداء البرلمانى خلال الفترة منذ انعقاده وحتى هذه اللحظة. 

الخطاب البرلمانى المسيطر على عمل وأداء البرلمان وأعضائه يتمثل بعضه فيما يلى: 

1- التركيز على دعم الحكومة، وذلك دون مناقشات نقدية حول السياسات العامة والاجتماعية من حيث جدواها ونفقاتها السياسية والنفسية على العلاقة بين المواطنين والدولة، والتوازن بين «الطبقات» الاجتماعية لاسيما الفئات الأكثر عسراً والتى تعانى معاناة قاسية فى محاولاتها وقف سقوطها الاجتماعى المتنامى إلى ما وراء خط الفقر جراء تفاقم التضخم بكافة أشكاله، وارتفاع معدلات البطالة، وتدهور قيمة الجنيه، والأخطر غياب الأمل أو التلويح الموضوعى به فى المستقبل على نحو يؤدى إلى تراكم فوائض الإحباط والغضب الجماعى. 

2- الدعم المستمر للسلطة التنفيذية بفرعيها الرئيس والحكومة - بمقولة حماية الدولة، وهو دمج غير سائغ بين الدولة ككيان معنوى كلى ورمزى، وبين السلطة التنفيذية، وهو ما يشكل خطأ فى فهم معنى الدولة وبين سلطاتها كافة، وهو اتجاه يكرس سياسة اللا سياسة ويؤدى إلى ضعف فى أداء البرلمان لوظائفه الرقابية والتشريعية لاسيما أن الأغلبية الساحقة من التشريعات تتقدم بها الحكومة إلى البرلمان لمناقشتها وإقرارها، وتراجع الدور التشريعى لأعضاء البرلمان. 

الأداء الراهن للسلطة التشريعية وتمريرها للقرارات الجمهورية بقوانين وغيرها من المشروعات بقوانين من الحكومة، يؤدى إلى إضعاف فعلى وواقعى لمبدأ الفصل بين السلطات الذى يعتمد على التمايز الوظيفى بين بعضها فى إطار التعاون، ولأن جوهره قائم على الرقابات المتبادلة بين السلطات بعضها بعضاً، وكان من المفترض أن تقوم الائتلافات البرلمانية المختلفة بإعداد تصوراتها لفلسفة الإصلاح التشريعى، والقيم والمصالح الأساسية التى تسعى السياسة التشريعية لتحقيقها سواء فى توجيه جماعة النواب أو جماعاتهم- فى أثناء مناقشة مشروعات القوانين التى تتقدم بها الحكومة، أو الائتلافات، أو بعض أعضاء البرلمان، لكى يكون النقاش البرلمانى موضوعياً وجاداً ويتسم بالنزعة النقدية والإصلاحية. 

3- الخطاب البرلمانى الرقابى لايزال متردداً إلا قليلاً فى ممارسة دوره، وتوظيف الآليات الرقابية التى وضعها الدستور لأعضائه فى المبادرة بتقديم الأسئلة، وطلبات الإحاطة، والاستجوابات، وتشكيل لجان تقصى الحقائق، على نحو يؤدى إلى إشاعة روح رقابية على السلطة التنفيذية وأن سياستها وقراراتها وعملها يخضع لرقابة برلمانية بصيرة وتتابع بدقة أعمالها، وهو ما يدفعها إلى ترشيد وإصلاح عملها والارتقاء بأداء أجهزتها، ومراعاة الفجوات الاجتماعية والمناطقية المتسعة بين الطبقات والشرائح الاجتماعية، وبين الحضر/ المدن والأرياف، لاسيما المناطق المهمشة. ومن ناحية أخرى يدفع الحكومة إلى استصحاب مبادئ المساواة والمواطنة وحقوق المرأة والأطفال ومتحدى الإعاقة فى إعدادها للموازنة العامة للدولة، وفى سياسات التوزيع، وفى تقلد الوظائف العامة. من ناحية أخرى ممارسة الصلاحيات الرقابية للبرلمان، تؤدى إلى توليد قاعدة تأييد ومساندة جماهيرية- متعددة المكونات الاجتماعية- للبرلمان، ومن ثم دعم شرعيته السياسية. إن ممارسة الدور الرقابى لا تأتى دون وعى ودرس ومعلومات وخطاب رقابى رصين وموضوعى وسياسى بامتياز، وإلا تحول الأمر إلى محض لغو خطابى وثرثرة برلمانية تكشف عن بعض العفوية الساذجة التى تؤدى إلى إشاعة التشكيك فى الجدارة البرلمانية. 

4- ثمة خطاب برلمانى فرعى يتمدد، ويتمثل فى خطاب ولغة بعض أعضاء البرلمان فى تعاملهم مع بعضهم بعضاً، وبينهم، وبين رئيس البرلمان ويتسم فى بعض الأحيان بالخشونة والغلظة والعنف اللفظى، ويحتاج إلى ضبط لأنه يركز على نقد حاد وجارح لبعض الممارسات الشخصية، ومن ثم يساعد ذلك على تزايد الغضب الجماهيرى والإعلامى. 

والسؤال كيف يمكن ترشيد الأداء البرلمانى عموماً، والخطاب السياسى والتشريعى والرقابى لأعضاء البرلمان؟ يمكن القيام بالإجراءات التالية: 

1- اختيار المجلس لمجموعات من الخبراء فى تخصصات مختلفة لدعم الائتلافات البرلمانية بالمشورة فى مجالاتهم المختلفة لدعم أداء أعضائها فى عملهم التشريعى والرقابى، ومعهم الأعضاء المستقلون. 

2- إعداد فريق بحثى لدراسة القوانين الأساسية واقتراحات تعديلها وإصلاحها وفق قيم الحريات العامة وحقوق الإنسان والمواطنة. 

3- إعادة النظر فى سياسة تغليظ العقاب وتبنى سياسة جنائية وعقابية إصلاحية وفق الاتجاهات الراهنة فى القانون المقارن. 

4- تشكيل رئيس مجلس النواب لجنة من الخبراء وأعضاء اللجنة التشريعية لوضع تصور لسياسة تشريعية متكاملة والمعايير التى يجب استصحابها عند مناقشة مشروعات القوانين المقدمة من الحكومة وأعضاء البرلمان. 

5- إعداد ورش عمل لمجموعات أعضاء البرلمان على أساس حزبى أو ائتلافى أو المستقلين لمناقشة القضايا الأساسية التى تهم الأمة وكيف يمكن التعامل معها. 

6- أن تسعى الأحزاب السياسية والائتلافات إلى إنشاء مراكز بحثية داخل كل حزب أسوة بالتقليد الغربى فى هذا الصدد، لتطوير الأداء العام لأعضاء البرلمان وأعضاء الحزب من خلال البحوث، وورش العمل والمحاضرات التى يقوم بها خبراء بارزون فى هذا الصدد. 

7- طلب رئيس المجلس من كل لجنة من لجانه إعداد ورقة حول تصوراتهم لعملها، والقيم والمعايير الحاكمة لها فى ضوء الوظيفة والمهام المنوطة بها، ويمكن هنا الرجوع إلى تجارب بعض برلمانات الدول المتقدمة برلمانيا فى أوروبا والولايات المتحدة والهند، وجنوب إفريقيا.. الخ. 

الإجراءات السابقة تشكل ضرورة ملحة لكى يحافظ البرلمان على قواعد التأييد الشعبى التى يبدو أنها تتراجع، من فرط أزمة الخطاب البرلمانى، وعدم انضباط بعض أعضائه فى حضور الجلسات، أو فى خروج بعضهم عن قواعد اللياقة، وعدم تركيز بعض أعضاء البرلمان على دورهم الرقابى والتشريعى، والانصراف إلى تحقيق بعض المصالح الخاصة أو الفئوية لدوائرهم، لأن البرلمان لن يكون فاعلا إلا من خلال تطوير أداء أعضائه ودون ممارسة إصلاحية شاملة ورقابة فاعلة على أعمال السلطة التنفيذية وسياساتها، لا مجرد التأييد أو النقد الجزئى العفوى أو التماهى مع رأس السلطة التنفيذية بدعوى حماية الدولة واستقرارها وفق الشعار المغلوط والسائد، ولأن الرقابة هى التى ستؤدى إلى إصلاح وترشيد عمل السلطة التنفيذية. 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟